إطلالة جديدة على رواية 2003

 أحمد العربي

حكايات متناسلة تروي ١٠٠ عام من الهزائم  ل عبد الله مكسور. تبدأ الرواية بطريقة الخطف خلفا. بطلها علي العمر يكتب وصيته بظفره المكسور وهو ينازع الموت في احد المراكز الامنية في بلد خليجي.

عبر آلية الاسترجاع النفسي يعود إلى أصوله القديمة بدء من جده الأول الذي جاء مع الحملة الفرنسية على مصر قبل أكثر من قرنين. وجّده الثاني الذي كان من ضباط الجيش العثماني والذي هاجر الى ألمانيا بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وسقوط الدولة العثمانية، وكان له دور في كل متغيرات المنطقة العربية. شارك في بيع السلاح الى الحكم الملكي للعراق وكذلك إلى الإمام في اليمن. وفي نقل اليهود إلى فلسطين ما قبل اعلان دولة اسرائيل. والحديث عن الجد الآخر العثماني الذي تزوج الجدة وأنجب واستقرت العائلة في حماة العائلة التي عاصرت الصراع بين النظام والإسلاميين والمجازر المصاحبة في ثمانينات القرن الماضي. وتهريب والد علي له الى العراق حيث عاش في كنف عائلة صديق فلسطيني. وهناك عاش وكبر واصبح طبيب اسنان. العراق وحكم صدام والخوف والقمع والحروب العبثية. وآخرها كان الاحتلال الأمريكي للعراق عام ٢٠٠٣م. سقوط بغداد، وحضور صدام الى عيادة علي وثم اعتقاله من الامريكان لمعرفة مكان صدام. لقاء بابن حماة المجاهد وآخر من جزيرة العرب جاء لأجل الجهاد ومقاتلة الأمريكيين، ثم خروجه من السجن، وهروب علي إلى الإمارات. وعمله هناك ولقائه ضمن ظروف العمل بالشاب الجهادي الذي تبين أنه رجل أمن كان زرع في الجماعات الجهادية في العراق. الذي قتل علي بالسم لأنه علم ما لا يجب أن يعلمه، وقتها كتب وصيته…

هذه المعالم الرئيسية للرواية.

في تحليلها نقول:

نحن أمام رواية متميزة جديدة للكاتب عبد الله مكسور، فها هو يخوض عميقا في الحال العراقي في لحظة تاريخية هامة؛ انه الاحتلال الأمريكي له، جاعلا مسرح روايته بغداد، متسعا في السرد ليطال حقبة تاريخية تصل الى قرن تقريبا، تتحدث عن بلاد شرق المتوسط، بدء من نهايات الحكم العثماني، والدول المتشكلة حديثا على أنقاض العثمانيين، التغلغل اليهودي في فلسطين، التهجير القسري -بوعي أو غباء- لليهود العرب إلى فلسطين ليكونوا بناة دولة الصهاينة “اسرائيل”. الغوص عميقا في تاريخ سورية الاجتماعي والسياسي، ملامسة الصراع بين النظام القمعي السوري والطليعة المقاتلة والإخوان المسلمين، تدمير بعض أحياء حماة والمجازر المرتكبة فيها، دور النظام السوري في فتح الباب لاستحضار المقاتلين الجهاديين إلى العراق من القاعدة وغيرها ماقبل الإحتلال الأمريكي للعراق ومنذ حرب “الجهاديّن” ضد الروس في أفغانستان. واقع العراق ودور صدّام حسين عبر عقود في صناعة مآسي الشعب العراقي، وتحول أفعاله، مثل احتلال الكويت، ونتائجها المأساوية على شعب الكويت والجيش والشعب العراقي، الى ذريعة لإحتلال العراق، ومن ثم احتلاله من الأمريكان، مطاردة الأمريكان لصدّام والبحث عنه ومن ثم العثور عليه، وما لم تقله الرواية، تلك المحاكمة الصورية، ثم اعدامه المهين. ما زال العراق للآن يعيش ويلات مرحلة حكم صدّام، و الإحتلال الأمريكي الذي تلاه، ونضيف الدور الإيراني الذي أصبح أكثر فاعلية في تخريب العراق وهدره كشعب ووطن وامكانيات. الرواية تمر على الإرهاب متمثلا بالقاعدة والجهاديين القادمين الى العراق، وكيفية استخدامها كذريعة واختراقهم من قبل الأجهزة الأمنية لكل دول العالم أصحاب المصلحة في العراق وفي منطقتنا.

ولا يفوتنا التحدث عن القدرة اللغوية العالية عند الكاتب ،  ومتابعة  الرواية بشغف منا كقراء، وملاحظة الانتقال السلس في الأحداث والازمان. وتمرير الموضوعات المراد ايصالها لنا كقراء بقالب روائي مقنع وممتع ومؤثر.

في النهاية نقول:

أن الرواية تقول أن منطقتنا العربية كانت كل الوقت ومنذ قرن تقريبا، ضحية تدخلات غربية فيه، تصل الى مرحلة الإستعمار لبلاد منه لعقود، واحتلال فلسطين وتحويل بعضها إلى كيان غاصب “إسرائيل”. والصمت عن أنظمة تابعة للغرب بالمطلق، وعلى حساب شعوبها، أنظمة قمع واستغلال واستبداد، والبعض منها مثل عراق صدّام حسين الذي اعتقد نفسه بطلا ويريد أن يبني مجدا، فأوقع العراق في عقود من الحياة المأساوية التي عاشها الناس وما زالوا للآن يدفعون ثمن مرحلة حكم صدّام. كذلك سورية وحكم الأسد الأب وبعده إبنه الممتد الى خمسين عاما، وكارثية ما فعله بسورية الشعب والبلاد والدولة، خاصة بعد الثورة السورية التي حصلت في أواسط آذار عام ٢٠١١م. أكثر من مليون انسان ضحية، ومثلهم مصابين ومعاقين، ونصف سورية مدمرة، ونصف الشعب السوري مشرد، واحتلالات تغطي سورية، روسيا وإيران وحزب الله والمليشيا الطائفية والأمريكان، وال ب ي د فرع حزب العمال الكردستاني وخططه الانفصالية في الشمال الشرقي السوري وشرق الفرات، والحياة المأساوية الذي يعيشها شعبنا في الداخل السوري، وكذلك في بلاد اللجوء.

هذا هو واقعنا الذي نعيشه وحاولت الرواية أن تعالجه بأشكال مختلفة.

هذا مع العلم أن عبد الله مكسور هو روائي سوري متميز، منتمي للثورة السورية، قرأنا له ثلاث روايات عن الثورة السورية؛ أيام في بابا عمر، عائد الى حلب، طريق الآلام.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى