بينما تشدد موسكو على موقفها الرافض إدخال المساعدات الإنسانية عبر إغلاق معبر «باب الهوى» الحدودي مع تركيا، أمام أكثر من 3 ملايين شخص في الشمال السوري، جددت قوات النظام السوري قصفها الصاروخي والمدفعي على بلدات ريفي إدلب وحماة شمال غربي سوريا، وسط حملة عسكرية تشنها قوات النظام وحلفاؤه على إدلب والأرياف المحيطة بها، منذ أسبوعين، ما أدى إلى تفاقم الكارثة الإنسانية وتزايد أعداد النازحين في مراكز الإيواء المؤقتة والمخيمات بما يفوق القدرة على الاستجابة.
وأحصت جهات إنسانية نزوح أكثر من 1800 نسمة، خلال الأيام الماضية، وذلك من قرى وبلدات جبل الزاوية في ريف ادلب الجنوبي، في اتجاه المدن والبلدات الآمنة نسبياً، والبعيدة عن المناطق المتاخمة للعمليات العسكرية الأخيرة. يجري ذلك تزامناً مع مطالبة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بإغلاق شريان الحياة الوحيد في إدلب، أمام المساعدات الإنسانية، حيث شدد على تقديم المساعدات الإنسانية عبر النظام السوري حصراً.
وقال بوتين، في مقابلة مع قناة «NBC» الأمريكية نشر نصها أمس عبر موقع الكرملين: «وقعت للأسف هناك مآسٍ كثيرة جداً، ويجب أن تهدف كل إجراءاتنا بشكل عام إلى بسط الاستقرار للأوضاع وإعادتها إلى مسار طبيعي. وبدعم روسيا استعادت السلطات السورية أكثر من 90% من أراضي البلاد. والآن يجب تنظيم إيصال المساعدات الإنسانية إلى كل الناس بصرف النظر عن أي سياق سياسي».
وشدد بوتين على أن موقف روسيا يتمثل في «ضرورة تقديم المساعدات الإنسانية عبر الحكومة المركزية دون تمييز، كما يحدث ذلك في كل العالم وتنص عليه أحكام القانون الدولي».
مطالب الرئيس الروسي، تزامنت مع حديث الممثل الخاص له في سوريا ألكسندر يفيموف عن احتمالية إنهاء حكومة بلاده اتفاق التهدئة المبرم مع أنقرة حيال منطقة خفض التصعيد الأخيرة، شمال غربي البلاد، وشن عملية عسكرية جديدة تستهدف المنطقة المكتظة بالمدنيين.
سفير روسيا لدى النظام السوري يفيموف قال الاثنين إن تنفيذ بعض بنود الاتفاق الروسي – التركي حول إدلب استغرق «وقتاً أطول مما تريده بلاده، وإن العمل مستمر مع تركيا حول هذا الاتفاق على مستويات مختلفة. وأضاف في حديث لصحيفة «الوطن» شبه الرسمية أمس «على أي حال نبقى على يقين بأنه مهما تكن الاتفاقيات، فإنها لا تلغي ضرورة مواصلة مكافحة الإرهاب دون هوادة، وإعادة الجزء المذكور من أراضي الجمهورية العربية السورية، إلى سيادة الحكومة الشرعية وفي أسرع وقت ممكن».
أكثر من 3 ملايين رهينة
مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، ترجم التصريحات الروسية بأن موسكو ترى المدنيين في إدلب ومحيطها شمال غربي سوريا رهائن يمكن التفاوض عليهم مقابل مكاسب سياسية.
وقال المتحدث لـ «القدس العربي» إن «الهجمات الروسية الأخيرة على جبل الزاوية وعموم إدلب، كل ذلك سببه اعتبار روسيا كل المدنيين الذين يناهز تعدادهم أكثر من 3 ملايين نسمة، رهينة بيدها مقابل مكاسب سياسية، كما أن المفاوضات على المعبر تأتي في هذا الإطار».
وأضاف «روسيا تريد أن تضع الملف السوري على جدول الأعمال خلال اللقاء بين الرئيسين الروسي والأمريكي، وفقاً لمنظورها كقوة فاعلة، بينما النظام السوري، نظام تحول إلى عصابة وهو نظام مجرم متورط بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ولديه سجل أسود بما يخص نهب المساعدات وسرقتها لصالح الميليشيات التابعة له، والمناطق الموالية، وإعادة بيعها بالسوق الحرة، كتعويض للميليشيات عن قتالها إلى جانبه».
ميدانياً، قال الدفاع المدني السوري، الثلاثاء، أن شخصاً قتل، بقصف مدفعي لقوات النظام استهدف الأحياء السكنية في قرية معرزاف في ريف إدلب الجنوبي، كما تعرضت قرية البارة لقصف مماثل. وأكد فريق الخوذ البيضاء أن تصعيد قوات النظام المدعومة بالطيران الروسي مستمر للأسبوع الثاني على ريف إدلب الجنوبي وسهل الغاب، حيث راح ضحيته حتى اليوم 21 شخصاً بينهم طفلان وجنين، وامرأتان، وأصيب 36 آخرون بينهم أطفال ونساء.
وتتبع قوات النظام سياسة ممنهجة في شمال غربي سوريا، رغم أن المنطقة تخضع لوقف إطلاق للنار منذ 6 آذار 2020، بالحفاظ على حالة من اللاحرب واللاسلم، بهدف منع أي حل سياسي على الأرض، ولضمان بقائها المرتبط بحالة التوتر.
كما سقط 3 جرحى من عائلة واحدة، أمس، نتيجة قصف صاروخي من قبل قوات النظام على بلدة مرعيان، والتي استهدفت أيضا قرى شنان والبارة والفطيرة وسفوهن وفليفل وبينين وكنصفرة في ريف إدلب الجنوبي، والناجية في ريف إدلب الغربي، وقليدين في ريف حماة الشمالي الغربي.
موجة نزوح
في غضون ذلك، قال مدير فريق منسقو «استجابة سوريا» محمد حلاج إن الشمال السوري شهد موجة نزوح جديدة عقب عمليات التصعيد العسكري في المنطقة، والتي استهدفت الأحياء السكنية في القرى التي شهدت عودة النازحين إليها سابقًا، معتبرًا أن القصف «خرق واضح لاتفاق وقف إطلاق النار في شمال غربي سوريا».
وأشار حلاج لـ«القدس العربي» إلى أن حملة النزوح تركزت في قرى وبلدات جبل الزاوية في ريف ادلب الجنوبي، حيث وثقت الفرق الميدانية التابعة لفرق الاستجابة نزوح 1,867 نسمة من تلك المناطق في اتجاه المدن والبلدات الآمنة نسبياً البعيدة عن المناطق المتاخمة للعمليات العسكرية الأخيرة.
وناشد مدير فريق الاستجابة الجهات المعنية بالشأن السوري للعمل على وقف خروقات النظام السوري وروسيا والتوقف عن استهداف الأحياء السكنية.
من جانبه، قال المرصد السوري، إن التصعيد الأخير الذي شهدته مناطق جبل الزاوية، أسفر عن نزوح أكثر من 350 عائلة خوفاً من تصاعد العمليات العسكرية.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن بعض السوريين الأكثر ضعفاً هم أولئك الموجودون في شمال غربي البلاد، حيث يوجد الآن 3.4 مليون شخص محتاج، أكثر من 90% من هؤلاء تم تقييمهم من قبل الأمم المتحدة على أنهم في حاجة ماسة أو كارثية، ولا سيما 2.7 مليون نازح داخلياً، مشيراً إلى أن معظمهم يعيشون في أكثر من 1000 مخيم غير رسمي على الحدود مع تركيا.
وأضاف المكتب أن الوصول الوحيد للأمم المتحدة لهؤلاء الملايين من الناس من خلال عملية عبر الحدود أذن بها مجلس الأمن الدولي عبر معبر باب الهوى، وهو آخر نقطة دخول للأمم المتحدة لنقل المساعدات إلى شمال غربي سوريا.
وأشار في بيان رسمي إلى أن «باب الهوى هو شريان الحياة الأخير الذي يحول دون وقوع كارثة إنسانية لملايين الأشخاص في سوريا. وعلى الرغم من الجهود المستمرة لإيصال عدد صغير من الشاحنات عبر الخطوط من دمشق، لا يوجد بديل لتقديم المساعدات بهذا الحجم وبهذا النطاق».
المصدر: «القدس العربي»