في الرابع من نيسان الماضي2021، كان آخر اتصال مباشرة مع الأخ العزيز الراحل محمد خليفة، بعد محاولات عديدة فاشلة، بسبب مرضه ووضعه الصحي المتردّي، جرّاء إصابته بجائحة “كورونا” الخبيثة. دام الحوار بيننا لأكثر من ساعة ونصف الساعة. تخلله تأكيد منه أن وضعه الصحّي بات أفضل، وهو في تحسّن متواصل.
كما تم التطرق الى العديد من المواضيع، منها عزمه زيارتنا في لبنان، في أواخر شهر أيار، الذي مضى أمس، لإنجاز الكثير من الأعمال المشتركة بيننا، في موقع “المدارنت” الإعلامي. إحداها مقابلة مطولة مع الأمين العام السابق لـ”الاتحاد الاشتراكي العربي” (حزب الاتحاد، اليوم) الأخ عمر حرب، تتمحور حول تجربته في “التنظيم الناصري الطليعي”، في الوطن العربي.
ولكن للأسف.. في 22 نيسان 2021، نعى الأخ العزيز عبد الرحيم خليفة، شقيقه الأخ محمد، على جدار صفحته الخاصة “فيسبوك”. عندها، أدركت بكل أسف وحزن، أن الأخ العزيز محمد خليفة، غادرنا في رحلته الأخيرة من هذه الفانية، من دون وداع، وأنه بات في عهدة الرحمن الرحيم.
… تعود معرفتنا بالأخ محمد خليفة، الى بداية عقد الثمانينات من القرن الماضي، حيث كان اللقاء الاول في العاصمة اللبنانية بيروت، في حضور كوكبة من الاخوة اللبنانيين، والمناضل القاضي رجاء الناصر، المناضل السوري الهارب كما الأخ العزيز محمد، من جور نظام آل الأسد، والمفقود منذ عدة سنوات في أقبية نظام دمشق الحالي. تكررت اللقاءات بين الفينة والفينة، وفق الظروف الميدانية إبان الاجتياح الصهيوني للبنان. وما بعده، ثم انقطعت لفترة طويلة.
ومع بروز وسائل التواصل الاجتماعي حديثة العهد، في العام 2004، عاد التواصل بيننا من خلالها، بعد نحو 5 سنوات من إطلاقها، وتوطدت العلاقة من جديد، سيّما، وأن أخينا محمد، استقر بعد سلسلة هجرات قسرية في فيافي الأرض، قادته شرقا وغربا، انتهت باستقراره في العاصمة السويدية، ستوكهولم، التي كان يتابع منها مسيرته النضالية والإعلامية، ولا سيما في مجلة “الشراع” اللبنانية، والعديد من الوسائل الإعلامية العربية.
وفي 18 نيسان، من العام 2019، وبعد التشاور مع مجموعة كبيرة من الأخوة والأصدقاء والزملاء بشأن تأسيس موقع إعلامي سياسي الكتروني، أطلقت موقع “المدارنت”.
وفي صيف 2019، التقيت الأخ محمد خليفة مجددًا، في منزل رئيس تحرير مجلة “الشراع” اللبنانية، الأخ والصديق الزميل حسن صبرا، في وقفة تضامنية مع إحدى الزميلات الصحافيات. دار حوار مع الأخ محمد، حول الموقع الوليد الجديد، والغاية منه. فأبدى اهتمامًا لافتًا بالموقع، وسأل، واستوضح، وطرح الكثير من الأفكار التي تساعد في نجاح الموقع، واتفقنا على لقاء في منزلنا لمتابعة الحديث عن “المدارنت”، وسبل تعزيزه.
التقينا مجددا غير مرّة في بيروت، في سهرات ضمّت عددًا من الأخوة، الذين حضروا خصيصًا من البقاع للقاء الأخ محمد. كما حصلت عدة لقاءات ثنائية مع الأخ محمد، إضافة الى لقاءات أخرى في البقاع، بحضور ثلة من الأخوة. حيث كانت تدور النقاشات حول “المدارنت”، والكثير من المواضيع العربية، والمحلية، والعالمية.
كان واضحًا منذ اللقاء الأول مع الأخ محمد، اهتمامه اللافت بـ”المدارنت”، سيما واننا في التيار العروبي الناصري، كنّا وما نزال، نعاني غياب الوسيلة الإعلامية العربية، التي تعبّر عن توجهاتنا، وتنقل أخبارنا، حيث كنّا نتوسّل وسائل الإعلام اللبنانية والعربية، من أجل نشر مقالاتنا أو أخبارنا ونشاطاتنا.
رحًب الأخ محمد بـ”إطلاق” “المدارنت”، وأشاد بجرأة وشجاعة الإقدام على تأسيس وسيلة إعلامية عربية، في هذه الظروف الصعبة، من دون أيّ دعم سياسي أو مالي، من أي جهة، في ظل انتشار الكثير من وسائل الإعلام اللبنانية والعربية، المدعومة ماليًا وسياسيًا. فبادر الى اقتراح “فدائي”، تبناه وعمل على تحقيقه، يقضي باتصاله شخصيًا، بكوكبة من الكتًاب والأكاديميين والسياسيين والإعلاميين العرب، سيًما، وأنه يشكل مرجعًا عربيًا مهمًا في هذا السياق، من أجل التطوّع والإسهام برفد “المدارنت”، بمقالاتهم وأبحاثهم، وتعزيزه وإغناءه بأخبار بلادهم، من دون أي مقابل.
وكان الأخ محمد، من أوائل الأخوة، الذين واكبوا انطلاقة موقع “المدارنت”، والذين واظبوا على التطوع والكتابة الخاصة للموقع، منذ تلك السهرة، شأنه شأن العديد من الأخوة الذين سبق لهم، وشاركوا وأسهموا في تسيير أمور الموقع، وأجروا اتصالاتهم بأصدقائهم العرب، من أجل تزويد الموقع بالمقالات والأخبار، من دون أيّ انقطاع.
وبعد أيام قليلة، غادر الأخ محمد خليفة، لبنان، متوجها الى حيث يستقر في السويد، وراح يتابع معنا لحظة بلحظة، ظروف العمل في الموقع، يقترح، يعدًل، يضيف، يحذف، ويسأل؟!
.. معه، ومع بقية الاخوة والزملاء الكتّاب والأكاديميين، الذي أسهموا في إنطلاقة الموقع وإغنائه، تحقق الحلم الصعب، وأخذ “المدارنت”، موقعه بين وسائل الإعلام اللبنانية والعربية بكل يسر، وبجدارة، واستحق حمل هويته اللبنانية/ العربية، في حين ظنّ الكثيرون أنه موقع إخباري محلّي تقليدي، لن يتجاوز نشاطه حدود محافظة البقاع اللبنانية، التي ينتمي اليها مؤسّسه بالولادة والنشأة.
وعقب وصول الأخ محمد الى ستوكهولم، بأسابيع قليلة، انسابت المقالات على صفحات بريد “المدارنت” الالكتروني، من غالبية الأقطار العربية، بكثافة ليست متوقعة، من كتّاب وأكاديميين وإعلاميين عرب، من دون سؤال أو استفسار عن الموقع، وطبيعة نشر المقالات والتحليلات والأبحاث على صفحاته، وتدفقت المواد التحليلية والسياسية العربية والعالمية المتنوعة، وأخذت طريقها تراتبيًا الى النشر، وفق مقتضيات الحدث المرحلي في وطننا العربي.
.. وها هو “المدارنت”، الغني بكتّابه، “مشكورين”، المساهمين في انطلاقته وتطوره ومضمونه، يؤكد مع عظيم الأسف والحزن العميق في أربعين الراحل الكبير الأخ محمد خليفة، أن خسارته كبيرة ومصابه مؤلم، كما أسرة وأهل وأصدقاء ومحبّي الأخ محمد، بخاصة في سوريا والعالم العربي، بغياب أحد أبرز داعميه، وأحد أهم المحللين السياسيين العرب، الذي لم يبخل عليه بمقالاته العربية المتنوعة، التي غطت القضايا العربية الراهنة، بدءًا من فلسطين، القضية العربية الأم، مرورًا بسوريا، مسقط رأسه، والعراق ومصر وليبيا والجزائر والأحواز ولبنان واليمن… وغالبية الأقطار العربية، الحاضرة في مقالاته وتحليلاته الأسبوعية.
وفي المناسبة، باسمنا الشخصي، وباسم الأخوة أعضاء أسرة تحرير موقع “المدارنت”، نعزيكم، ونعزي أنفسنا برحيل فارس الكلمة الحرّة وسيّدها الأخ محمد خليفة. ونتقدم من أسرة الراحل الكبير، وأهله وأخوته وأصدقائه ومحبيه، بأحر التعازي والمواساة، متوسّلين الله تعالى أن يستضيفه مع الأنبياء والشهداء والصدّيقين، ويسدل عليه أثواب الرحمة والمغفرة، ويجعل مثواه الجنة.
المصدر: المدار نت