في الثالث من حزيران – يونيو عام 2014 وفي إحدى الضواحي الجنوبية من العاصمة السورية دمشق اختارت اللجنة الانتخابية المسؤولة عن الانتخابات الرئاسية السورية تحويل أحد المراكز الطبية هناك لمركز انتخابي بثلاثة صناديق مسؤول عن خدمة ما يقارب المئة ألف مواطن من جنوب العاصمة يحق لهم الإدلاء بأصواتهم الثمينة، ومع الساعة الثامنة من صباح ذاك اليوم افتتحت أبواب المركز معلنةً البدء بالعرس الديمقراطي المعزوف على ألحان مدافع الهاون التي كانت تنطلق من ساحة فرع 235 والمعروف باسم فرع فلسطين “بحكم دوره بمراقبة الفصائل الفلسطينية واعتقال عناصرها وتعذيبهم لجمع المعلومات ومشاركتها مع مخابرات دولية أخرى في سبعينيات و ثمانينات القرن الماضي” من باحة هذا الفرع كانت تنطلق قذائف الهاون لتضرب رؤوس السوريين في الغوطة الشرقية، شوارع دمشق كانت شبه فارغة إلا من جنود وشبيحة مترقبين من هجمات قد تنفذها المعارضة السورية المسلحة ضد المراكز الانتخابية وهو ما لم يحدث، وهم منتشون من تمثيلية هم أنفسهم صنعوا جميع فصولها، أجواء صيفية ساخنة واشتباكات متقطعة على جبهة جوبر وابتسامة ضابط الأمن العسكري الباردة على بوابة المركز ليعلن بدء التصويت وفتح الصناديق الانتخابية.
العرس الديمقراطي
الساعة الثامنة وعشرة دقائق صباحاً ، كان عدد المقترعين تجاوز المئتين فموظفو المركز المئة وخمسة تم إعلامهم مسبقاً بوجوب الحضور ما قبل الثامنة من هذا اليوم تحت طائلة المسؤولية في حالة عدم الحضور، فضابط الأمن العسكري تأكد بنفسه من أسماء الموظفين ومن مشاركتهم بهذا العرس الديمقراطي ، كما شارك الخمسون عسكرياً المفروزين لحماية المركز من أي هجمات “إرهابية” على حد وصفهم شاركوا هم أيضاً بهذا الإنجاز، أما عن غرفة الاقتراع ففيها طاولتان، الأولى وضع عليها أحد الصناديق الانتخابية ويقف خلفها ثلاثة موظفين مهمتهم أخذ المعلومات من هوية المصوّت كالاسم والرقم الوطني، والطاولة الثانية فارغة إلا من قلم ويقف خلفها رجل بلباس مدني يحمل دفتر ملاحظات وعلبة سجائر .
عند دخول المقترع يسلّم هويته الشخصية للموظفين خلف الطاولة الأولى والذين بدورهم يعطونه ورقة طبع عليها ثلاث صور، أولهم المرشح بشار حافظ الأسد ، ثم ينتقل للطاولة الثانية فيضع إشارةً تحت صورة المرشح المنشود وتحت أعين الرجل ذي اللباس المدني و دفتر الملاحظات وعلبة السجائر، ثم يضع هذه الورقة داخل الصندوق بنفسه ودونما أي ضغوط أو إرهاب أو توتر، يضع إصبعه الأوسط في حبر الديمقراطية ثم يمضي.
الأجواء الاحتفالية
الساعة الثانية عشرة وثماني دقائق ظهراً ، عدد المقترعين ثلاثمئة وثلاثين صوتا لا غير …. الأجواء الاحتفالية الصباحية بدأت شيئاً فشيئاً تتحول لتوتر وعصبية ، ضابط الأمن العسكري غاضباً يطلب من جنوده الانتشار على جبهتين ، الأولى للشارع العام لإقامة حاجز مهمته إيقاف المارة وسيارتهم وإجبارهم لممارسة حقهم بالديمقراطية، و مع أجواء وكأنها حظر تجوّل لم تؤت هذه الجبهة بأي جديد ، أما الجبهة الثانية فتوجه الجنود لبيوت المواطنين القاطنين في محيط المركز ودعوتهم شخصياً لهذا العرس، و في هذه الأثناء طلب من موظفي المركز أن يدلوا بأصواتهم الكريمة مرةً أخرى فممارسة الديمقراطية مرتين خير و بركة .
الساعة الثالثة واثنتان وعشرون دقيقة عصراً، عدد المقترعين خمسمائة وعشرة أصوات لا غير… سكوت لا يكسره إلا صوت ضابط الأمن العسكري وهو يتحدث مع من هو أعلى رتبة منه ليشرح له فشل فكرة الحاجز وأن الصناديق لاتزال فارغة ، فجأة و دون أي سابق إنذار أصوات رشقات رصاص بدأت تنطلق من محيط المركز، هل هو هجوم أم سيارة مفخخة أم شجار بين عسكري وشبيح ؟ وإذا بأربعة باصات محملة بعشرات من المواطنين يقودهم مسؤول في حزب البعث و في مقدّمتهم كاميرات التلفزيون السوري لتوثيق هذا الإنجاز، فتحت الصناديق على مصراعيها ليصوت الوافدون وتؤخذ الصور التذكارية وتنقل الكاميرات أجواء هذا العرس، ثم يعودوا لباصاتهم و ينطلقوا للمركز التالي و الذي يليه ثم الذي يليه .
الساعة السادسة و ست دقائق مساء، عدد المقترعين ثمانمائة وصوتان لا غير … مع وصول سيارة أمنية يخرج منها ضابط يتبع للأمن السياسي يحمل بيده ظرفا ختم عليه “سري للغاية” فالمطلوب و بالحد الأدنى أن يصل عدد المقترعين في المركز لثلاثة آلاف صوت ومع مرور أكثر من ساعة دون أي صوت جديد كان على المسؤولين الأمنيين أن يخلقوا حلولاً بديلة، فتح الظرف وسلمت قوائم كتب عليها أسماء مواطنين سوريين وأرقامهم الوطنية وليطلب من مسؤولي الصناديق أن يصوّتوا بالنيابة عن هؤلاء المواطنين بروح من التآخي و الديمقراطية ، أما عن هذه القوائم فهي أسماء لمعتقلين في الأفرع الأمنية وبالرغم من انشغالهم بالموت البطيء جوعاً أو شبحاً أو قهراً إلا أن القيادة السورية الحكيمة أصرّت أن يكون لهم دور في هذا العرس الوطني.
الحراسة المشددة
الساعة الثانية عشرة منتصف الليل، عدد المقترعين ثلاثة آلاف ومئة وستة أصوات لا غير … أغلقت الصناديق الثلاثة ليتم ختمها بالشمع الأحمر منعاً لأي نوع من التزوير أو التلاعب من قبل أعداء الوطن، نقلت الصناديق تحت الحراسة المشددة لمبنى محافظة دمشق حيث بدأت عملية الفرز و بانتهائها كانت النتائج كما يلي :
فاز بشار حافظ الأسد بمئة وخمسة عشر ألف واثنين وثلاثين صوتا من أصل ثلاثة آلاف ومئة وستة أصوات.
إن كل ما ذكر هو أحداث حقيقية جرت في إحدى المراكز الانتخابية في جنوب العاصمة السورية دمشق قبل سبعة أعوام أحببت أن أنقل تفاصيلها بالنيابة عن مواطن سوري اختار المنفى بيتاً ومستقبلاً عوضاً عن ديمقراطية يتم تفصيلها في الأفرع الأمنية لسوريا الأسد، قد يكون المشهد في هذه الدورة الانتخابية مختلفاً قليلاً في ظل رغبة من الأسد وعصابته أن تكون المشاركة أكبر حتى لو اضطرّ لوضع عنصر أمن عند كل شارع أو مفترق لإجبارهم على الديمقراطية، فيما كان من الطبيعي أن يعود المجرم لمسرح جريمته ليتحقق من هذا الإنجاز فكانت زيارة الأسد وعرّابته “قرينته” أسماء الأخرس لمدينة دوما التي قصفها مرتين بالسلاح الكيميائي وآلاف المرات بالأسلحة التقليدية وشرد أهلها وقتل أطفالها جوعاً وذبحاّ، أتى ليقول أنّ الديمقراطية في سوريا الأسد حق وواجب حتى لو اضطررنا لدفعهم على ممارستها على أنغام ضرب الأحذية العسكرية على أبواب منازلهم .
محللة سياسية يونانية مختصة بشؤون الشرق الأوسط
المصدر: القدس العربي