مرر النظام السوري، بمساندة من روسيا بشكل رئيس وإيران بدرجة أقل، الانتخابات الرئاسية التي تستهدف تثبيت بشار الأسد لولاية رئاسية جديدة مدتها سبعة أعوام، من دون ضجة دولية تذكر، فالرفض عبر البيانات والتصريحات من مختلف الفاعلين الدوليين في القضية السورية، لم يكن له وزن حقيقي يدفع لإيقاف الانتخابات وإجبار الأسد على الرضوخ للحلول السياسية، وتطبيق القرار الدولي 2254 الذي من المفترض أن تجري بموجبه انتخابات نزيهة بإشراف الأمم المتحدة، يشارك فيها جميع السوريين في الداخل والخارج، وذلك وفق دستور جديد للبلاد.
وركزت الماكينة الإعلامية للأسد والأدوات التي استخدمها أثناء فترة الانتخابات، على محاولة جعل السوريين والمجتمع الدولي، يسلّمون بأن هذا الاستحقاق سيكون بمثابة إنهاء للحرب في البلاد. وجهد النظام للترويج أن المرحلة المقبلة ستكون إعادة الإعمار التي تلي الحرب، ورافق ذلك مغازلة النظام للسعودية في محاولة استمالتها نحوه، بهدف تحقيق أمرين، الأول العودة من خلال المملكة إلى الحاضنة العربية بتأمين الغطاء منها، والثاني الاستفادة من الأموال السعودية والخليجية تحديداً بضغط منها في مرحلة الإعمار في حال البدء بها.
لم يحقق النظام السوري حتى الآن نتائج تُذكر على صعيد تطبيع العلاقات مع الرياض، غير أن مستشارته السياسية بثينة شعبان وعدت بنتائج إيجابية في هذا الإطار، أثناء الإدلاء بصوتها في الانتخابات. ومن المتوقع أن يعمل الأسد في الأيام المقبلة على تحقيق هذه الغاية، التي بدأها فعلاً من خلال إقناع الإمارات والبحرين بإعادة تطبيع العلاقات معه، ليؤمن عودة النظام شرعياً إلى الحاضنة العربية من خلال السعودية بهدف كسب الدعم المالي مستقبلاً في إعادة الإعمار، في حين أنه يؤمن غطاء روسياً لتمرير العملية، إلى أن يكون للغرب والولايات المتحدة مواقف أو إجراءات أكثر حزماً تجاه الأسد، وهذا ما يبقى محل شكوك لاسيما مع وصول إدارة جو بايدن إلى البيت الأبيض، والتي بدت غير مهتمة بالقضية السورية، كما كانت سابقتها برئاسة دونالد ترامب.
ولا يمتلك النظام القدرة على البدء بعملية إعادة الإعمار من دون توفير الأموال الطائلة اللازمة لها. وفي هذا الإطار، يرى الباحث والخبير في الشأن الروسي محمود الحمزة، أن “الأسد غير قادر على إنجاز عملية إعادة إعمار حقيقية، فلا يمكن لحليفيه الروسي والإيراني مساعدته من الناحية المادية”. ويضيف الحمزة، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “الخشية من أن يلجأ الأسد إلى إجراءات شكلية توحي بتنفيذ عملية إعادة الإعمار، وذلك بالتركيز على دعاية إعلامية ترافقها، ولن يجد ضيراً أو عجزاً في إنشاء بعض الأبنية وإصلاح بعض الطرقات وعمليات إصلاح في شبكتي الكهرباء والمياه، على سبيل المثال، وهذه إجراءات جزئية ولا تمثل الدورة الحقيقية الكبيرة لعملية إعادة إعمار حقيقية، وسيعتمد الأسد بالتأكيد على التغطية الروسية والإيرانية بدعمه سياسياً وإعلامياً، كما حدث في الانتخابات”.
ويعتقد الحمزة أن “الأسد سيمرر عملية إعادة الإعمار، الشكلية، بغطاء روسي وإيراني كما مرر الانتخابات وادعى كذلك البدء بإعادة اللاجئين، وهذا غير حقيقي، سواء بالنسبة للانتخابات، الفاقدة للنزاهة والشرعية، أو لإعادة اللاجئين التي تبيَّن أنها صورية وليس لها شيء ملموس على أرض الواقع، كما ستكون عملية إعادة الإعمار”. ولا يعوّل الحمزة على دور غربي وأميركي فاعل في وضع الأسد عند حده، لا سيما حين سيصر على البدء بعملية إعادة الإعمار، معتبراً أن “الأميركيين يمارسون نفاقاً سياسياً كبيراً، فلا المواقف ولا التصريحات فعلت شيئاً لردعه، وأعتقد أنهم السبب وراء بقاء الأسد على رأس النظام حتى اليوم، فهم أعطوا الضوء الأخضر لروسيا بالتدخل العسكري في سورية، طبعاً بتفاهم روسي- أميركي- إسرائيلي، وهنا جوهر المشكلة، فالواضح أن هناك تفاهماً دولياً على بقاء الأسد في السلطة، ويتم بذلك خداع السوريين بالتصريحات والآمال الخادعة، في حين يستطيع الغرب والأميركيون تحديداً وكل المجتمع الدولي، أن يضعوا الأسد عند حده، لكنهم لا يريدون”.
ومنذ وصول بايدن إلى البيت الأبيض، تتجه الأنظار نحو إدارته لاتخاذ إجراءات حقيقية تجاه النظام السوري، أو الوضع السوري بالعموم، غير أن الإدارة أظهرت بروداً كبيراً حيال ذلك، ما فهم على أنه توكيل الملف للفاعلين الإقليميين من دون التدخل بشكل مباشر. حتى أن نواباً من الكونغرس بدأوا أخيراً برفع أصواتهم أمام الإدارة الأميركية لطلب استفهامات حول تعاملها الحالي والمستقبلي مع القضية السورية، مركزين على أنه في ظل إدارة بايدن لم تصدر أي حزمة جديدة من حزم “قانون قيصر” الذي أصدره ترامب، وهذا ما يجعل الشكوك محقة تجاه تعامل بايدن مع الأسد، لا سيما مع الحديث عن صفقة بين إدارته وإيران حيال الملف النووي، ربما يسلّم فيها بايدن حسم الأمر في القضية السورية إلى طهران.
لكن الباحث السوري رضوان زيادة، يرى أنه “من المستحيل على الأسد بدء عملية إعادة الإعمار، بسبب الموقف الأميركي والأوروبي”، مضيفاً في تصريح لـ”العربي الجديد” أن “هذه العملية سيعترضها قانون قيصر الذي يضع عقوبات على أي شركة أو كيان أو فرد يساهم في عملية إعادة الإعمار، من دون تحقيق الانتقال السياسي الذي نص عليه القرار 2254”. ويشير زيادة إلى أن “النظام ادعى أنه سيعتمد على روسيا وإيران من أجل تمويل هذه العملية، لكن نعرف أن الوضع الاقتصادي لحلفاء النظام لا يمكّنهم من تقديم أي دعم اقتصادي، لا سيما أن الاقتصاد السوري يحتاج إلى مئات المليارات من أجل إنعاشه، ولذلك أرى أنه على العكس، ستزيد الصعوبات والمشاكل الاقتصادية لدى النظام، وبالتالي إعادة الإعمار مع بقاء الأسد من سابع المستحيلات”.
وتشير تقديرات مراكز الأبحاث الدولية والاقتصاديين وخبراء عمليات إعادة الإعمار، إلى أن هذه المرحلة تحتاج في سورية إلى ما بين 250 و300 مليار دولار، في حين يعاني الأسد من أزمات اقتصادية خانقة أثّرت على الوضع المعيشي في مناطق سيطرته مع عدم قدرته على تلبية متطلبات أدنى مستلزمات المعيشة للمواطن السوري، كالخبز والمياه والخدمات الرئيسية. في حين تُعتبر الكثير من المدن والبلدات، لا سيما في شمال وشرق سورية ومحيط دمشق، مدمرة بالكامل وتحتاج إلى جهود جبارة لإعادة إعمارها، بينما يبقى النظام المسؤول الرئيس عن تدمير تلك المدن والبلدات من خلال القصف والهجمات الجوية، وعلى ذلك فإن الثقة بجدية إعادة إعمارها بشكل حقيقي وفاعل تبقى معدومة، على الأقل بالنسبة للسوريين.
المصدر: العربي الجديد