من طبيعة الأنظمة التي تبنى مبدئيًا على أسس بعيدة عن تطلعات الناس الذين تتحكم بحياتهم اليومية ، ان تتخذ منهاجا حسب قياس طبيعتها وتركيبتها الداخلية، يخدم بشكل مباشر مصالحها على مدى طويل، ليضمن وليحافظ على استمراريتها في الحكم و ليكون بمثابة القانون الخاص بها ، للتعامل مع أغلبية القضايا التي تواجهها ، سواء كانت داخلية أو خارجية و من الطبيعي جدا ان تصب أكبر مجهوداتها دون أي تردد ، لإستهداف الداخل و خاصة اذا كانت خطورة حراكه تشكل نسبة عالية من التهديد لهيكلية النظام القائم ، هذا القانون الذي يستوجب على النظام الرجوع اليه عند الشعور بالخطر أو تهديد ما و ليساعد و يرسم في رسم الطرق و الخطط القمعية للقضاء على أي أصوات مخالفة و معترضة على السياسات القائمة و أصحابها ، منها إفتعال الحروب مع الدول المجاورة أو نشر الفرقة بين أبناء الشعب ألواحد أو عدة شعوب ، خلق أزمات داخلية متنوعة ، و ذلك حسب التوقيت المعين ، بما يخدم مصالحها دوما و طبعا من البديهي ايضا هو ان النظام نفسه يتحكم بها ، يعني متى ما اراد باستطاعته ينهيها أو يقلّل و يتلاعب بوتيرتها و وطأتها .
لا مفر من الاستحقاقات التي تحمل في أروقتها حقوق الناس ، يعني كل الأوليات و الضروريات لمتطلبات حياتهم اليومية ، كالأمن العام و الأمن الاجتماعي و الغذائي و الصحي و التعليمي و الخدمي بشكله العام ، التي لابد ان تقدم لكل الفئات في المجتمعات المتعددة و المتنوعة المصنفة و المحسوبة على العنوان الواحد الواسع حسب تسميته القائمة ، بألوانه المتفاوتة من حيث اللغة و الثقافة و الحضارة و التاريخ ، كفئات مجتمعية و كافة الشرائح من العمال و الفلاحين ، الحرفيين و المهنيين و موظفين الدولة في عدة مجالات مثل الصحة و التعليم و باقي الدوائر الحكومية و الخاصة ، و كل ذلك دون أي نوع من التمييز ، حتى تستمر عجلة الاقتصاد بشكلها المطلوب و المنضبط و لا يعيقها أي نوع من العراقيل ، تؤثر سلبا على ازدهار و تقدم البلاد الضروريتان .
تعودت الشعوب في المساحة الايرانية ، عبر أكثر من أربعين سنة من عمر النظام الجاثم على كل مفاصل حياتها اليومية ، ان ترى النظام يخوض قمار الانتخابات ، و هو يعاني الأزمات بنسب متفاوتة ، مستعينا بحيل و ألاعيب عدة ، مرة يتحجج بالأوضاع الغير مستقرة للبلاد ( المقصود هنا استقرار النظام ) ، بغية دعمه و خروجه من مأزقه ، كما شاهدنا ذلك عند الانتخابات الأولى بعد سقوط الشاه و مرة أخرى إسناد جبهات الحرب و دعم المجهود الحربي و رفع معنويات الجنود و الحرس و هم يقاتلون الكفار أثناء حرب الثماني سنوات ، حسب زعمه ، و كذلك الحال في مرحلة ما ، القيام بترويج شعار الحفاظ على وحدة البلاد من الأخطار الخارجية ، و هلمجرا ، لتستمر عملية تكريس الهواجس المختلفة في أدمغة الشعوب و لتبقى عملية حرف الأذهان قائمة ، و من ناحية أخرى عند بدأ الإعلان عن كل دورة انتخابية ، كانت تتغير مضامين المبررات و تأخذ الدعايات و الشعارات الانتخابية عناوين و حِلل أخرى ، منها دينية و سياسية و اقتصادية و اصلاحية و غيرها ، لتحث الناخبين للذهاب الى صناديق الرأي
النظام الايراني بسياسته التوسعية في بعض الدول العربية و العدائية تجاه الدول الاقليمية و استمرار تعنته و إصراره على المضي في برنامجه النووي و الصواريخ البالستية المهددة للدول ، كل هذا انعكس و بشكل مباشر على الشعوب في جغرافيته ، حتى وصل بهم الوضع الى مرحلة حرجة ، لتصبح الفاقة و بشكلها البشع هي المسيطرة على معيشتهم و تحرمهم من أبسط حقوقهم اليومية و لتصبح حديث الشارع اليومي ، بعد ان وصل إنعدام العدالة بكافة صنوفها ، و نسبة الاختلاسات و سرقة الثروات و صرفها الى الأجندة خارج الحدود و المنافسة بين تيارات السلطوية على الحكم و الإهمال المتعمد الكلي لمتطلبات الناس ، الى درجة قد تجاوزت الخطوط النسبية و جعلت الشعوب تموج في بحر المعاناة بكل اشكالها ، طبعا و بهذا الوضع المزري ، السياسات اللاانسانية هذه و بنتائجها الكارثية لم تستثني الشعب العربي الاحوازي
و ذلك بشكل خاص ، و اذا نظرنا لتاريخ السياسات الايرانية الحديثة من سنة 1979 , تجاه الشعب العربي الأحوازي ، و أهدافها التدميرية و تأثيراتها السلبية التي تركت شعب بأكمله ان يتعرض الى العديد من النكبات و الويلات ، و ما ان يخرج من أزمة مفتعلة ، لتليها أزمة أخرى أشد خطورة من قبلها و اكثر ضراوة ، لتشمل حياة المواطن العربي و تستهدف وجوده على أرضه .
مذ بداية الاحتلال الغاشم و ليومنا هذا ، تم نهب جميع ثرواته و في العهد الجديد بدأ المسلسل الأكثر شراسة ليستهدف كيانه الخاص و اتخاذ سياسة الإفقار و التجهيل و التهميش بحق أبنائه و شتى التدابير في محاولة لطمس هويته العربية جذريا ، ضمن الإجراءات المبرمجة لتفريسه و بالإضافة الى ما ذكر ، هناك الأخطر من كل ذلك و هو مصادرة الأراضي و سرقة المياه و نقلها الى المدن المركزية ، بينما يحرم المواطن من مياه الصالحة للشرب و ايضا حرمان المزارع العربي من العمل على أرضه و حصوله على لقمة عيشه و من جهة أخرى ، اذا اردنا ان نأتي بكل الأضرار الجسيمة التي تعرض اليها شعبنا جراء المخطط العدواني ، فهي لا تعد و لا تحصى ، حيث ظاهرة البطالة تنخر بالمجتمع ، انتشار ظاهرة الإدمان و آثارها المخربة في التفكك الأسري و الهجرة القسرية الى خارج الوطن ، هدم بيوت المواطنين في أطراف المدن و السياسة الممنهجة في تجفيف الأنهار و المستنقات ، منها على سبيل المثال الأهوار ، و كانت النتيجة هي ما أدت الى تدمير البيئة كليا ، القمع و التنكيل الوحشي و منع حرية الصحافة و البيان و تشكّل التجمعات و المؤسسات الثقافية و الأدبية و إغلاق المكتبات العربية ، مطاردة و اعتقال و إعدام و اغتيال المناظلين داخل الوطن و خارجه و النشطاء المدنيين و حتى نشطاء و المدافعين عن البيئة ، اكتظاظ السجون و حيث تعج بأبناء الشعب ، الفيضانات الموسمية المفتعلة ، إحراق النخيل و تلف المحاصيل الزراعية بشكل متعمد و منظم ، منع تسمية الأبناء باسماء عربية و منع التعليم بلغة الأم و حتى لا نطيل هنا ، فمن يتابع المجريات و الأحداث في القطر العربي الأحوازي ، سيكتشف المزيد من الممارسات اللاانسانية التي كلها تعارض التعاليم السماوية و الأرضية و القوانين و المقرارات الدولية و الأخلاق البشرية .
كل القرائن و المؤشرات على الساحة الايرانية ، تدل على عدم وجود أي تطور جديد، يستطيع بدوره ان يخدم مصالح الشعوب و بالتالي يظل أفق مستقبل النظام مظلم ، لاسيما كل وجوه المرشحين المقبولين في الانتخابات ، هم كما ممن سبقوهم ، يشكلون جزء لا يتجزأ من تركيبته التي تسعى كعادتها ، ان يكون همهم الأول و الأخير هو الحفاظ على الحكم ، بأي وسيلة كانت و مهما كان ثمن الفشل باهظا و من المعروف دائما ، هذا لا يدفعه الا الشعوب المقهورة بكل شرائحها التي ترزح تحت سطوته و وضعه الهش و المتزلزل .