أَم على قلوب أقفالها !؟   فــريــــتــــــزل ســــوريــــة.. ومـــلـــهــــــاة الانــتــــخــــابــــات 

محمد خليفة

 كثيرا ما حاولت تشبيه حالتنا السورية في ظل حكم أوباش آل الاسد بصورة ما ، أو أقصوصة ما ، أو تشبيه موجز ومعبر يختزل معظم أو جوانب المأساة ، إلا أنني فشلت على مدى أعوام ، وأخيرا اهتديت الى القصة التالية التي أعتبرها ملخصة لمحنة الشعب السوري , وتشبه بعض جوانبها وتفصيلاتها ما جرى لنا خلال اربعة عقود ونيف من حكم الطاغية الشهير حافظ الاسد , وبقية أفراد عائلته الرعاعية وصولا الى السفاح النذل بشار .

أتذكر أنه في مثل هذه الأيام من عام 2008 اهتز المجتمع الانساني كله لحادثة انسانية فردية استثنائية يندر أن تتكرر بقسوتها ومرارتها . وتحولت القصة المأسوية الى صدمة ضمير عنيفة لدى بعض القطاعات الاجتماعية في واحد من أرقى بلدان أوروبا والغرب . بل والعالم، النمسا.

أب يدعى جوزيف فريتزل أشاع بأن ابنته اختفت من تلقاء ذاتها وذهبت لتعيش مع طائفة غريبة في مكان مجهول،حيث تم اعتبارها مفقودة رسميا منذ العام 1984، بينما كانت الحقيقة أنه احتجزها في قبو منزله الذي تقول الشرطة إن مساحته لا تزيد عن 60 مترا مربعا ويضم ثلاث غرف صغيرة مع حمام ومطبخ صغير وجهاز تلفزيون . وقد ظل الأب طوال تلك المدة يواصل الاعتداء الجنسي على ابنته، فأنجب منها سبعة أبناء، فضَّل أكبر اثنين منهم ويبلغان 19 و18 عاما إضافة إلى أصغر الأبناء وهو في الخامسة من العمر، البقاء مع أمهما، فلم يتلقوا تعليما ولم يروا ضوء الشمس .

ومن أعجب الأمور أن الأب لجأ لتبني بقية الأبناء مع زوجته روزماري من خلال خطة شيطانية، حيث كان يضع الأطفال أمام منزله مع رسالة مزعومة من ابنته تفيد بأنها لا تستطيع الاعتناء بأبنائها وبأنها تفضل أن يتولى الجدان رعايتهم.

وتقول الشرطة التي تمكنت من الحصول على اعترافات كاملة للوالد الجد، وتعمل حاليا على إجراء فحص الحمض النووي للأبناء للتأكد من صحة نسبهم، بأنه تم كشف الحقيقة بعد إصابة الابنة الكبرى بمرض غامض وضعها بين الحياة والموت، ما اضطره لنقلها إلى مستشفى البلدة.وتضيف الشرطة أن المستشفى قام بمناشدة والدة الفتاة للظهور لتوضيح تاريخها الطبي، وعندها تحرك الوالد وأخرج ابنته إليزابيث التي تبلغ الآن الـ42 من العمر مع طفليها الآخرين من القبو، مدعيا أنها قررت آخيرا العودة إلى المنزل .

وأشارت تحقيقات المباحث الجنائية إلى أن فريتزل كان يحتجز ابنته وأطفالها في قبو بوابته من الإسمنت المسلح لا تفتح إلا بشفرة إلكترونية كان هو الوحيد الذي يعرفها.

ومن الغريب أن هذا الرجل لم يثر يوما الشكوك في تصرفاته أمام أهل البلدة والجيران، الذين قالوا إنه كان غاية في الود والتهذيب واللباقه وكان يهتم جيدا بأبناء “ابنته”.

فريتزل المجرم المريض الاستثنائي هو نفسه حافظ الاسد أو ابنه في الحالة السورية , إنه مثلنا سوري ولكنه اغتصبنا طوال أربعين سنة احتجز سوريا في قبو مغلق ووضع الشعب السوري كله خارج سياق العالم والحياة الطبيعية وظل يمارس شذوذه طوال هذه السنين بصورة زواج أو علاقة سفاح بشعة وينجب جيلا كاملا من هذه العلاقة المحرمة لا يعرف الواحد منه من أبوه ومن أمه , وهو المسؤول بتصرفه الشاذ المشين عن انهيار القيم والمبادىء والاخلاقيات في مجتمعنا .

سوريا الاسد هي هذه الفتاة المغتصبة السجينة التي لم تر نور الشمس طوال 44 سنة متصلة . أبوها هو من اغتصبها وحجبها عن النور , وابوها الذي يشهد الناس من حوله انه شخص طبيعي وذو سلوك كيس وحسن هو نفسه المريض المتوحش الذي لم يتوقف عن رذيلته ووحشيته طوال 24 سنة , هو مثل الاسد الذي شهد العالم له بأنه زعيم فذ وقوي وذو مناقب حميدة !!

وأبناء هذه الفتاة المسكينة هم أبناء جيل الطلائع وجيل الشبية الذي رباه الاسد على أنه جيل لا يعرف أباه الحقيقي ولا هويته ولا نسبه !تلك مأساة فردية لا يزيد ضحاياها عن بضعة أفراد , أما في حالتنا فالمأساة جماعية وكبيرة وعامة , ضحاياها شعب كامل تعداده عشرون مليون سوري , وما زالت مستمرة وتتواصل , وتتعدد جوانبها ووجوهها .

المجرم فريتزل توقف عند اجرامه عند حد معين , بينما مجرمنا في سوريا يواصل إجرامه الى عنف شامل لا يختلف عن قصص الارهاب التي شاهدناها في بعض الحوادث المتفرقة أو في أفلام السينما .

وذروة التراجيديا السورية التي ما زلنا نعيش فصولها جميعا وما زال العالم يتصرف بسلبية معها تاركا للطاغية الشاذ أن يواصل إجرامه وقتله واغتصابه بحرية وطمأنينة بدون تدخل ولا حتى ملاحقة قضائية دولية مناسبة هي هذه الانتخابات الرئاسية التي يمثل فيها فريتزل سوريا أن ابنته المغتصبة تتمسك به لا زوجا شاذا فقط بل حبيبا وعشيقا لا تستطيع مفارقته ولا العيش من دونه , بل إن أبناءه من هذه العلاقة المحرمة هم من يتشبثون به أبا شرعيا له , ويتشبثون به لأنه المثال الرائع للأب المثالي وينعمون بأعلى درجات السعادة تحت سلطته الأبوية المطلقة ويقاتلون من أجل ديمومتها !!

مأساة فريتزل صدمت المجتمع الديمقراطي الانساني المتحضر في النمسا واوروبا والعالم , بينما تراجيديا الشعب السوري لم تزل قيد البحث والتحليل بين أطباء النظام الدولي وبين قضاة الامم المتحدة ورجال الانتربول الدولي لا يعرفون كيف ينهونها . ولا يزال فريق غير قليل منهم يؤيد تثبيت شرعية الطاغية , ويضغطون على ابنته – زوجته – عشيقته بالرضا والطاعة والاستمرار في قبوها وتحت سلطته الجنسية القهرية الشذوذية ارضاء لمزاجيته السقيمة إلى ما لا نهاية , فذلك هو في نظر هؤلاء أنسب الحلول والخيارات الممكنة أو المتاحة !!

عند هذه النقطة تتقاطع المأساة والملهاة السورية . وما هذه الانتخابات سوى طريقة أخرى من الشذوذ الجنسي أو السياسي يبتكرها الاسد وأعوانه لمواصلة اغتصابنا وسط تأييد أو رضا مؤسسات النظام الدولي وأطرافه الكبار .

وعند هذه النقطة يصبح فريتزل الذي يغتصبنا هو العالم بأسره !!

المصدر:

هذا المقال منشور في مجلة الشراع اللبنانية , العدد 205 الصادر في بيروت بتاريخ 23 / 5 / 2014 , ولذا وجب التنويه .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى