بعد الدعوة الرسمية التي وجهها مجلس الشعب للانتخابات الرئاسية التي سيجريها النظام السوري، أعلن رئيس المجلس حمودة صباغ، أن انتخاب رئيس النظام، لفترة رئاسية جديدة تستمر 7 أعوام، ستُجرى يوم 26 مايو/ أيار الجاري.
حاجة نظام بشار الأسد لإجراء الانتخابات في موعدها، ليست نابعة من كونها الآلية القانونية الوحيدة لاستمراره في الحكم وحسب، بل وفي استمرار بقاء حلفائه الروس والإيرانيين في سوريا، كون الأسد هو من وجّه لهم الدعوة، وبقاؤه في الحكم يعني شرعنة وجودهم العسكري.
يصرّ نظام بشار الأسد على الايحاء من خلال إعلامه وتصريحات مسؤوليه، بأنه يملك الشرعية القانونية والدستورية لإقامة الانتخابات في موعدها، ضاربا عرض الحائط بجميع الأصوات المعارضة لهذه الانتخابات، سواء كانت من داخل سوريا أومن خارجها.
من جهة أخرى، يهدف النظام السوري من إجراء الانتخابات، إلى سد جميع الطرق المؤدية للعملية السياسية، والإطاحة بكل الحلول والمسارات التي تبحث مسألة التغيير في سوريا.
شرعية الأسد؟
لكن بات جليا أن الرياح لا تجري كما تشتهيه سفن الأسد، إذ تواجه انتخاباته سلسلة من العقبات والمشاكل، من شأنها تحويلها عن مسارها، لتؤدي إلى نتائج كارثية على مستقبل النظام وداعميه، وقد تضطره لتأجيلها إلى أجل غير مسمى.
ويظل التحدي الأبرز في هذه الانتخابات، هو التحدي الأمني، حيث تقتصر سيطرة نظام الأسد على ثلث سوريا، وإذا عجز عن بسط نفوذه على درعا، ولا يبدو ذلك ممكنا حاليا، حسب المعطيات الميدانية على الأرض، فإن نطاق انتخاباته لن يتعدى الربع.
من أجل ذلك يبذل النظام جهوداً استثنائية من أجل السيطرة على درعا، لأنها باتت تشكل بيضة القبان، والمنطقة الأكثر حساسية بالنسبة لشرعية الانتخابات.
إذ دون درعا جنوباً، ومنطقة الجزيرة شرق الفرات، إلى جانب مناطق الشمال الذي تسيطر عليه قوات المعارضة، سوف تنحصر مناطق انتخابات النظام بالعاصمة والمنطقة الغربية، وهذا يعني إجراء العملية الانتخابية في ربع سوريا فقط.
تشكل الانتخابات بالنسبة للأسد، حالة مصيرية، لأن نظامه قائم على فكرة الأبدية، ويعتبر أن البلاد مزرعة له، والانتخابات على ضحالتها، تشكل الوسيلة المناسبة لتكريس هذه الحالة.
كما تعني الانتخابات أيضا الاستمرار في الحكم، والسيطرة على ما بقي من مقدرات البلاد، لأن الأسد لن يتخلى عن موقعه، مهما كانت الظروف، حيث بمجرد مغادرته للسلطة، ستفتح عليه أبواب المحاسبة، بينما توفر له الانتخابات قدرا من الشرعية يحتاجها كدرع حصانة تقيه من المساءلة القانونية، ويبرر بها استمرار بقائه في الحكم.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الانتخابات، ليست ضرورة قصوى تقتصر على النظام وحده، بل إن الروس والإيرانيين يبدون أكثر إصرارا على إجرائها، فأي حل أو مسار آخر غير الانتخابات سيشكل مشكلة إضافية جديدة لهم، في وقت هم فيه عاجزون عن تقديم أي حل أو حتى رؤية لحل للأزمة السورية، سوى اللعب ببطاقة استمرار الأسد في الحكم رغم كل شيء.
هناك شبه إجماع لدى السوريين، بمختلف شرائحهم وانتماءاتهم، بمن فيهم مؤيدو نظام بشار الأسد، على أن انتخابات النظام، كانت على الدوام، مسرحية هزيلة سيئة الإعداد والإخراج، حتى أصبحت مادة للسخرية.
رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، نصر الحريري، وصف تحديد موعد الانتخابات بـ»المسرحية» وقال إنه «يؤكد بؤس هذا النظام واستمراره في الانفصال عن واقع الشعب السوري».
كما أكدت القوى السياسية، والفصائل العسكرية المعارضة للأسد، أنهم غير معنيين بهذه الانتخابات، ويعتبرون برلمان الأسد فاقداً للشرعية، ودعوته باطلة ولن تعدو كونها مسرحية هزلية جديدة، ومحاولة بائسة لإعادة إنتاج الأسد ونظامه الإرهابي.
ووفقاً لبعض الدراسات الإحصائية، فإن العدد الإجمالي المفترض لسكان سوريا في 2021 هو 26.38 مليون شخص، وعدد السوريين في الداخل 16.47 مليون، يعيش منهم في مناطق سيطرة النظام نحو 9.4 مليون، أي ما يقارب 57 % من إجمالي عدد السكان، منهم نحو 40 بالمئة تحت السن القانونية للانتخاب، حسب بيانات الأمم المتحدة، أي أن من بقي ممن يحق لهم التصويت في الانتخابات المزمع إجراءها نحو 5.64 مليون شخص.
مقاطعة دولية للانتخابات
خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي الشهر الماضي، قالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس-غرينفيلد إن «هذه الانتخابات لن تكون لا حرة ولا نزيهة. ولن تُكسب نظام الأسد أي شرعية، ولا تستجيب لمعايير القرار2254 الذي ينص على إجرائها بإشراف الأمم المتحدة أو بموجب دستور جديد».
وفي بيان مشترك دعا وزراء خارجية الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية، التي «لن تؤدي إلى أي تطبيع دولي للنظام السوري». وتابع الموقعون أن «أي مسار سياسي يتطلّب مشاركة كل السوريين، ولا سيما (أولئك الذين يعيشون في دول) الشتات والنازحون لضمان إسماع كل الأصوات».
تركيا أيضاً أكدت على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية تانجو بيلغيتش، عدم شرعية الانتخابات الرئاسية، التي يعتزم النظام السوري تنظيمها في 26 مايو/أيار. وفي ردٍ خطي على سؤال حول انتخابات رئاسة النظام السوري، أشار بيلغيتش إلى «أنّ الانتخابات ستكون غير نزيهة، ولا يمكن للمجتمع الدولي أن يقبل بشرعيتها، علاوة على حرمانها نحو 7 ملايين لاجئ سوري من التصويت».
وأكد مواصلة تركيا دعم سبل إيجاد حل سياسي في سوريا، استناداً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. الأمم المتحدة أعلنت من جهتها، أنها غير منخرطة في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في سوريا، مؤكدة أهمية التوصل إلى حل سياسي وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 2254.
وخلال مؤتمر صحافي عقده المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، في 21 أبريل/نيسان الماضي، بالمقر الدائم للمنظمة الأممية بنيويورك، علّق على إجراء الانتخابات الرئاسية في سوريا بأنها ليست جزءًا من العملية السياسية.
وحول موقف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من الإعلان عن إجراء هذه الانتخابات وترشح بشار الأسد بها، قال دوجاريك: «نرى أن هذه الانتخابات ستجري في ظل الدستور الحالي، وهي ليست جزءًا من العملية السياسية، لسنا طرفًا منخرطًا في هذه الانتخابات، ولا يوجد تفويض لنا بذلك».
وشدد المسؤول الأممي على أهمية التوصل إلى تسوية سياسية للصراع الدائر في سوريا ،عن طريق المفاوضات قبل البدء بإجراء انتخابات.
خلاصة
إصرار النظام على المضي قدما في إجراء الانتخابات، سوف يكرس عدم شرعيته بشكل أقوى وعلى نطاق أوسع، وسيعطي نتيجة عكسية لما يطمح إليه، وفي حال ذهب لجهة تأجيلها، فإن بشار الأسد سيصبح رئيسا منتهية ولايته فاقدا للشرعية، وستقوم المعارضة بالضغط والتشكيك بشرعية هذه الانتخابات، تدعمها في ذلك جميع دول العالم، ما عدا روسيا وإيران والصين.
المصدر: الأناضول/القدس العربي