بعد اكتمال مهزلة الانتخابات الرئاسية السورية، بالإعلان عن فوز بشار الأسد فيها بنسبة 95.1%، بات السؤال يطاول مرحلة ما بعد هذا “الفوز”، وماذا سيقدم لسورية وللسوريين بعد كل هذا الدمار الكارثي الذي تسبب به؟ تقود أبسط الإجابات إلى استشراف أثر هذا الفوز على ما ستؤول إليه الأمور في الوضع الداخلي، الذي يطاول معيشة السوريين في مناطق سيطرة النظام، والذي يشهد تدهوراً متزايداً في الأوضاع الحياتية للناس، في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار المواد الأساسية، وانهيار سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية وتدهور القدرة الشرائية، وفقدان الأمان والأمن، وتسلط المافيات والمليشيات وأجهزة الأمن على حياة السوريين وسوى ذلك.
وبدلاً من العمل على التخفيف من ثقل معاناة السوريين في الداخل، سارع وزير المالية في حكومة النظام، فور الإعلان عن فوز الأسد بانتخاباته، إلى الكشف عن توجّه إلى تعديل قانون ضريبة الدخل، بذريعة الحدّ من ظاهرة التهرّب الضريبي، ما ينذر بتصاعد الضغوط الاقتصادية على غالبية السوريين من أصحاب الدخل المحدود وغيرهم، عبر تحميلهم أعباء ضريبية جديدة، وما يستتبعها من زيادة في أسعار السلع والمواد المنتجة محلياً والمستوردة من الخارج، فضلاً عن أن تعديل قانون ضريبة الدخل يدخل في إطار محاولات النظام التنصل من مسؤولياته أمام تدهور الأوضاع المعيشية للسوريين، وتحميلها إلى الذين لا يدفعون الضرائب.
ويبدو أن نظام الأسد غير قادر على تقديم أي شيء يمكنه أن يُحسّن من أوضاع الناس الخانقة في مناطق سيطرته على المستوى المعاشي، كونه لا يملك الموارد ولا الإرادة ولا المقومات لتحقيق ذلك، فقد خسر معظم الموارد من نفط وغاز في منطقة الجزيرة السورية بعد أن سيطرت عليها “قوات سوريا الديمقراطية” بحماية أميركية، وراح يعتمد على تغريم السوريين وفرض الأتاوات والضرائب عليهم. والأهم أنه ليس من أولويات النظام الأسد تحسين أوضاع السوريين، وحتى الموالين من بينهم. لذلك لم يحمل خطاب الأسد الذي رفع شعار “الأمل بالعمل” في حملته الانتخابية، بعد الفوز، أي مؤشّر على إمكانية تجسيده لتحسين أوضاع السوريين، حيث لم يعلن عن أي خطة أو برنامج لبداية مرحلة العمل من أجل ذلك، بل كان خطابه حافلا بالشتائم والتهديدات لمعارضيه السوريين وغير السوريين. وقسّم فيه السوريين، وفق منطقه الفاشي، إلى “وطنيين” و”خونة”، معلناً أن المرحلة الجديدة هي الدخول في مواجهة “الخونة”، و”الثيران” “المرتزقة”، و”فاقدي الشرف حاملي جواز سفر سوري”، الأمر الذي يشي بأن النظام لن يختلف تعامله مع السوريين، ولن يحيد أبدا عن النهج الإقصائي والدموي الذي بدأه منذ انطلاق الثورة السورية منتصف مارس/ آذار 2011، وأفضى إلى قتل أكثر من نصف مليون سوري، وتدمير معظم حواضر سورية، وتشريد أكثر من نصف شعبها.
وفي ظل معطيات الوضع السوري الحالي الذي يسيطر الجمود عليه وسط توازنات القوى المسيطرة على الأرض، بفضل داعميها الدوليين والإقليميين، فإن بقاء المشهد من دون تطورات كبيرة لا ينفي أنه غير مرشح للتغير في بعض المناطق، خصوصا في الشمال السوري، نظراً إلى إمكانية وجود ديناميات للتغير فيها، على الرغم من أنه ليس من المرجّح أن تحدث تطورات، في المدى المنظور، باتجاه حسم عسكري لصالح النظام، ولا باتجاه إيجاد حلّ سياسي للقضية السورية. وبالتالي لن يؤثر فوز الأسد على الواقع السوري المقسم بين مناطق سلطات الأمر الواقع الثلاث، بما فيها سلطة النظام. كما أن من الصعب حدوث اختراق في مواقف الدول والقوى المتدخلة في الشأن السوري، حيث إن استمرار الدعم الروسي والإيراني والصيني لبشار الأسد دفعه إلى عدم الاكتراث بمواقف الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، وإلى أن يتمادى في السخرية من بيان وزراء خارجيتها الذي وصف انتخابات الأسد الرئاسية بأنها “غير شرعية” و”مزيفة”، و”ليست انتخابات حرّة ولا نزيهة”، وإلى التبجح في الرد عليهم بالقول “قيمة آرائكم صفر، وقيمتكم عشرة أصفار”.
ربما يراهن الأسد على تغير المواقف العربية حيال نظامه، خصوصا بعد الاتصالات والخطوات التطبيعية من بعض الأنظمة العربية الخليجية، وبالتحديد الإمارات وعُمان، والتي حاول إعلام النظام تضخيمها للإيحاء بأن مرحلة ما بعد فوز الأسد في انتخاباته ستُحدث اختراقاً في عودة العلاقات مع بعض الأنظمة العربية، والرجوع إلى “الحضن العربي”، وخصوصا بعد زيارة وزير السياحة السوري الرياض، وسط ما تردد عن انفتاح سعودي لإعادة العلاقات مع النظام على مستوى منخفض، على خلفية الزعم إن إعادتها تعطي السعودية فرصة للتنافس مع النفوذ الإيراني داخل سورية، لكن الأمر قد لا يتعدّى محاولات تدوير الخلافات بين أنظمة دول المنطقة، خصوصا بعد المفاوضات السرية بين السعودية وإيران، ومحاولات السعودية التخلص من تبعات حرب اليمن. وبالتالي، لن يتقدّم التطبيع مع الأسد ونظامه، حسب ما شاع قبل الانتخابات في عواصم عربية وأجنبية.
ولا يغيب عن الأذهان دعم الساسة الروس لفوز الأسد في انتخاباته، كونه يوفر لهم حجّة لاستمرار وجودهم العسكري في سورية وبقائهم أصحاب اليد الطولى فيها، ويوفّر أيضاً حجّة سياسية لهم للاستمرار في الدفاع عنه أمام المحافل الدولية، ولتوظيفه في سياق مساعيهم من أجل تعويم النظام عربياً ودولياً، لكنه لن يفضي إلى مساعدته للخلاص من أزماته، بالنظر إلى أن أي مساعدات اقتصادية له من أي جهة كانت ستصطدم بقانون قيصر الأميركي، الذي رهنها بانخراط النظام في الحل السياسي. وبالتالي، ما يسعى الروس إليه من مكاسب واستثمارات في عملية إعادة الإعمار ستبقى مهمةً مستحيلةً، كونها مرتبطة بالتسوية السياسية، لذا عليهم التفكير خارج تمنياته ومخططاتهم التي يرغبون في تنفيذها.
في المقابل، لا مؤشّرات على تغير مواقف الولايات المتحدة ودول الغرب الأوروبي حيال نظام الأسد ورفضها انتخابات الأسد ونتائجها. وبالتالي، لن يشكل فوز الأسد بانتخاباته أي حافز نحو حدوث تغيرات في التعامل مع القضية السورية على مختلف المستويات الداخلية والإقليمية والدولية، الأمر الذي ينذر باستمرار الأوضاع المأساوية، واستمرار تفاقم الكارثة التي ألمّت بسورية والسوريين.
المصدر: العربي الجديد