عين وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الأسبوع الماضي، السفير جيفري فيلتمان، مبعوثا خاصا لشؤون القرن الأفريقي، في ضوء تزايد مستوى التوتر في المنطقة، على خلفية أزمة سد النهضة. وبذلك تبقى سورية الأزمة الرئيسية المشتعلة في الشرق الأوسط التي تصر إدارة بايدن على تجاهلها، بعد أن عينت مبعوثا خاصا لليمن، وآخر لإيران. تعيين مبعوث خاص لبلد ما لا يعني بالضرورة خطوةً في طريق حل أزمته، فقد سبق أن عينت واشنطن أكثر من مبعوث إلى سورية، بدءًا بفريدريك هوف، ثم روبرت فورد ومايكل راتني وأخيرا الثنائي جيمس جيفري وجول ريبورن، والنتيجة واضحة. مع ذلك يشير تعيين مبعوث خاص إلى وجود اهتمام أميركي بالقضية محل البحث، وأحيانا إلى وجود سياسةٍ بشأنها أو الحاجة إلى تطوير أخرى. لكن في الحالة السورية سيكون لعدم تعيين مبعوث تداعيات أكبر، لأن ذلك يعني أن الملف سيبقى من مسؤولية مسؤول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي الأميركي، بريت ماكغورك.
وللمشرق العربي حكاية مع ماكغورك هذا، أقل ما يقال فيها إنها بائسة منذ التحق بإدارة بول بريمر في العراق دبلوماسيا صغيرًا طامحًا، عام 2004، وصولا إلى استقالته من إدارة ترامب أواخر عام 2018، حيث تبوأ فيها منصبا رفيعًا، منسق التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية (عينه أوباما في هذا المنصب)، ما يعني أن الرجل الذي خدم بشكل متواصل في ثلاث إدارات (بوش الإبن، أوباما، ترامب) والتحق الآن بالرابعة، قضى كل حياته المهنية تقريبا يتنقل بين سورية والعراق، خلال الفترة الأسوأ في تاريخ البلدين المعاصر.
وفيما يقول أصدقاء ماكغورك إنه صرف حياته المهنية كلها محاولا فهم المشرق العربي (تجربته لا توحي بأنه فهم فيها شيئاً)، يأخذ عليه منتقدوه أن طموحاته تقتل كل حسٍّ إنساني لديه، إذ يتعامل مع القضايا التي يتولاها (العراق وسورية في هذه الحال) باعتبارها مجرّد تحد سياسي أو إداري، وليست قضايا تخص حياة ملايين البشر ومصيرهم.
يعد ماكغورك مهندسا لسياسة الـ80% التي تبنتها واشنطن في العراق، وانطلقت من فكرة أن البلد يمكن أن يُحكم ويُبنى من دون السنة العرب الذين يمثلون بحسبه 20%، وهو الأمر الذي أجّج المقاومة ضد الاحتلال الأميركي، وساعد في تعزيز قوة تنظيم القاعدة، وأدخل البلاد في حرب أهلية دامية (2006 – 2008). خطأ ماكغورك القاتل الثاني تمثل في اختزال الشيعة العرب “بجماعة إيران” الذين دخلوا العراق عشية الغزو الأميركي، ما أدّى إلى تصعيد الشخصيات الشيعية التي تدين “بولاية الفقيه”، في حين أن العراق كان يعجّ بالشخصيات الشيعية الوطنية، وقد أسفر هذا التوجه عن إنتاج كارثة نوري المالكي الذي درج ماكغورك على مناداته بلقبه “أبو إسراء”. في إحدى برقياته إلى واشنطن، يردّ على انتقادات وجهت إلى سياسات المالكي في دوائر صنع القرار الأميركية، يقول ماكغورك: “نحتاج إلى ديكتاتور شيعي يحكم العراق، وليس هناك أفضل من المالكي، إنه رجلنا هنا في بغداد”. وعلى الرغم من اتضاح حقيقة أن المالكي لم يكن سوى ديكتاتور دموي، يمثل مصالح إيران في العراق، استمر ماكغورك في دعمه، وتجميل صورته في واشنطن، بل ساعده في الفوز بولاية ثانية، بذريعة أنه لا يوجد بديل لحكم بلد صعب كالعراق، متجاهلا نتائج الانتخابات التي فازت فيها كتلة إياد علاوي عام 2010.
امتدت نتائج سياسات ماكغورك الكارثية في العراق إلى سورية، إذ انبعث بسببها تنظيم “دولة العراق الإسلامية” من جديد، ودخل سورية مع اندلاع ثورتها تحت مسمّى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وليصبح ماكغورك الذي ساهم في إنتاجه مسؤولا عن محاربته. تبنى ماكغورك في سورية سياساتٍ غرضها احتواء الأضرار التي تسببت بها سياساته في العراق، فأشاح بوجهه عن الصراع الرئيس في سورية، والذي أدّى الى تفجّر ثورة 2011، باعتباره شأنا لا يعني واشنطن، جاعلا كل همّه هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية. وفي طريقه إلى بلوغ ذلك، مسح المدن العربية الممتدة بين الرّقة والموصل، وتسبب بأزمة عميقة بين أنقرة وواشنطن، بسبب دعمه الأكراد باعتبارهم حليف واشنطن الرئيس في الحرب على “داعش”.
بتعيينه مسؤولا عن المنطقة، يثير ماكغورك مخاوف كبيرة، فهو إذا لم يتعلم شيئا، كما يوحي منتقدوه، فهذا يعني أننا على موعد مع كارثة جديدة من نمط الكوارث التي ما فتئت تحلّ بنا منذ أن دَلَفَ هو وجماعته إلى المنطقة قبل نحو عقدين.
المصدر: العربي الجديد