الكرة النووية في الملعب

عمار جللو

ما كان لاغتيال الارشيدوق فرانز فرديناندو ولي عهد النمسا وزوجته في سراييفو عام ١٩١٤ ليؤدي ما أدى إليه من حرب كبرى لولا وجود هذه الحرب في فكر ساسة هذه الدول وفي صلب سياستها وهذا ما أظهرته التحقيقات النمساوية التي برّأت الصرب من هذه الجريمة ورغم محاولة الحكومة الصربية نزع فتيل الأزمة من خلال قبولها أغلب الشروط النمساوية المهينة إلا أن الإمبراطورية النمساوية رفضت تمرير الحادث وأنشبت لهيباً بعد أن كانت تخفيها هذه الحرب التي قال عنها وزير الخارجية الأمريكية الأسبق هنري كيسنجر في مدخل كتابه درب السلام الصعب “من هو الوزير الذي لم يكن ليتراجع عنها مذعوراً، لو أتيح له أن يرى ما سيكون عليه عالم سنة ١٩١٨، هذا حتى لا نتكلم عن عالمنا الحاضر؟”

ما تزال الأعمال التخريبية التي تمارسها كل من إيران وإسرائيل في مواجهتهما لبعضهما البعض مضبوطة دون إيقاع الحرب أو انطلاق شرارتها وذلك من خلال حصرها بأهداف مدنية متمثلة بالسفن والناقلات البحرية رغم وصف بعضها بالقيام بمهام عسكرية كالسفينة الإيرانية ساويز غير أن الهجوم الذي تعرضت له منشأة نطنز يوم ١١نيسان/أبريل نقل هذه الأعمال إلى مستوى لا يبشر بخير بين حكومتين متناطحتين يرأسهما متطرفون لا يعنيهم تجاوز الخط المضروب أمام ملاعب البارود الأصفر والذي لا يمكن ضبطه ضمن حدود معينة في حال خطأ الحسابات المقدرة بالتلاعب في محيطه، وإذا كان الهجوم الإسرائيلي المجهول ماهيته ضد منشأة نطنز يمكن وصفه بالعمل المجنون بهدف التأثير على القطار المنطلق في فيينا للوصول إلى محطة التوافق الدولي على صيغة مشتركة لضبط المشروع النووي الإيراني وتوابعه، إلا أن الجنون الأكبر تمثل بالصاروخ الذي بلغ به الطيش إلى الاقتراب من المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونا، ضمن سياسة الفعل ورد الفعل بين الطرفين، وكلا الحادثين محكومين بالكتمان في ظل حكومتين غابت عنهما الشفافية منذ ولادتهما، كما يمثل كلا الحادثين أحداث غير عابرة وخارج المألوف ضمن سياسة الحرب الخفية القائمة بين الدولتين المذكورتين، إذ أن اكتشاف السلاح النووي في أربعينيات القرن الماضي قد كرّس سياسة إنهاء الحروب بين الدول النووية نظراً لخطورة هذا السلاح واستحالة حصره أو حصر آثاره وضحاياه، رغم الاستثناء الهندي الباكستاني الذي يلعب فيه امتلاك الدولتين الأخيرتين للسلاح النووي ضابطاً لأي انفلات للمعارك بينهما وهو ما جعل دول أخرى من دول الحظيرة النووية تتوقف قبل خطوات من حافة الحرب مع نظرائها النوويين وتعتبر أزمة الصواريخ الكوبية في ستينيات القرن الماضي أوضحها، لذا يعتبر هذا السلاح عامل ردع أو سلاح يلوح به أكثر من كونه عامل حسم أو سلاح للاستعمال.

“لا أحد يريد الحرب و كلنا نسعى إليها” لا أعلم صاحب هذه المقولة وهو ما يمكن إسقاطه في الحالة الإيرانية الإسرائيلية والمثير للإنتباه سقوط مفهوم الحصانة النووية التي من المفترض أن توفر لدول الحظيرة النووية حماية من الحروب أو الهجمات عليها فاللعب بات بالكرة النووية أو في مضمارها وهو المؤشر الأخطر في حالة الحرب الخفية الجارية بين إسرائيل وإيران، كما أن ظروف الحال في حادثي نطنز والصاروخ الطائش أسقطت كثير من القناعات المعول عليها لضبط أي انفلات لعمليات التحرش الحاصلة بين الجانبين ناهيك عن إحداث تسرب نووي خارج عن الحسابات، فقد سقطت الحصانة النووية في حادث نطنز (المنشأة الوحيدة التي أشارت لها أطراف الاتفاق النووي بالخطورة) إذ أظهرت هذه الحادثة حاجة المشروع النووي إلى دولة تحميه بدل أن يوفر لها الحماية حسب ما تفترضه قاعدة الحصانة النووية، وهنا لا بد من التنويه لاعتداء سابق تعرضت له منشأة نطنز منذ عشرة أشهر، كذلك أسقط الصاروخ الطائش مع سقوطه قريباً من مفاعل ديمونا كل العنتريات الصهيونية المتحدثة عن دفاعاتها الجوية الحامية لأرضها وسمائها، فقد وضع الصاروخ المذكور كلا من القبة الحديدية ومقلاع داود ومنظومة الباتريوت وراء ظهره وهو ما سيشجع الخصم على التحرش في هذه المنطقة بالذات حين تعرضه لضربة يصعب عليه ابتلاعها أو للحصول على التعبئة الداخلية التي يحتاجها بعد كم الضربات التي عجز عن رد مثيلاتها منذ اغتيال قاسم سليماني إلى حادثة نطنز مروراً باغتيال محسن فخري زادة، وهو ما عبر عنه عضو رئاسة البرلمان الإيراني، محسن دهنوي، مغرداً على حسابه في تويتر قائلاً: “إن الهيبة الهشة للقبة الحديدية سقطت فقط بصاروخ واحد من الجيل الإيراني القديم” ويضيف متسائلاً ” ماذا ستصنعون إذا سقط عليكم وابل من الصواريخ الإيرانية المتطورة ” وتمثل تلك التغريدة أول تصريح إيراني على ضلوعها بالعملية مع تصريح آخر يحمل اعتراف ضمني جاء على لسان العميد محمد رضا نقدي، نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني لشؤون التنسيق، قائلاً إن ” من يرتكب العمل الشرير عليه أن ينتظر ارتداده عليه” غير أن ارتداد هذه الأعمال لا يمكن حصرها ضمن جغرافية الدولتين فقط بل سيشمل المنطقة المشتعلة أصلاً إن لم نقل تجاوزها لحدود المنطقة في ضوء تحالفات الدولتين المذكورتين وسواهما من دول المنطقة التي شهدت ولادة تحالفات واصطفافات جديدة خلال السنوات الماضية، غيرت خلالها بعض الدول خنادقها ولا يزال بعضها متأرجحاً ما بين بين، كحال إيطاليا عشية الحرب الكبرى.

مايزال العالم أجمع يعاني نتيجة تسرب فيروس كوفيد ١٩ من أحد المختبرات الصينية أو نتيجة سياسة التعتيم التي مارستها الصين مع بداية تفشي الفيروس المذكور ضمن أراضيها فماذا سيدفعه العالم مع خطأ حسابات قد تحصل بين دولتين متناطحتين في الملعب الأصفر.

 

المصدر: اشراق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى