الحلقة الأولى من مذكرات عبد الحليم خدام التي تنشرها صحيفة الشرق الأوسط، تحدثت عن زيارة بشار الأسد إلى طهران في 16 آذار/مارس 2003، أي قبل ثلاثة أيام من الحرب الأميركية على العراق. وكان هدف الزيارة تنسيق الموقف مع إيران في الوقت الذي كان قد شارف العد العكسي للحرب على نهايته. وكان خدام الذي شارك في الوفد، يشغل في ذلك الوقت منصب نائب الرئيس.
واحتوت الحلقة على محضر لقاءَي الأسد مع كلٍ من المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس حينذاك محمد خاتمي. ويقدم محضر الجلسة الأولى خاتمي على أنه رجل دولة متمرس، على عكس الصورة الشائعة عنه، تلك التي تقول إنه منصرف للشؤون الثقافية والتنظير الفكري. وتقدم الحلقة صورة عامة عن الموقف في دمشق وطهران قبل أيام معدودة من الحرب، وتعكس طريقة تفكير القيادة العليا في البلدين بوضع العراق ومستقبله سواء وقعت الحرب أم لم تقع. ويمكن تسجيل عدة ملاحظات لتقديم صورة وافية عن الزيارة وما دار فيها.
أولاً: هناك مسافة بين خاتمي والأسد في النظر إلى الحرب الأميركية على العراق، ففي حين ينطلق خاتمي من دراسة شاملة للحرب وآثارها على المنطقة، لا يأخذ الأسد منها سوى التهديد الذي تشكله على نظامه، ويظهر من خلال مداخلاته أنه كان خائفا من وصول الحرب إليه، وساق هذا الموقف بلباقة تضع نظامه مع إيران ضمن دائرة الاستهداف. وإذ كرر مخاوفه من وقوع الحرب، فإنه بدا عاتبا على نظام الرئيس العراقي صدام حسين لأنه لا ينسق معه في “حين أنه ينسق مع كل العالم”.
وعلى عكس الأسد كان خاتمي يريد الحرب، وينتظر أن تطيح بنظام صدام حسين، ومن دون أن يعلن عدم مشاركة الأسد الرأي، بدا أن طهران لديها أدق التفاصيل التي تخص العراق وتحضيرات الحرب، ولا سيما وضع المعارضة وموقف واشنطن منها.
ثانياً: ذهب الأسد إلى طهران ليشكل موقفا من الحرب في حال وقوعها. وفي الوقت الذي حددت فيه طهران موقفها من الحرب، وكيفية استثمارها على مدى بعيد، كان الأسد يتحرك في الهوامش، وأخطر ما في الأمر أن ذهابه إلى طهران هو من أجل فهم الموقف الإيراني كي يبني سياسة سوريا على أساسه، الأمر الذي يذكّر بالأحزاب اللبنانية التي كانت تدور في فلك سوريا، ولدى الحاجة إلى تحديد موقف من قضية ما تقصد دمشق كي تتلقى لائحة الإملاءات.
ثالثاً: المنشور في صحيفة الشرق الأوسط هو محضر جلسة، وبالتالي ليس هناك أي مجال للافتراء، أو نسب بعض المواقف من دون سند، وهذا هو أهم ما في الأمر. ويبدو أن خدام نشر المحضر من دون تعديلات، لأن هناك ما يمسه شخصيا حين تدخل وأبدى رأيه، ولكنه لم يلق صدى، وتم التعامل معه باستخفاف من قبل خاتمي. وتمر في هذا الموقف، على نحو خاطف، لهجة التعالي الإيراني على الوفد السوري، ولكنها ملحوظة بوضوح في كل المحضر.
رابعاً: إن عقد اللقاء قبل ثلاثة أيام من وقوع الحرب يطرح السؤال حول سبب تأخيره. ويفترض أن الأجهزة المعنية في البلدين على علم بالموعد التقريبي للحرب، ولم يكن ذلك في عالم الأسرار، بل إن وسائل الإعلام العالمية نقلت تفاصيل التحضيرات الأميركية لبدء العملية العسكرية ضد العراق.
خامساً: تحليل الوضع من قبل خاتمي والأسد أقل عمقا من تحليل خبير إعلامي من العيار المتوسط. وأول اكتشاف عبقري توصلا له هو أن إطالة أمد الحرب سوف يلعب لصالح صدام، في حال واجه الحرس الجمهوري والجيش العراقي القوات الأميركية، ونجحا في إلحاق خسائر بالجيش الأميركي.
سادساً: أبرز المخاوف التي تلتقي عندها إيران وسوريا وتركيا هي الأكراد الذين “يفكرون بإقامة وطن” على حد تعبير الأسد. ودعا الأسد إلى عقد اجتماع بين الدول الثلاث لـ “مرحلة ما بعد نيسان (غير واضح التوقيت)، والموضوع الأول هو الدولة الكردية”. وقال الأسد “إن هذا يجمع التيارات في تركيا من العسكر وغيرهم.. موضوع الدولة الكردية يقلق تركيا وسوريا وإيران والعراق، ويجب التنسيق بيننا في هذا الموضوع”. ويرى خاتمي أن تركيا مهمة لمرحلة ما قبل الحرب وبعدها، “ولكن تركيا تتلقى أوامرها من أميركا”، على حد تعبيره.
سابعاً: هناك مسافة بين فهم الأسد وخاتمي للمعارضة العراقية. ويرى الأسد أن هناك حالتين في المعارضة. واحدة وصلت للنضج ولن تتعامل مع أميركا، والثانية هرولت إلى أميركا عندما أشارت لها. ويعترف الأسد بأنه أكثر من ينسق مع العراقيين “ولكنهم لا ينسقون معنا، وعندما نتحدث معهم عن المعارضة، يقولون نحن لا نخاف من أحد،” ويختم بالقول المشكلة في صدام نفسه. و”يمكن أن نعطي المعارضة وعودا وهمية على الطريقة الأميركية”.
ولكن خاتمي يرى أن موقف المعارضة يتصف بالرعونة وهي لا تروق لأحد، وأكبر برهان أن أميركا عاملتها بطريقة سيئة، وهذا ساهم بعودة المعارضة إلى رشدها بمن فيهم أحمد الجلبي. ويعرض تفاصيل جلسة المعارضة مع المبعوث الأميركي زلماي خليل زاد قبل الحرب، والذي أبلغهم فيها” نحن لن نقبل بالمعارضة، وسنزرع حاكما عسكريا في العراق، وبعد الهدوء سنضع حاكما سياسيا، وسننشئ دستورا عراقيا، وأقصى شيء يمكننا عمله معكم هو التشاور”.
ثامناً: خلاصة اللقاء بحسب خامنئي أن إيران لا تريد وقوع الحرب، و”إذا قامت لا نريد أن تنتهي بسرعة”، وهذا ما خرج به الأسد من لقاء المرشد “أهم شيء في حال حصول الحرب هو امتدادها حتى تتعب أميركا”. والملاحظ هنا أن المحضر لم يأت على ما دار في الجلسة مع المرشد، ما يفتح الباب لتأويلات كثيرة، ذلك أن موقف خامنئي هو الذي يعبر عن الموقف الرسمي الفعلي.
تاسعاً: كان الأسد خائفا على نظامه في حال أسقطت أميركا نظام صدام. وكرر أمام الإيرانيين عدة مرات أن الدور بعد العراق سيصل سوريا وإيران. وركز على فكرة “الإعداد للمقاومة قبل الحرب”، وهذا ما يفسر موقفه اللاحق بإرسال مجموعات جهادية إلى العراق، تم الإفراج عن أعضائها من السجون السورية بعدما كانت متهمة بالإرهاب.
ولم تكن إيران تشارك الأسد الموقف من الحرب على العراق رغم أنها لم تعلن ذلك، وكانت تطبخ موقفها سرا مع الأميركيين، وما يهمها هو إسقاط النظام على يد أميركا، وسيطرتها على المعارضة لاحقا، وهذا ما تبلور كمسار للوضع العراقي منذ عام 2003 حتى اليوم، ومن ذلك يمكن ملاحظة مدى المسافة بين التفكيرين السوري والإيراني، الأول ارتجالي، والثاني مدروس. ويعكس هذا مسألة على غاية في الأهمية وهي تسليم الأسد بأن العراق شأن إيراني.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا