تُظهر الاحتجاجات الأخيرة في عُمان أن الدولة لم تعد قادرة على الاستمرار في تأجيل تطبيق استراتيجية طويلة الأمد لمعالجة البطالة.
تكشف الاحتجاجات الأخيرة في عُمان عن التعثر المتراكم لسياسات الدولة في معالجة مشكلة البطالة الوطنية التي تفاقمت خلال العام الماضي، مصحوبةً بجملةٍ من التحديات الاقتصادية أخرى. وسوف تشهد السلطنة أزمات إضافية في المستقبل ما لم تنجح في اتباع استراتيجية طويلة الأمد لحلّ كل هذه المسائل.
في 23 أيار/مايو، تظاهرت مجموعة من الشباب العُمانيين أمام مبنى مديرية العمل في صحار الواقعة على بعد 200 كيلومتر شمال غرب العاصمة العُمانية مسقط، لمطالبة الحكومة بتأمين فرص عمل. وقد تمددت هذه الاحتجاجات إلى مناطق أخرى، ولا سيما عبري والرستاق وصور ونزوى وصلالة. وطالب مئات الشباب باستحداث المزيد من فرص العمل وإلغاء الضريبة على القيمة المضافة، وتعزيز أوضاع المتقاعدين، وزيادة الرواتب، إضافةً إلى إجراءات أخرى من شأنها تحسين الظروف المعيشية للعمّال.
تعيد هذه الاحتجاجات إلى الأذهان مظاهرات العام 2011 التي بدأت أيضًا في صحار، ونقلت خلالها مواقع التواصل الاجتماعي مظاهر الاستياء الشعبي. وفي ذلك الوقت أيضًا، طالب المحتجّون السلطات بمعالجة مشكلة البطالة. وقد أجرت الحكومة بعض الإصلاحات، لكن تأثيرها ظلّ محدودًا بسبب مشكلات أخرى، مثل الفساد وتضخّم الجهاز البيروقراطي وسوء الأداء الحكومي. ونُظِّمت أيضًا احتجاجات في 2018 و2019 ترافقت مع إضرابات على المستوى الوطني.
وبحسب كتاب الإحصاء السنوي للعام 2020، يبلغ مجموع العمّال في السلطنة 2.2 مليونَي نسمة، مع الإشارة إلى أن نسبة 78.4 في المئة منهم هي من غير العُمانيين. ووفقًا لوزارة العمل، يبلغ عدد العمانيين الباحثين عن عمل والمسجّلين لدى الوزارة نحو 65000 شخص من أصل القوة العاملة المحلية البالغ عددها 475000 شخص. وقد ازداد الوضع سوءًا بسبب تسريح أعداد كبيرة من العمّال جراء تداعيات جائحة كوفيد 19. وعزا بعضهم المشكلة إلى غياب القوانين التي تصون حقوق العمّال، فضلًا عن أن السياسة التي انتهجتها الحكومة العمانية باستبدال العمّال الأجانب بعُمانيين لم تتكلل بالنجاح. ومن المشكلات التي واجهتها الحكومة في هذا المجال أن المؤهلات التي يتمتع بها بعض المواطنين الباحثين عن عمل لا تتناسب مع حاجات السوق.
تشمل الصعوبات الكبرى الأخرى عجوزات مزمنة في الموازنة تفاقمت بدورها بسبب التباطؤ الاقتصادي الناجم عن انتشار جائحة كوفيد 19 وهبوط أسعار النفط العالمية. وفي هذا الصدد، يُتوقَّع أن يبلغ عجز الموازنة للعام 2021 حوالي 5.72 مليارات دولار. ولذلك اضطُرَّت الحكومة إلى اعتماد إجراءات تقشفية، وفي أيار/مايو 2021 فرضت للمرة الأولى ضريبة على القيمة المضافة، وتبنّت إصلاحات أخرى تهدف إلى ضمان الاستدامة المالية للسلطنة. وقد أدّت هذه المشكلات، إضافةً إلى تراجع قطاع الاستثمار في استحداث الوظائف، إلى ارتفاع مستوى البطالة.
تعاملت الحكومة العمانية مع الاحتجاجات كما تعاملت في السابق إلى حد كبير، بطريقتين متناقضين. أولًا، اعتمدت مقاربة أكثر ليونة، من خلال استخدام المنصات الإعلامية الرسمية للتعبير عن تفهّمها لمطالب المحتجّين، وغطّت الصحف التابعة للحكومة أخبار الاحتجاجات. وبرز حرصٌ على توصيف ما يجري بمشكلة “الباحثين عن عمل”، من دون الإتيان على ذكر بعض المطالب الأخرى التي رفعها المحتجّون، مثل مكافحة الفساد وحل مشكلة الإسكان في البلاد. واصطُحِب المسؤولون الحكوميون أيضًا إلى مواقع الاحتجاج للاستماع إلى مطالب المحتجين والتعهّد بمعالجتها. والأهم من ذلك، أصدر السلطان هيثم بن طارق، في اليوم الثالث من الاحتجاجات، أمرًا باستحداث 32000 وظيفة حكومية بدوام كامل أو جزئي. وقرّرت الحكومة أيضًا منح إعانة مالية للأشخاص الذين ينضمون لأول مرة إلى القوة العاملة.
لكن الطريقة الثانية في رد الحكومة العمانية كانت حازمة إلى حد ما، إذ استندت إلى إجراءات أمنية. فقد تحدّثت تقارير من صحار ومدن أخرى عن وقوع اشتباكات بين المتظاهرين والشرطة التي أطلقت الغاز المسيل للدموع باتجاه المحتجين واعتقلت عددًا منهم. ولكن لاحقًا أُخلي سبيل معظم الموقوفين بعد انطلاق حملات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بالإفراج عنهم.
ربما تمثّل الاحتجاجات التحدّي الأساسي الذي يواجهه السلطان هيثم منذ تولّيه منصبه في كانون الثاني/يناير 2020. ويبدو أيضًا أنها محك اختبار جدّي لرؤية عُمان 2040، أي الخطة الإنمائية التي تسعى البلاد إلى تطبيقها خلال العقود المقبلة والتي تهدف إلى ابتكار حلول مستدامة للتحديات الاقتصادية، والعمل على زيادة أعداد الوظائف في القطاع الخاص. وقد أُطلِق النقاش حول الخطة في العام 2013 خلال حكم السلطان قابوس بن سعيد آل سعيد الذي عيّن ابن عمه هيثم بن طارق الذي خلفه لاحقًا على رأس السلطنة، لإدارة الخطة.
حملت الاحتجاجات الأخيرة دروسًا عدة للحكومة العمانية. الدرس الأول هو أن المعالجات السريعة الهادفة إلى زيادة أعداد الوظائف لم تعد تنجح. فباتت الحاجة الآن إلى حلول أكثر جوهرية وطويلة الأمد تتيح استحداث فرص العمل. والدرس الثاني هو أن الاحتجاجات بدأت بالمطالبة بفرص العمل، ولكنها سرعان ما توسّعت لتشمل مشكلات أخرى في البلاد، ما سلّط الضوء على التقلبات التي يمكن أن ترافق مثل هذه الاحتجاجات. ولكن السؤال الأساسي هو ما إذا ستتمكّن الحكومة العمانية من إرساء التوازن بين المشكلات الاقتصادية التي تواجهها من جهة ومطالب المحتجّين من جهة أخرى. إن ردّ فعل الحكومة كفيلٌ بالإجابة على هذا السؤال، وبتحديد ما إذا كانت الأزمة الراهنة ستنتهي أم ستصبح مقدمة لمرحلة أخرى من الاضطرابات التي قد تواجهها السلطنة.
المصدر: مركز كارنيغي للشرق الأوسط