منذ بداية الربيع العربي، ظهر للعلن التحالفُ بين إيران وتنظيم الإخوان، على مختلف الأصعدة، وأحداث فلسطين الأخيرة خاصة ما حدث في قطاع غزة وتصريحات قادة (حماس) دعمت نظرية أن هناك علاقة وثيقة بين الطرفين، خاصة في بلدان الربيع العربي وفلسطين. فهل تلك العلاقة براغماتية يستخدم من خلالها تنظيم الإخوان التقية في تحقيق مصالحهم المتمثلة في الوصول إلى السلطة؟ أم أن هناك تحالفًا إستراتيجيًا عقديًا بين الطرفين، تحت مظلة الإسلام السياسي؟!
بإلقاء نظرة تاريخية مختصرة، سنجد الجواب الشافي عن تلك العلاقة الجدلية، إذ تعود الروابط بين رجال الدين الثوريين في إيران وجماعة الإخوان إلى ما قبل تأسيس “الجمهورية الإسلامية” عام 1979، حيث التقى “مجتبي ميرلوحي” الملقّب “نواب صفوي” عام 1954 بسيّد قطب، في أثناء زيارته لمصر، وصفوي هو الذي شكل أوّل مجموعة مسلحة متشددة في إيران، أطلق عليها اسم “فدائيي الإسلام”، ومن اللافت للنظر أن أيديولوجيا سيّد قطب أسهمت بشكل كبير في صياغة الخطاب الثوري المناهض للشاه، والذي سبق سقوط النظام الملكي، وذلك من خلال رجالات الصفوي (الذي أعدمه الشاه) الذين استوعبتهم الحركة الثورية في إيران التي قادها الخميني، ومن شدة تأثر الحميني بأفكار سيد قطب، قام -قُبيل تسلّمه السلطة- بترجمة كتابَين لقطب، وبُعَيد تسلمه السلطة في إيران، أصدر طابعًا بَرِيدِيًّا عليه صورة قطب، وفور إعلان سقوط الشاه، سارع كثير من وفود تنظيم الإخوان المسلمين في مختلف البلدان العربية إلى زيارة باريس لتهنئة الخميني، ولعل تصريح عمر التلمساني (مرشد الإخوان المسلمين في مصر) عام 1982، حول دعمهم السياسي للخميني، خيرُ دليل على الإيمان المطلق بالعلاقة بين الإخوان وبين ملالي طهران.
وإذا عدنا إلى بداية تسلّم الملالي للسلطة في طهران، وظهور تنظيمهم الهرمي المتطابق تمامًا مع الهيكل التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين؛ وجدنا أن العلاقة بينهما ليست مجرد تحالف تكتيكي، إذ يرتبط هذان الكيانان بالأيديولوجيا وبعلاقات تاريخية أخرى، على المستوى الشخصي وعلى مستوى السياسيين وغير ذلك، كل هذه العلاقات كانت تجري تارة بالخفاء وتارة تظهر للعلن، والربيع العربي كشف هذه العلاقة على حقيقتها، وأظهر الترابط العقدي بين الطرفين، وما حدث في مصر إبان حكم الإخوان، بُعَيد سقوط نظام حسني مبارك، دليلٌ واضح وصريح على التطابق الكبير في الخط والنهج الأيديولوجي الذي ينتهجه الطرفان؛ فالإخوان في مصر، منذ اللحظة الأولى لتسلّم مرسي الحكم، استقبلوا كثيرًا من الشخصيات القيادية الإيرانية، وترجمت تلك اللقاءات إلى دعم مرسي بعشرة مليارات دولار، واستقبال أحمدي نجاد في القاهرة، والسماح لأفواج الحجاج الإيرانيين بدخول مصر لزيارة بعض المراقد الدينية، ناهيك عن حرص مرسي على زيارة طهران في أول زيارةٍ له خارج مصر، إضافة إلى فتح الحُسينيات بكثرة، حيث وصل عددها في نهاية حكم مرسي إلى تسع وعشرين حسينية، انتشرت على كل الأراضي المصرية التي لم يكن على أراضيها قبيل تسلّم الإخوان الحُكم في مصر إلا حسينية واحدة، في إحدى القرى النائية في أقصى صعيد مصر، حسب الصحفي إبراهيم طه الذي نشر دراسة حول ذلك في إحدى الصحف المصرية، وتطوّر الأمر إلى محاولة مرسي الاستعانة بوزير الأمن الإيراني، لتشكيل جهاز مخابرات خاص برئاسة مجلس الوزراء المصري، ليكون بديلًا عن جهاز المخابرات المصري (الشعرة التي قصمت ظهر البعير) وكان ذلك الأمر من أسباب قيام الشعب والجيش المصري ضد حكم الإخوان وإسقاطه.
لم يكن إخوان سورية أفضل حالًا من إخوان مصر، على الرغم من عدم مشاركتهم في إطلاق شرارة الثورة السورية، بحسب التصريحات العلنية لمرشدهم السابق “صدر الدين البيانوني”، على تلفزيون الجزيرة، إلا أنهم -بدعم مادي وسياسي هائل من أميركا وإيران ودول إقليمية- سيطروا على الكثير من مؤسسات الثورة، وأفسدوها وأغرقوها بالمال السياسي وصناعة أمراء الحرب، واستخدموها لتحقيق مصالحهم ومصالح جماعتهم، فشاركوا في مؤتمرات آستانا وسوتشي وغيرها، وقدّموا تنازلات تمثلت في تسليم المناطق المحررة تباعًا، تحت غطاء مصطلح “مناطق خفض التصعيد” والتي كانت الخنجر المسموم في صدر السوريين وثورتهم.
كذلك قام بعض قادة الجماعة بزيارات متكررة إلى طهران، ولم تطلِق فصائلهم طلقة واحدة تجاه قوات الأسد أو الميليشيات الإيرانية على طول جبهات القتال، فضلًا عن انسحاباتها المنظمة من المناطق المحررة دون معارك، وغالبًا وفق اتفاقات عُقدت في الغرف المظلمة، كان المستفيد الوحيد منها نظام الأسد وإيران وروسيا.
كذلك لابد من ملاحظة دور الإخوان في ما يحدث في ما يسمى “المناطق المحررة”، من فلتان أمني وانتشار الجرائم وممارسة الاضطهاد ضد السكان، قد يصل إلى مستوى الجرائم التي مارسها الأسد ومخابراته والميليشيات الإيرانية، ذلك الشعب الذي تاجر به الأسد، تحت غطاء شعارات المقاومة والممانعة، وتبيّن لاحقًا أنه الصبيّ المدلل لإسرائيل وحامي حدودها، وتاجر به الإخوان تحت غطاء الدين.
بنظرة سريعة على باقي بلدان الربيع العربي، نجد المشهد نفسه يتكرر، لكن بدرجات، حيث تحالف الإخوان المسلمون في اليمن مع الحوثيين المدعومين من إيران، وكذلك في ليبيا التي عملوا ما يمكن كي يستولوا على السلطة، لكن محاولاتهم فشلت، وفُرض عليهم مشاركة كل أطياف الأحزاب الليبية في الحكم، كما حدث في تونس التي ما زال يحاول الغنوشي ومن معه السيطرة على الحكم دون جدوى، في ظل مقاومة شرسة من قبل الأحزاب والتيارات الشعبية التونسية.
أما في فلسطين المحتلة، فقد ظهرت حقيقة ارتباط (حماس) الإخوانية بملالي طهران، وبانت عورة الإخوان بشكل مخجل ومزر، عندما فضح قادة (حماس) ارتباطهم بملالي طهران والحرس الثوري الإيراني وعلى رأسه “فيلق القدس”؛ فكلمات الشكر التي وجّهها إسماعيل هنية لإيران وملاليها وحرسها الثوري، واعتبار المجرم قاسم سليماني “شهيد القدس”، على الرغم من عدم اعتراف سليماني نفسه بقدسية “قدس” فلسطين، فالقدس -بحسب عقيدته- “موجودة في السماء”، سليماني الذي توغل في دماء العرب وأعراضهم في سورية واليمن ولبنان والعراق. كلّ ذلك يدلّ على أن تلك العلاقة لا يمكن أن تكون براغماتية، كما يحاول تبريرها بعض أبواق الإخوان الإعلامية، إنما هي إصرار منهم على الالتصاق بمشروع طهران الفارسي الذي يهدف إلى السيطرة على الوطن العربي، ويؤكد ذلك ما جرى خلال اليومين الماضيين، حيث تم عقد لقاء في العراق بين (حماس) وعصابات الأسد، بأوامر إيرانية ووساطة عراقية، لترتيب عودة (حماس) لدمشق وإعادة فتح مكاتبها في دمشق.
ختامًا: يمكننا القول إن تنظيم الإخوان المسلمين وملالي طهران في تحالفهم الاستراتيجي يجمعهم أُسّ وحيد، هو تبني نهج الإسلام السياسي للوصول إلى السلطة، وإذا كان هناك خلافات، فهي خلافات آنية فردية أو صغيرة لذرّ الرماد في العيون، ولإبعاد الشبهات عن علاقتهم العقدية الوثيقة مع إيران وملاليها، وما يؤكد الارتباطَ العقدي بين تنظيم الإخوان وملالي طهران هو التعاونُ الوثيق بين كل فروع الإخوان في الوطن العربي مع طهران، والزيارات المتكررة لهؤلاء إلى معقل ملالي طهران، وهذا يدلّ على أن هذا التعاون والتنسيق العالي والاستراتيجي، هو نتاج لعقيدة محددة مرسومة المعالم والأهداف، ولو أن التعاون تكتيكي -كما يروّج البعض- لظهر تباين في العلاقة، على الأقل بين أحد فروع التنظيم في البلدان العربية، مع ملالي الحقد على العرب ورموزهم.
المصدر: مركز حرمون للدراسات المعاصرة