تضيف إنتخابات الأسد الرئاسية عنصراً آخر من عناصر التأزم المتفاقم بين الغرب وروسيا، التي تدافع بكل الوسائل عن ما تعتبره شرعية هذه الإنتخابات. وهي ترى أن الغرب يخلق “جواً سلبيا”ً حولها بإعلانها غير شرعية، وتعتبر ذلك ضغطاً خارجيا على سوريا وتدخلاً في شؤونها الداخلية، مما يشكل”انتهاكاً فظاً” لقواعد القانون الدولي. وتتمترس روسيا خلف ما تسميه شرعية نظام الأسد، وتبرر بها اجتياحها العام 2015 إنتفاضة السوريين ضد هذا النظام . ولا يلتفت الكرملين إلى أن ورقة التين هذه لا يلتفت إليها حتى المعلقون السياسيون الروس، الذين يعلنون أن إنقاذ الأسد من السقوط ليس هدف الكرملين من عمليته السورية، بل العودة إلى الشرق الأوسط واستعادة لقب “الدولة العظمى”.
ماريانا بالنكايا المتابعة لشؤون الشرق الأوسط في إحدى كبريات الصحف السياسية الروسية “Kommersant”، وفي تواصل معها من “المدن”، لم ترفض القول بأن الإنتخابات الرئاسية السورية هي عنصر توتر إضافي بين روسيا والغرب. لكنها رأت أن روسيا لم يكن لديها خيار آخر غير القول بشرعية الإنتخابات السورية، لأنها تجري على أساس دستور سوريا الحالي الذي لا ينبغي انتهاكه. وهذا يعني أن الإنتخابات يجب أن تتم، وهو ما لا يتعارض مع قرارات مجلس الأمن الدولي والمفاوضات في جنيف، برأيها. وإذا ما تم التوافق على دستور آخر، فسوف تجري حينها إنتخابات جديدة، لكن الدستور القديم لا ينبغي أن ينتهك في هذه الأثناء. وترى أن الغرب “لايعجبه شئ ” في سلوك روسيا، ولن تُقدّم أو تؤخر في ذلك “حجة بالزايد أو حجة بالناقص”.
وكالة نوفوستي تعتبر الإنتخابات “منعطفاً جديداً في سوريا”، وتنقل عن خبير المجلس الروسي للعلاقات الدولية لشؤون الشرق الأوسط رسلان ماميدوف قوله بأنه لا يشكك في إعادة إنتخاب الأسد، ويؤكد أنه على الرغم من أن الغرب لا يعترف بذلك، إلا أنه سيتعين على المشاركين الأجانب في التسوية السورية التعاطي معه بالذات. وليس بوسع غير الأسد حتى الآن التقدم في تحسين الوضع، وسوف تجد بروكسل نفسها مضطرة لأخذ ذلك بالإعتبار. ويرى أنه في حال إعادة إنتخاب الأسد سوف تبدأ دول جوار سوريا الحوار مع دمشق. ويعتبر أن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية هو “حل وسط ليس سيئاً” يسهل للسعودية وقطر إيجاد نقاط تفاعل مع دمشق “كحد أدنى”. وهذا من شأنه، برأيه، العمل على إستقرار العمليات السياسية الداخلية، وليس في سوريا فحسب، بل وفي الشرق الأوسط ككل.
بعد كل هذه السيناريوهات المتفائلة، التي يربطها هذا الخبير بفوز الأسد “غير المشكوك فيه”، تنقل نوفوستي أيضاً عن الخبير الروسي في معهد الشرق الأوسط في واشنطن أنطون مارداسوف تشكيكه في تنافسية الإنتخابات الرئاسية السورية، ويستشهد على ذلك بالإنتخابات البرلمانية السورية السنة الماضية. لكنه يرى أن الإنتخابات ضرورية للحفاظ على الوضع القانوني لمؤسسات الدولة، وإلا تصبح شرعية الأسد نفسه “موضع تساؤل”. ويشير مارداسوف إلى عدم إعتراف الولايات المتحدة وأوروبا بنتائج الإنتخابات، إلا أنه لا يرى أن هذا سيحول دون إحراز تقدم إذا ما شكلت السلطة والمعارضة حكومة إنتقالية تسعى اللجنة الدستورية لإيجاد بديل ما عنها. ويرى الخبير أن المشكلة الأساسية في سوريا تكمن في كون المعارضة الحقيقية ليست في ظروف متعادلة مع السلطة، مما يطيل أمد عملية المفاوضات ويعرقل الإستقرار العام.
المدير العلمي لمعهد الإستشراق فيتالي ناومكين نقل عنه موقع “actualcomment” والعديد سواه من المواقع قوله بأنه “ليست مصيبة ألا يعترف الغرب بالإنتخابات”، فهي ستتم في كل الأحوال، ومن الواضح أن الأسد سينتصر فيها. وفي الغرب “ثمة عقلاء أيضاً” يدركون أن فكرة تأجيل الإنتخابات سخيفة، إذ في هذه الحال ستحل الفوضى وتتلاشى السلطة.
وينقل الموقع عينه عن البروفسور في مدرسة الإقتصاد العليا ألكسندر دومرين قوله بأنه لا بد من الأخذ بالإعتبار أن ليس لدى لمعارضة من زعيم، كما في فنزويلا، كان يمكن للتحالف الغربي أن يدعمه. والبلدان الغربية، إذ تدرك أن الوضع في فنزويلا لا يمكن أن يتكرر في سوريا ( حين أعلن رئيس البرلمان الفنزويلي وزعيم المعارضة خوان غوايدا نفسه رئيساً مؤقتاً لفنزويلا مكان الرئيس نيكولاس مادورو، ولم يتمكن من الوصول إلى كرسي الرئاسة)، تحاول ألا تجعل الإنتخابات تتم.
اللافت أن الموقع الذي عرض آراء الخبيرين المذكورين ، ذيّل نصه بملاحظة تحت عنوان “مهم” قال فيها أن الإنتخابات سيكون لها تأثير مهم على تسوية الصراع في سوريا. لكنه أضاف، بأنها يمكن أن تستخدم أيضاً لزعزعة الوضع داخل البلد، مما يمكن أن يفضي إلى تأزم الوضع السياسي العسكري، من دون أن يشير إلى تلك القوى التي قد تقدم على ذلك.
موقع قناة التلفزة الأوكرانية “24” نشر نصاً بعنوان “بيزنس بوتين السياسي:بما ستنتهي عليه الإنتخابات في سوريا”. لم يكن من الصعب توقع آراء القناة الأوكرانية ، التي تختلف جذرياً عن آراء الخبراء الروس المذكورة، وتحاكي آراء غالبية السوريين بالإنتخابات وبالأسد و”توأمه السياسي” بوتين، اللذين لا يجيدان إنتخابات أخرى تمت إلى الديموقراطية بصلة، ولو من بعيد.
يقول الموقع أن الإنتخابات في سوريا سوف تجري بإشراف ومساعدة كل من روسيا وإيران وكوريا الشمالية. وعلى الرغم من أن نتائجها معروفة مسبقاً، إلا أنه يبقى من المهم متابعتها كعملية مثيرة للفضول. فهي تكشف الكثير من طبيعة الإستبداد، وليس السوري فحسب، بل والروسي أيضاً كثير الشبه بالسوري . هذه الإنتخابات، التي تحمل قائمة مرشحيها أكثر من إسم واحد، هي الثانية خلال 50 عاماً من حكم آل الأسد بعد إنتخابات العام 2014.
إنتفاضة السوريين ضد الأسد، هي التي فرضت عليه التخلي عن إنتخابات قائمة الإسم الواحد، وأراد بذلك إظهار”ديموقراطيته” واستعداده لتقبل إنتخابات تنافسية. المرشحان اللذان “نافساه” العام 2014 أنفقا وقت الأثير الإنتخابي المخصص لهما في تعداد مزايا “منافسهما” وامتداح “فضائله التي لا تحصى”. وبالتالي لا يمكن وصف تلك الإنتخابات بالتنافسية ، وهي التي تم فيها سلفاً تحديد نسبة المقترعين للمرشحين “المنافسين” معاً ب 7% والنسبة التي ينبغي أن ينالها الأسد بحدود 90% تقريباً.
الأسد وأمثاله يحتاجون تقليد الديموقراطية لغاية وحيدة: منح سلطتهم ولو شرعية صورية. إذ في إنتخابات نزيهة، في بلد ديموقراطي ووسائل إعلام حرة، ومن دون دعم البيزنس الكبير المرتبط كلياً بكبار المسؤولين، “لم يكن بشار الأسد لينتخب يوماً مسؤول بناية واحدة “، حسب الموقع.
وعن الشبه بين الأسد وبوتين، يقول النص بأنهما “توأم سياسي” يتشابهان في بهتان الشخصية وفقدان الكاريزما، وتم الإمساك بيدهما وأُجلسا على قمة هرم السلطة، وذلك ليس لكفاءة، بل فقط لغياب من هو أفضل. ويقول بأن الأسد وصل الى كرسي السلطة إثر حادث سيارة أزاح “الرئيس القادم” باسل، أما في حال بوتين، فقد لعب الخرف والفودكا، اللذان أفسدا سنوات سلطة بوريس يلتسين الأخيرة، دور حادث السيارة، ووجد من دس للرئيس يلتسين “لقيط سانت بطربورغ” وأقنعه بأنه لن يجد أفضل منه.
وعن الفرق بين الروس والسوريين، يقول النص بأن الروس ليسوا سوريين بالتأكيد، ولن يقدموا على إنتفاضة ضد بوتين. فقد طوعوهم بالبروباغندا، وغرسوا في رؤوسهم فكرة الطاعة كأسمى فضيلة.
ويرى النص أن أحد الفروقات القليلة بين “التوأم السياسي”، هو أن بوتين يريد أن يُخضع ليس الشعب الروسي فقط، بل وشعوب البلدان الأخرى، التي كانت يوماً “محتلة” من قبل روسيا ولا يزال الكرملين يعتبرها كذلك.
المصدر: المدن