لم ينعم الشعب السوري منذ ظهور سورية كدولة مستقلة بانتخابات حرة ونزيهة إلا في فترات قصيرة ومتباعدة، ومع ذلك فقد شابها الكثير من الانتقادات، ففي عام 1918 مع إعلان استقلال سورية بحدودها الطبيعية {سورية الكبرى التي تضم سورية الحالية ولبنان وفلسطين وشرقي الأردن} تشكل المؤتمر السوري الأول الذي كان بمثابة جمعية تأسيسية ترسي حياة ديمقراطية جديدة في سورية، فأقرت الدستور وشكل الحكم كملكي دستوري وتوجت الأمير فيصل ابن الحجاز ملكًا على سورية وأجرت انتخابات نيابية مثلت جميع الأقطار.
مايهمنا هنا ماجرى ويجري في سورية منذ استفراد البعث في الحكم منذ عام 1963 بعد تخلصه من حلفائه أصحاب الثورة الحقيقيين، دأب النظام من ذلك الحين على تعيين مؤسسات تنفيذية وتشريعية بالتعيين، فكان أولًا مجلس قيادة الثورة الذي مثل {الشرعية الثورية حسب رؤية البعث} الذي لايعترف بصندوق الاقتراع كونه نتاج الديمقراطيات الغربية،حتى جاء انقلاب 16 تشرين الثاني / نوفمبر على يد عسكر حافظ الأسد الذي أنهى حكم الحزب وزج بزعمائه في السجن لسنين طويلة، مع أنه بقي يتلطى وراء الحزب وشعاراته، ليؤسس لحكم عسكري فردي مازالت البلاد تئن تحت وطئته إلى الآن.
بدأ النظام الجديد حكمه باتحاد شكلي أسماه اتحاد الجمهوريات العربية مع انقلابي آخر في مصر انقلب على الشرعية أيضًا هو أنور السادات صاحب كمب دافيد، ومع حاكم ليبيا. باستفتاء عام على الاتحاد وعلى رئاسة قائد الانقلاب حافظ الأسد وعين مجلس”شعب” ضم عددًا من ممثلي أحزاب المعارضة التي اتفقت معه على حوار لإقامة “جبهة وطنية تقدمية “ثم بعدها بعامين بعد إقرار دستوره عام 1973بدأت المسرحيات الانتخابية، بانتخاب مجلس شعب ضم من قَبِلَ بتشكيل الجبهة التقدمية التي نص الدستور على أنها تقود الشعب والجبهة وأن حزب البعث هو القائد في الدولة والمجتمع.
توالت الانتخابات لمجالس الشعب بقوائم الجبهة التقدمية المغلقة بشكل كامل كما تواترت انتخابات رئاسة الجمهورية كل سبع سنوات والتي أصبحت بيعة للرئيس الأوحد، وطبعًا معنى البيعة كما في الدول الأتوقراطية أنها السمع والطاعة وهكذا أرادها البعث التقدمي، قامت المهرجانات وسيق الناس مجبرين للانتخابات وفتحت الميزانيات الضخمة للصرف على هذه الانتخابات التي شكلت بابًا إضافيًا للفساد والتربح.
لم يختلف الأمر في سورية بعد وفاة حافظ الأسد فجاء وريثه ليكرس مابدأه الأب حتى جاء دستور عام 2012 ليسمح بتعدد المرشحين للرئاسة والتي ثبت أنها شكلية وهزلية، يعترف محمد حبش الذي كان عضوًا في هذا المجلس أننا شاركنا في تضليل الناس وكثير ممن يسمون علماء كذبوا على الناس، واستشهد بحديث للرسول الكريم معناه بأن المسلم ممكن أن يسرق ويزني ويقتل ولكنه لايكذب، إنها مسرحية هزلية تتكرر كل سبعة أعوام.وفي دراسة لديفيد شينكر من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط بعنوان: ” إعادة تأهيل الأسد الجامعة العربية تحتضن منبوذًا” ماملخصه أن الجامعة قليلة الفعالية فقد علقت عضوية سورية عام 2012 ولم يكن من عادتها إقصاء المجرمين فقد رحبت بالبشير في قمة قطر بعد اتهامه من الجنائية الدولية بإبادة جماعية لأكثر من 500 ألف سوداني في إقليم دارفور، فالجامعة هي جامعة دول والجميع مرتكبين والآن يتحركون لإعادة النظام إلى الحظيرة والحجج جاهزة وتافهة ” إبعاد إيران وإخراج تركيا وإعادة الإعمار بما أن النظام انتصر”.
لن تكون هناك انتخابات حقيقية في هذه المرة أيضًا، إنها ذات المسرحية الهزلية على أنقاض وطن مدمر بيد النظام وحلفائه الساعين إلى إعادة تأهيله رغم الجوع والدمار والحصار ومئآت الآلاف من القتلى والمعتقلين، ولن يكون لها أي أثر إيجابي على النظام وحلفائه، ولن تطيل هذه المسرحية من عمر النظام الذي بدأ الطوق يلتف على رقبته مع انكشاف الكثير من جرائمه الكيماوية وولوغه بتهريب وصناعة المخدرات والحبل طويل.
أي انتخابات وأربع محافظات خارجة عن سيطرة النظام، ومحافظات الجنوب رافضة له ولانتخاباته وأكثر من عشرة ملايين بين مهجر ونازح.
لن يكون هناك في المستقبل وجود لهذا النظام الذي أجرم بحق شعبه وستكون سورية بلدًا حرًا ديمقراطيًا لجميع أبناء شعبه.
المصدر: اشراق