وجّه الائتلاف الوطني السوري المعارض رسالة إلى 75 دولة وسبع منظمات أممية، رأى فيها أن إجراء النظام للانتخابات الرئاسية “يُعتبر انقلاباً على العملية السياسية”، داعياً إلى عدم الاعتراف بشرعية هذه الانتخابات ونتائجها، كما طالب بممارسة دور ضاغط أكثر على النظام وداعميه، والتأكيد على أن الحل الوحيد في سوريا لن يكون إلا من خلال الالتزام الحقيقي من جميع الأطراف بالعملية السياسية وفق القرارات الدولية ذات الصلة.
وبينما يطالب بعض مؤسسات المعارضة الرسمية بالانسحاب من اللجنة الدستورية، ووقف كل أشكال التفاوض مع النظام بسبب إصراره على هذه الخطوة، يرى آخرون أن المعارضة ليس أمامها سوى التمسك بالقرارات الدولية والعمل على تضييق الخناق السياسي على النظام، من خلال استغلال موقف المجتمع الدولي الرافض للانتخابات ونتائجها، في ظل عدم وجود خيارات كثيرة أمامها.
وعقدت الهيئة العامة للائتلاف اجتماعها الدوري الأخير في مدينة إعزاز بريف حلب الشمالي، وكان موضوع الانتخابات على رأس جدول أعمالها، حسب بيان رسمي، أكد ضرورة “فضح مسرحية الانتخابات، الرامية إلى تدوير رأس النظام المجرم بطريقة مشينة تدوس على حقوق الإنسان ومختلف القوانين، في حين أن مكان هؤلاء الذين أجرموا بحق الشعب هو محكمة الجنايات الدولية، وليس تكرار المهزلة المعروفة النتائج بدعم من رعاته الإيرانيين والروس، ووسط مواقف دولية ضبابية لم ترقَ إلى الحد الأدنى في التعاطي مع مجرم من هذا العيار”.
وأشار البيان في الوقت ذاته، إلى الموقف الإيجابي ل”الدول والحكومات التي منعت مهزلة الانتخابات على أراضيها وفي المقدمة منها كل من تركيا وألمانيا التي كانت سباقة في هذا الموضوع”.
وطالب البيان المجتمع الدولي بالعمل على “سحب الشرعية السياسية من النظام، بل وبما يتجاوزها إلى سحب الشرعية القانونية منه” في وقت علمت فيه “المدن” أن الائتلاف يعدّ دراسة تهدف إلى استنساخ تجارب دول أخرى نجحت فيها المعارضة بأخذ مواقع الحكومات في المنظمات والهيئات الدولية، بناء على تشابه الظروف بينها وبين الحالة السورية.
معلومات أكدها عضو الهيئة العامة للائتلاف زكريا ملاحفجي، الذي اعتبر أن الاستمرار في مواجهة النظام قانونياً وسياسياً وفي كافة المحافل يُعتبر إحدى أهم أدوات المعارضة، في ضوء المعطيات والظروف الحالية.
واعتبر ملاحفجي في تصريح ل”المدن”، أن إصرار النظام على تنفيذ الانتخابات الرئاسية لا يُعتبر ضرباً بالحائط لجميع القرارات الدولية حول سوريا والعملية السياسية فقط، بل يشير إلى تكريس هذا النظام واقع التقسيم الجغرافي الذي تعيشه سوريا، وقبول بشار الأسد بأن يكون رئيساً لإقليم من البلاد على أن يقدم تنازلات من أجل سوريا كلها.
وأضاف أن “الجمود الدولي سمح خلال الأشهر الماضية، على خلفية عدم وضوح الرؤية الأميركية واستراتيجية إدارة بايدن حول سوريا، بتشجيع النظام وحلفائه على اتخاذ هذه الخطوة، لكننا نعول على تغييرات نعتقد أن الأيام القادمة ربما تحملها، وبانتظار ذلك فإن المعارضة مستمرة في بذل كل الجهود الممكنة لمحاصرة النظام سياساً وقانونياً، وعلى الأرض فإن تطوير المناطق الخاضعة لسيطرتنا والعمل على تنميتها اقتصادياً وخدمياً هي على رأس الأولويات”.
يأتي ذلك في وقت لا تزال فيه هيئة التفاوض، التي تُعتبر الجهة الممثلة رسمياً للمعارضة لدى المجتمع الدولي، معطلة بسبب الانقسامات التي تعاني منها، الأمر الذي تسبب بعدم صدور أي موقف رسمي منها حتى الآن تجاه انتخابات النظام، وسبل الرد عليها، خاصة وأنها الجهة المخولة بالانسحاب من اجتماعات اللجنة الدستورية، المسار التفاوضي الوحيد القائم حالياً بين الطرفين.
ورغم أن مصادر في المعارضة كشفت ل”المدن”، عن بوادر إيجابية لإعادة الحيوية إلى الهيئة، بعد التقارب التركي-السعودي المصري مؤخراً، والذي ربما ينتج عنه مؤتمر الرياض-3، ورغم أن مصادر في المعارضة كشفت ل”المدن”، عن بوادر إيجابية في هذا الصدد، بعد التقارب التركي-السعودي المصري مؤخراً، والذي ربما ينتج عنه مؤتمر الرياض-3، إلا أن هذه المصادر استبعدت أن يحدث ذلك في وقت قريب يمكّن من اتخاذ موقف عملي من الانتخابات الرئاسية التي يجريها النظام.
وعليه يرى محللون أنه ليس أمام المعارضة سوى التمسك بالقرارات الدولية والاستمرار في العملية السياسية وعدم منح النظام ذريعة دفنها بعد أن أصرّ في جميع خطواتها السابقة على إعلان موتها من جانبه، مع استمرار رفض الانتخابات التي يجريها، والعمل على تكريس الموقف الدولي الرافض لها ولنتائجها والاستفادة من هذا الرفض من الناحيتين السياسية والقانونية.
وفي تصريح ل”المدن”، يقول المحلل السياسي عمار جلو إن “النظام نجح بتعطيل عمل اللجنة الدستورية من أجل الوصول إلى موعد الانتخابات الرئاسية، بهدف أن يكون لديه مكاسب مسبقة في حال حصول أي تحولات مهمة في المشهد السوري تجبره على تقديم تنازلات حقيقية، وهو احتمال على صعوبته يبقى قائماً في حال توصل الجانبين الأميركي والروسي إلى توافقات شاملة حول الملفات العالقة بينهما”.
وأضاف أن “هذه الانتخابات طالما أنها لا تحظى باعتراف من المجتمع الدولي تبقى آثارها محدودة على مستقبل الوضع السياسي في البلاد، ولن تمنح النظام الشرعية التي يسعى إليها، وبتقديري فإن لقاء الرئيسين الأميركي والروسي سيحدد الكثير على صعيد الملف السوري، بشرط أن يتمسك جو بايدن بما يقول إنه مصرّ عليه في مواجهة الجانب الروسي، خاصة وأن هناك ملفات عديدة يمكن أن تؤثر على بعضها البعض في العلاقة بين الجانبين، ومنها الملف السوري بالتأكيد”.
لا تمتلك المعارضة خيارات كثيرة للرد على إجراء النظام الانتخابات الرئاسية، لكنها في الوقت نفسه ترى أن هذه الانتخابات لن تشكل تحولاً خطيراً في المشهد السوري، فهي إجراء أحادي مرفوض دولياً، كما أنه مجرد تحصيل حاصل بالنسبة للنظام، الذي لن يتردد في الاستمرار في تعطيل العملية السياسية والقيام بكل ما يستطيع فعله على هذا الصعيد طالما لا توجد إرادة دولية تفرض تطبيق قرارات مجلس الأمن الخاصة بسوريا.
المصدر: المدن