بقيت فترة طويلة من حياتي لا أحب الشاعر الراحل نزار قباني “عكس كل المراهقين والشباب ” وكنت أعتقد أنه ألقى الشعر من برجه العالي إلى أرضية الكلام العادي وأنه أخذ أكثر من حقه بكثير من أضواء الاعلام و جهود النقاد على حساب شعراء و مبدعين آخرين معاصرين له او لاحقين.
وعندما ألقيت نظرة إلى الوراء لمعرفة سر النظرة السلبية التي تكونت لدي عنه، فوجدت عدة اسباب اهمها: عدة شرائط كاسيت انتشرت في أيام شبابنا الاول تجتزأ مقاطع من شعره مع مقاطع غنائية لأم كلثوم أو لعبد الحليم و لا أظن أن ذلك تم بموافقته لما كان فيها من إسفاف..
و كذلك الاستخدام غير اللائق لكثير من المراهقين و الشباب في جيلنا لمقاطع مجتزأة من بعض أشعاره لمغازلة الفتيات او الإيقاع بهن.. مما جعلها تبدو لي كقطع من لحم ميت يستخدم لصنع طعوم السنانير.
و لكني في عام ١٩٩٥ لسبب لا اذكره قررت قراءة مجلدي الأعمال الكاملة لنزار في إطار خطتي الثقافية السنوية التي كنت اضعها.
و عندما قرأتها كاملة من البداية الى النهاية تغيرت وجهة نظري فقد وجدت أنني أمام شاعر عملاق حقيقة وأن هناك الكثير من القصائد او الابيات الرائعة لم تأخذ نصيبها من الدراسة و هي أقوى و اجمل من القصائد التي اشتهرت مثل ” اني خيرتك، او زيديني عشقا..” التي غناها كاظم الساهر لاحقا.
و استنتجت ان معظم الكتابات النقدية التي تناولت شعره كانت ضحلة بغرض الاستفادة من شهرته لتحقيق اكبر مبيعات و لم تعطه حقه في استكشاف الجماليات و التقنيات التي كتب بها و استحوذ بها على قلوب الملايين على امتداد عقود.
الى درجة كادت ان تجعل من الشعر المعاصر متطابقا مع نزار.
و عندما رحل في ٣٠ نيسان/ابريل ١٩٩٨ مع رحيل الربيع عن غوطة دمشق بعبق ازهارها
كتبت مقالًا طويلاً في اكتشاف مواطن جمالية خفية في شعره و تقنيات تحكمه و تأثيره.. وكان بعنوان (نزار قباني شاعر العصر) و قد نشر وقتها في عدة دوريات عربية.
و كان مطلعه: ( من كان يعشق نزار قباني، فنزار قد مات، و من كان يعشق الشعر، فالشعر حي لا يموت..).
المصدر: صفحة بسام شلبي