جنى فواز الحسن، روائية لبنانية، قرأت لها روايتين هذه والطابق ٩٩، روائية متميزة. أحداث الرواية تجري في مدينة طرابلس لبنان، تبدأ الرواية من الفتاة سحر التي تسكن مع عائلتها؛ اب وام واخوات، الاب رجل يحمل مؤهلات علمية عالية وابن جيل حمل أفكار نضاليّة (شيوعيّ) سابقا، مسكون بقضيته داخل نفسه ومكتبته وانعزاله الإرادي عن كل المحيط به، خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي. الأم تعيش حياتها وفق روتين كئيب، تصورت انها تزوجت الرجل المتميز، وإذ بها تجد نفسها قرينة الرجل المرفوض اجتماعيا، والمكسور نفسيا، والمنعزل. أصابها ذلك بالصميم، رجلها صار ظلا بينهم، يعيش حضور المكان الضيق (البيت) فقط، فلا تواصل نفسي ولا حياتي ولا جسدي مع عائلته، بحيث حول حياتها الى جحيم، كما انعكس على الاولاد. أما سحر التي وجدت نفسها في بيت مشترك مع أهلها، لكن كل منهم في جزيرة شعورية خاصة به، يفصلها عن الآخرين سنين ضوئية. عاشت سحر حياة شعورية بديلة عن واقعها، تخلق أشخاصها من خيالها وتعوّض عن كل ما ينقصها من حب وحنان وتواصل واحساس بالمعنى وفائدة الوجود والحياة، في الجامعة التقت بسامي الزميل الذي اصبح حبيبا والذي حمّلته نفسيا كل ما ينقصها، وجدت به طوق نجاة من حياة باردة ميتة، سامي من أسرة عريقة واغلبها رجال دين، الدين عندهم عبادة ووجاهة وتجارة، فهم يأخذون أفواجا للحجّ ويتاجرون بكل مايمت للحجّ بصلة. كانوا على خلاف نفسي واجتماعي وشعوري مع الأب الشيوعي الذي لا يعترف بالدّين ويعاديه ضمنا. تزوجت سحر من سامي، وخرجت مع الوقت من حلمها لواقع الكابوس الذي تعيشه. سامي الرجل الغيور الممتلئ بنفسه، المعتد بأهله والحاقد على والدها الذي يريدها ظلا باهتا له. تبدأ رحلة عذابها عندما بدأ بضربها لأهون الأسباب، ثم ليعود و يسترضيها ويضاجعها كمغتصبة، كان مريضا نفسيا، كرجل وجد افضل طريقة لتحقيق ذاته بأن يضطّهد زوجته ويظلمها ويضربها تعويضا عن تسلط أمه عليه سابقا، واحساس مزيف بالتفوق، وحاجه للحب يحصّله بالقوة من عبدة وليس زوجة. تعود سحر الى عالمها الخيالي لتعوض قهرها، لا يحل مشكلتها انجاب اولادها الاثنين صبي وبنت، ويزداد ألمها ان اولادها صاروا شهود اذلالها وضربها المتكرر، ستبحث عن مخرج بالعمل ، في العمل تتعرف على “ربيع” ذاك الرجل الذي وجد بها عشيقة سرية، ووجدت به حبا لم يأتي لها من زوجها، وتعويضا عن كل ما فقدته. ربيع رجل من بيئة فقيرة جدا، ابوه عتالا وهو يساعده، لم يستطع إكمال دراسته بسبب حاجته للعمل، مسكون بإحساس قهر الفقر والحاجة، عمل بالتجارة، صنع نفسه تزوج من فتاة من بيئته وأنجبت له، لكنه لم يتحرر من ماضيه وفقره وقهره، صار يتردد على بيوت الدعارة ليصنع تعويضه النفسي و مجونه الشخصي، حتى وصل الى سحر فأعطته الحب والجنس والاحتضان، أما هي فقد وجدت به واحتها الوحيدة في حياتها القاحلة.
في العمل تعرفت سحر على هالة، سرعان ما اصبحتا صديقتين هالة التي خرجت من بيئة الفقر و والدتها توفت باكرا، أما اخاها فقد التحق بالجماعات الاسلامية، وابوها الذي همّش نفسه بعد وفاة زوجته. بحثت هالة مع حبيبها أحمد الذي أصبح زوجها عن حياة افضل، انجبت طفلها الذي اصيب مبكرا بمرض السكري ثم توفي زوجها، تكتشف هالة وجها قبيحا للحياة، ولتعوض ذلك عبر اهتمامها بابنها مع علاقات جنسية عابرة مع رجال تتركهم قبل ان تتورط بحبهم، لانها مسكونة بإحساس ان زوجها المرحوم لا يتكرر، تحمل طموحا بأعمال كثيرة ليست أكثر من وهم، تقتات به لمواجهة واقع قاسي.
الرواية تدور في دائرة مغلقة حول اشخاصها، مزيد من المعرفة بهم والغوص بحياتهم الفاشلة وجحيمها وكأنها هي الأصل. سنتعرّف على عمّة سحر التي أحبّت وحرمت ممن تحب لأنه ليس بمستواها الاجتماعي، ثم تعيش وتموت عانسة، ونتعرّف على صديقة العمّة التي نُكبت بزوجها الضابط الذي اعتقل عند السوريين أيام تواجدهم في لبنان، ويعود منهار نفسيا وينهي حياته قتلا بمسدسه.
تنتهي الرواية بمحاولة انتحار سحر بعد ان اصبحت حياتها جحيما وأصبحت على تماس مع الجنون.
وفي تحليل الرواية نقول:
هذه رواية المرأة بامتياز، والرجال لاكمال الصورة المجتمعية لحياة المرأة ، في حياة من العبث وهدر الكرامة والإنسانية وكأن ذلك هو الأصل. رواية تقول أنه في مجتمع لا يفهم(الرجل والمرأه)انفسهم و يحترموا انسانيتهم. ومجتمع بقيمه وعقائده لا يتعامل مع هؤلاء بصفتهم بشر و متساوين ومتصالحين مع أنفسهم وحياتهم ومجتمعهم، محققين حياة من الحب والتفاهم والحياة الحرة والكريمة في ظل العدالة الاجتماعية وبناء الحياة الأفضل. غير ذلك سيكون مجتمع يغترب فيه الانسان عن نفسه ومجتمعه، ويصبح الفساد بيئته ويعيش الهدر الإنساني متوالية حياتية دائمة. رواية رائعة تستحق القراءه.