إصدار جديد لدار نون4

محمود الوهب

تحت عنوان “جمال الأتاسي المفكر والإنسان” صدر منذ نحو شهر تقريباً كتاب عن الراحل جمال الأتاسي الذي تمر الذكرى الحادية والعشرون لوفاته، ويذكر أن جمال الأتاسي كان قد خرج من قيادة (الجبهة الوطنية التقدمية) التي أقيمت في عهد حافظ الأسد وصدر ميثاقها في السابع من آذار/مارس عام 1972بعد نقاش استمر شهوراً لإنجازه على الشكل الذي جاء به من تحجيم للأحزاب وتضييق على حركتهم التنظيمية وبالتالي على نشاطهم السياسي، إذ جعلهم ملحقين بحزب البعث الحاكم بانقلاب عسكري.. ويكتسب موقف جمال الأتاسي، آنذاك، أهمية كبرى إذ نبه إلى خطورة ما ستؤول إليه البلاد، وبالفعل تحققت نبوءة الرجل إذ شلَّ ميثاق الجبهة الحياة السياسية، بحرمان أحزابها من تنظيم الجيش والطلاب، وحصر ذلك بحزب البعث، ما يعني في العمق أن الجيش ليس للوطن، بل هو جيش بعثي يدافع عن حزب البعث إذا ما تعارضت مصلحته مع مصلحة الوطن، وقد حصل مثل ذلك الموقف مراراً سواء في معالجة الأوضاع الداخلية أم في المواقف القومية.. ومن هنا ربما تأتي أهمية الكتاب في تأريخه لمرحلة، ربما هي الأسوأ في تاريخ سورية بعد الاستقلال، إذ سادها نظام ديكتاتوري استبدادي أخضع الكل لمشيئة فرد عمل على تحجيم سورية ودورها، فلم يكتف بمصادرة السياسة بل تجاوزها إلى الاقتصاد والمال العالم وسطَّح عملية التربية والتعليم المعوَّل عليه كل رقي وتقدم، ولذلك آلت سورية إلى ماهي عليه اليوم من خراب ودمار.. كما آلت أحزاب الجبهة التي تبرأ منها جمال الأتاسي إلى أشلاء أحزاب.. وبقايا لا تأثير لها في الحياة السياسية السورية.. أما قياداتها فقد غدت أقرب إلى المرتزقة منها إلى الأحزاب، ناهيك بالتمزقات التي حدثت في صفوفها إذ تحولت إلى أحزاب خاصة (عائلية) يملكها المسؤول الأول الذي يورِّثها للابن والزوجة، وقد حدث ذلك مع الحزب الشيوعي وحزب الوحدويين الاشتراكيين، وحزب الاشتراكيين العرب بعد انقسامه، وكأنما، بفعلها ذاك، قد قلدت صورة الحكم وبررت له أفعاله في الوقت نفسه..

وكان صدور الكتاب إضافة إلى الذكرى الحادية والعشرين لوفاة جمال الأتاسي قد جاء في سياق مرور عشر سنوات عل الثورة السورية التي كان من أهم أهدافها إعادة السياسة للشعب كما كان يرى جمال الأتاسي ذاته.. ومما جاء في مقدمة الكتاب التي كتبت باسم “ملتقى العروبيين” إن الكتاب: “رسالة للشعب السوري الثائر ليتسلح بالفكر قبل البندقية، ولأن الوعي المعرفيّ ضرورة لابد منها في مشروع الانتقال بسورية إلى غد أفضل، ومشرق..”

ساهم في الكتاب عدد من رفاق درب جمال الأتاسي من حملة الفكر السياسي، والقلم الثقافي عموماً، كما كتب فيه ابنتا الفقيد سراب وسهير وعدد من قادة حزب الاتحاد الاشتراكي العربي، ومثقفيه، فكتب حسن عبد العظيم رئيس هيئة التنسيق الوطنية، ومحمد خليفة، والدكتور عبد الناصر سكرية.. ومن العناوين الرئيسة للكتاب إضافة إلى الإهداء والمقدمة المعنونة بـ: هذا الكتاب لماذا؟ عن الدكتور جمال الأتاسي والملتقى. فقد كتبت “آلاء عوض” تحت عنوان “جمال الدين الأتاسي ومحاولة تغيير البنية العربية..” وكتبت ابنته سهير “جمال الأتاسي: الأب والإنسان.” أما “عبد الرحيم أحمد خليفة” فقد كتب تحت عنوان “النضال الوطني أولاً”. وكتب محمد خليفة عن “”غاندي سورية جمال الأتاسي: الرسالة والريادة والدور” أما “نجدت نصر الله” فكتب “جمال الأتاسي: مفكر برؤية ثاقبة..” وكتب حبيب عيسى: “30 آذار/مارس: الأرض، ناصر، عصمت، وجمال..” وثمة أسماء أخرى اقتربت عناوين مقالاتها من وحي الذكرى.. وبذلك أضيئت شخصية جمال الأتاسي فكراً وممارسة كما أضيئت تلك المرحلة من تاريخ سورية. يقع الكتاب في مئة وخمس وعشرين صفحة من القطع الصغير، ويعدُّ الكتاب وثيقة سياسية بامتياز

المصدر: صفحة محمود الوهب

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى