بيروت: أزمة جديدة طرأت على الساحة اللبنانية، إثر عدم توقيع رئيس الجمهورية ميشال عون تعديل “مرسوم” يزيد من حصة لبنان في المنطقة البحرية المتنازع عليها مع إسرائيل، ما اعتبره ناشطون “خيانة عظمى” خدمة لمصالح سياسية.
وما زاد من علامات الاستفهام أن هذا التطور تزامن وزيارة قام بها وكيل وزارة الخارجية الأمريكية ديفيد هيل إلى بيروت الأسبوع الماضي، التقى خلالها مسؤولين لبنانيين، ليعلن بعد لقائه عون أن واشنطن مستعدة لتسهيل استئناف مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، انطلقت مفاوضات غير مباشرة بين الجانبين لترسيم الحدود البحرية، برعاية الأمم المتحدة ووساطة أمريكية، إثر نزاع على منطقة في البحر المتوسط غنية بالنفط والغاز.
وبعد عقد 4 جلسات في مقر بعثة الأمم المتحدة المؤقتة (يونيفيل) في منطقة الناقورة الحدودية، جنوب لبنان، لم تعقد الجلسة الخامسة التي كانت مقررة في 2 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بعدما طلب الجانب الإسرائيلي تأجيلها.
وتبلغ مساحة المنطقة المتنازع عليها 860 كلم مربعاً بحسب الخرائط المودعة من جانب لبنان وإسرائيل لدى الأمم المتحدة، وهي تعد غنية بالنفط والغاز. وفي حال تم تعديل “المرسوم” من جانب السلطات اللبنانية، تزيد مساحة لبنان في البحر 1430 كلم مربعاً إضافياً، وتصبح بذلك المساحة المتنازع عليها هي 2290 كلم مربعاً.
التعديل وافق عليه الوزراء المعنيون في حكومة تصريف الأعمال، إلا أنه لم ينل توقيع رئيس الجمهورية. ففي 13 أبريل/ نيسان الماضي، أعلنت رئاسة الجمهورية أن “تعديل المرسوم 6433 يحتاج إلى قرار الحكومة (مجلس الوزراء) مجتمعة، وفقا لرأي هيئة التشريع والاستشارات حتى مع حكومة تصريف أعمال، نظراً لأهميته والنتائج المترتبة عليه”.
ويعجز لبنان، جراء خلافات سياسية، عن تشكيل حكومة تخلف حكومة تصريف الأعمال الراهنة، برئاسة دياب، التي استقالت في 10 أغسطس/ آب الماضي، إثر الانفجار الكارثي في مرفأ العاصمة بيروت، والذي سقط ضحيته أكثر من 200 قتيل و4000 جريح.
خيانة عظمى
خطوة رئاسة الجمهورية، وصفها العميد المتقاعد سامي رمّاح بـ “الخيانة العظمى”، مستغرباً “توقيع الرئيس عشرات المراسيم “بشكل استثنائي”، أي من دون انعقاد مجلس الوزراء، بينما يتمنّع عن توقيع تعديل المرسوم 6433، على الرغم من أهميته البالغة في حفظ ثروة لبنان النفطية”.
وحذّر رمّاح من وجود صفقة سياسية تجري تحت الطاولة، أن “عدم توقيع عون على تعديل المرسوم تزامناً وزيارة هيل، سببه أن هناك محاولة لفرض مقايضة بين رفع العقوبات الأمريكية عن جبران باسيل وعدم التوقيع على تعديل المرسوم”.
لكن المكتب الإعلامي لباسيل أصدر بياناً الاثنين الماضي، وصف تلك المعلومات التي نشرتها بعض الصحف بـ “الإشاعات والفبركات والأكاذيب”، مضيفاً أنه “لو كان باسيل من يقايض على السيادة الوطنية وثروة اللبنانيين الطبيعية، أو لو كان يخضع للضغوط والترهيب لما وضعت عليه بالأساس عقوبات جائرة”.
وفي 6 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، فرضت واشنطن عقوبات على باسيل (صهر عون، ووزير الخارجية السابق) بدعوى “تورطه في الفساد والعلاقات مع حزب الله اللبناني، حليف إيران والنظام السوري.
ولفت رمّاح، وهو عضو في مجموعة “جبهة 17 تشرين/ أكتوبر” المعارضة، إلى أن “توقيع تعديل المرسوم يمنع إسرائيل من استحضار شركات التنقيب عن الغاز في هذه المنطقة الحدودية، على اعتبار أنها متنازع عليها، وإلا نحن أمام سرقة ثروة لبنان النفطية وحرمان الأجيال المقبلة منها”.
خطوة دستورية
“لا يختلف اللبنانيون فيما بينهم بشأن حقوقهم النفطية، ولا يمكن لأحد أن يكون ضد تأمين وتعزيز الحقوق في المنطقة الحدودية”، هذا ما أكد عليه وزير الداخلية الأسبق المحامي زياد بارود، إلا انه أوضح أنه وفق الدستور فإن “تعديل المرسوم” يحتاج إلى اجتماعٍ لمجلس الوزراء وإن كان في حالة تصريف الأعمال.
وشرح بارود أنه، وفق الدستور اللبناني، “هناك نوعان من المراسيم، العادية التي تستوجب فقط توقيع الوزراء المختصين ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، والمهمة التي تُتخذ بقرار من مجلس الوزراء (الحكومة) مجتمعاً”.
ولفت إلى أن “المرسوم 6433 ليس مرسوماً عادياً بل مرسوم ملحّ، وعندما صدر عام 2011 اتخذه مجلس الوزراء مجتمعاً، ولذلك لا يمكن التعديل إلا بمرسوم شبيه له، تماما مثلما لا يمكن تعديل قانون إلا بقانون أو قرار إلا بقرار”.
وأوضح بارود أن “لا شيء يمنع دستورياً من أن يجتمع مجلس الوزراء لأمر مهم كهذا”. لافتاً إلى أن “اعتماد طريقة” التوقيعات الاستثنائية” للمراسيم غير منصوص عليها في الدستور، إنما هي بدعة لبنانية يتم اللجوء إليها تسهيلاً لأمور الدولة”.
ويأمل لبنان مستقبلاً من خلال ثروته النفطية في جذب استثمارات أجنبية، إذ يعاني، منذ نحو سنتين، أسوأ أزمة اقتصادية منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990)، واستقطاباً سياسياً حاداً، في مشهد تتصارع فيه مصالح دول إقليمية وغربية.
عدم تعديل المرسوم يصب في مصلحة إسرائيل
ورأى المؤرخ والباحث في قضايا ترسيم الحدود الدكتور عصام خليفة أن النزاع هو من أين سينطلق خط ترسيم الحدود البحرية من البرّ، موضحاً أن الخط الحدودي البحري يجب أن ينطلق من رأس الناقورة، أي من الحدود المرسومة دولياً، ووفق اتفاقية الهدنة الموقعة بين لبنان وإسرائيل عام 1949.
ولفت خليفة، إلى أن ذلك لا يتحقق إلا من خلال التعديل المنتظر توقيعه بواسطة المرسوم 6433، مشيرا إلى أن عدم تعديل المرسوم يتيح لإسرائيل الحصول على كامل حقل “كاريش” الذي يضم كميات كبيرة من الغاز، إضافة إلى جزء من حقل “قانا” المحتمل الواقع في مياهنا الإقليمية.
ورأى خليفة أنه “يجب تعديل المرسوم بأسرع وقت، ولا يهم إن كان التوقيع سيصدر من رئاسة الجمهورية أو مجلس الوزراء مجتمعاً. المهم أن نحفظ حقوق أجيالنا المقبلة”.
أين “حزب الله” مما يحدث؟
وسط هذه التطورات، كان لافتاً عدم صدور بيان أو موقف من “حزب الله” بشأن تلك التطورات، لا سيما أن الحزب يمتلك ترسانة من الأسلحة والصواريخ طالما شكلت قوة ردع ضد إسرائيل وأطماعها في الجنوب اللبناني، بحسب مراقبين.
مصدر لبناني مطلع رأى أن “حزب الله” قد يكون محرجاً بين وقوفه إلى جانب حليفه الرئيس ميشال عون من جهة، وبين مواقفه المتكررة بأنه لا يتخلى عن الحقوق عند الحدود من جهة أخرى، خصوصاً أن النزاع الحدودي مع إسرائيل يعد ورقة قوية بالنسبة إليه.
وأضاف المصدر أن “الموقف السياسي المعلن لـ “حزب الله”، سواء بهذا الملف أو غيره، هو دائماً إلى جانب ما تقرره الدولة”، مشيراً إلى أن “الحزب حالياً في حالة ترقب بانتظار حسم الأمور بين رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب”.
وتحتل إسرائيل جزءا من الأراضي اللبنانية، وهي مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وصدر قرار من مجلس الأمن عام 1978، يحث على انسحابها من جميع الأراضي اللبنانية، غير أنه لم ينفذ. كما يشكو لبنان من “خروقات” إسرائيلية متكررة بحراً وبحراً وجواً.
المصدر: الأناضول/القدس العربي