كما كان متوقعاً، انتهت مسرحية الانتخابات الرئاسية التي أجراها النظام السوري، يوم الأربعاء الماضي، بإعلان فوز بشار الأسد بنسبة 95.1 في المائة في الانتخابات المطعون بنزاهتها من السوريين، مؤيدين ومعارضين على حد سواء، والمجتمع الدولي غير المعترف بشرعيتها. وعلى الرغم من أن النظام جهد بكل طاقاته لتسخير الإعلام والدعاية والشرائح المتنوعة في مناطق سيطرته دينياً وعرقياً ومجتمعياً، لإخراج صورة ديمقراطية عن الانتخابات وتضخيم حجم المشاركة بها، إلا أن حضور أجهزة مخابراته في كل هذا الجهد كان مكشوفاً، في لعبة يعرفها السوريون منذ خمسين عاماً، غير أن أدوات أكثر تطوراً باتت تستعمل فيها اليوم، لكنها تبقى سطحية وغير مقنعة.
وليل الخميس – الجمعة أعلن رئيس “مجلس الشعب” (البرلمان) التابع للنظام، حمودة الصباغ، عن فوز الأسد بالانتخابات الرئاسية بعد حصوله على 13 مليوناً و540 ألفاً و860 صوتاً بنسبة 95.1 في المائة من الأصوات، وبذلك سيكون للأسد ولاية رئاسية رابعة مدتها سبع سنوات، تنتهي عام 2028. وكان الأسد قد واجه في الانتخابات، التي وُصفت بـ”الصورية”، وهي الثانية من نوعها بعد اندلاع الثورة عام 2011 ضد نظامه، الأولى في عام 2014، مرشحين اثنين وهما: عبد الله سلوم عبد الله، الذي شغل منصب نائب وزير في السابق، ومحمود مرعي، الذي يرأس حزباً معارضاً يحظى بموافقة رسمية من النظام. وبحسب الصباغ، فقد حصل مرعي على أصوات 470276 ناخباً، ما يعادل 3.3 في المائة من أصوات الناخبين، فيما حصل المرشح عبد الله سلوم عبد الله على 213968 صوتاً، ما يعادل 1.5 في المائة من أصوات المقترعين. وبلغ عدد المقترعين 14.239.140 مليوناً، أي ما يعادل 78 في المائة من عدد الناخبين، كما أعلن الصباغ.
ويعد الرقم الأخير، أي عدد المشاركين في الانتخابات، بحسب الرواية الرسمية للنظام، أول دلالة على هزلية الانتخابات، إذ أكدت مراكز دراسات أن الرقم المذكور لا يمكن أن يكون حقيقياً بناء على إحصاءات وتحليلات بيانية قدمتها. وذكر تقرير مشترك بين مركز “جسور للدراسات” السوري و”منصة إنفورماجين لجمع وتحليل البيانات”، أن عدد من يحق لهم الاقتراع في مناطق سيطرة النظام وفق التقسيم الرسمي للوحدات الإدارية على أساس النواحي التي يبلغ عددها 270 ناحية في سورية، يبلغ نحو 6 ملايين شخص ممن تجاوزوا 18 عاماً في النواحي التي شاركت بهذه الانتخابات، في مقابل قرابة 5 ملايين و150 ألفاً في النواحي التي قاطعتها.
وأوضح التقرير أن هذه الأرقام تأخذ في الاعتبار الحدود العليا للمشاركة ممن يحق لهم الاقتراع، وذلك استناداً إلى دراسة سكانية أعدتها “منصة إنفورماجين”، والتي أظهرت أن عدد من أتموا 18 عاماً هم بحدود 66 في المائة من مجمل عدد السكان في سورية. وأضاف التقرير أن النظام السوري لم يتمكن من فتح مراكز انتخابية في نحو 70 ناحية في سورية من أصل 270، فضلاً عن أنه وضع صناديق للاقتراع في 46 ناحية أخرى بتسع محافظات سورية، ولكن هذه النواحي قاطعت الانتخابات. وذكر التقرير أن نسبة النواحي التي لم تشهد انتخابات وصلت إلى 42 في المائة من مجمل النواحي في البلاد.
وعلاوة عن ذلك، فإن الإحصاءات الرسمية وغير الرسمية تشير إلى وجود حوالي عشرة ملايين سوري خارج البلاد كلاجئين بعد اندلاع الحرب، فيما يقطن حوالي 5.5 ملايين سوري في مناطق سيطرة المعارضة شمال غرب سورية، من سكان أصليين ومهجرين ونازحين من مختلف أنحاء البلاد. كما ينتشر حوالي مليونين في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” الكردية، شمالي شرق سورية، وهؤلاء جميعاً لم يشاركوا في الانتخابات، إلا بنسبة بسيطة جداً من اللاجئين الذين تم الضغط عليهم في لبنان وبعض البلدان الأوروبية.
وفي المشهد الذي رافق الانتخابات وبعد صدور نتائجها، حاول النظام إرسال العديد من الرسائل نحو السوريين المعارضين له، والمجتمع الدولي كذلك، أولاً بالسعي لإبعاد الصبغة الطائفية عن تركيبة النظام وإسناد أجهزة الأمن له المسيطر عليها من قبل ضباط ينتمون بمعظمهم للطائفة العلوية. وترجم ذلك بإخراج المسيرات المؤيدة والاحتفالات داخل المدن السنّية الكبيرة، لا سيما دمشق وحمص، للقول إن أهل تلك المدن هم الذين دعموا الأسد وحققوا فوزه بالانتخابات. بيد أن الحقيقة عكس ذلك، إذ تكشف مصادر لـ”العربي الجديد”، أن النظام دفع سكان الأحياء العلوية المؤيدة له في محيط دمشق للنزول إلى قلب العاصمة ومن ثم تضخيم مشهد الاحتفالات. وكسب النظام بذلك أمرين، الأول عكس تأييد الأكثرية له، والثاني توسيع الشرخ بين الأكثرية نفسها، التي تتوزع على جهتين من حيث الإقامة: مناطق نظام، ومناطق معارضة، وصبغها بطابع “مؤيدين ومعارضين”.
وفي هذا السياق أيضاً، كان التركيز نحو شيوخ الدين السنّة عبر الضغط عليهم لدفعهم إلى إظهار التأييد الكامل للأسد، من خلال الاحتفالات والندوات التي ركز عليها الإعلام الرسمي. وخرجت مسيرة مؤيدة للأسد لرجال دين يهتفون بحياة الأسد، في مشهد استوقف السوريين كثيراً ودفع رجال دين إلى جانب المعارضة لانتقاد هذا الفعل المتعاظم في المبالغة، مع الإشارة إلى حجم الضغوط التي فرضت على رجال الدين.
كل تلك الممارسات بدت غير مكتملة، مع وضوح السطوة الأمنية للضغط على الموظفين والطلاب وحتى المدنيين في مناطق سيطرة النظام للمشاركة، بالتهديد بالاعتقال والتغييب أو بالوعيد في قطع الرزق وسبل العيش المتدني أساساً، من خلال الحرمان من الوظيفة. فعلى سبيل المثال، كانت شوارع العاصمة دمشق شبه خاوية من المارة وفاقدة لحركة ازدحامها المعتادة، لتقصد سكانها عدم الخروج من المنازل لتجنّب الضغط عليهم لإشراكهم في الانتخابات، فيما كانت الاحتفالات تقام ليلاً، ليشكلوا عنصرها الرئيسي.
وظهرت الفوضى في المراكز الانتخابية على وجه لم يكترث النظام حتى بإخفائه، مع ظهور موظف يملأ بطاقات الانتخاب عن الناخبين، بالإشارة على صورة بشار الأسد ويضعها بنفسه في الصندوق. وانتشرت صورة لعسكري يبصم بالدم للأسد على عشر بطاقات دفعة واحدة، ورئيس دائرة يهدد موظفيه بإيقاف اعتمادهم في حال لم يأتوا إلى الانتخابات، بل وأن يحضروا معهم 15 شخصاً من أقربائهم معهم.
أما في دلالات النسب، من حيث نسبة 95 في المائة لفوز الأسد أو 78 في المائة لحجم المشاركة في الانتخابات، فقد وجّهها النظام للمجتمع الدولي والدول الغربية تحديداً بالتحدي الواضح، كنوع من إظهار التفوق والسطوة وعدم الاكتراث بإرضائهم حتى من خلال تقليل النسب، كما كان عليه الوضع في الانتخابات السابقة.
عموماً، رفض السوريون الانتخابات، علناً في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وضمناً في مناطق سيطرته بشكل أو بآخر، وكل ما قام به النظام من تلاعب وزج أدوات جديدة تجميلية في الانتخابات الحالية، لن يفيده في عملية التعويم، داخلياً وإقليمياً ودولياً. إن حجم الرفض للانتخابات ونتائجها بدأ يتصاعد مع إجرائها وحتى بعد إعلان نتائجها، فيما ينتظر الجميع الرد الغربي والدولي على تعنّت الأسد في إجراء الانتخابات وإخراجها بمشهد التحدي الذي خرجت به، وإن كان عن طريق مزيد من العقوبات الاقتصادية والسياسية، من دون اللجوء لأدوات أكثر صرامة، في الوقت الحالي.
المصدر: العربي الجديد