يعيش شعبنا السوري أيامًا فضيلة في شهر رمضان الفضيل، وهو يستمر في طقوس التراحم والتوادد الانساني، وفعل الخير، والاقتراب أكثر وأكثر من القيم الإنسانية النبيلة التي طاما عاشها وتربى على أساسياتها، رغم حالة الدمار الكبرى التي أنتجها نظام العصابة الأسدية على مدى عقد من الزمان، ذاق فيه الشعب السوري كل أنواع القهر والعسف الأسدي، قتلاً وتدميرًا واعتقالًا في غياهب السجون، وتهجيرًا قسريًا إلى كل بقاع الدنيا، علاوة على النزوح الإجباري إلى الشمال السوري، وهو مع كل ذلك مابرح يُصر على المحبة والتراحم وفعل كل مايجبر خواطر الناس حوله، فهو شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن، هو شهر الود والخير والكرم والإيثار، شهر العتق من النار، وشهر العمل الصالح تقربًا من الله جل في علاه.
وبالرغم من كون “الطغيان يقضي على أفضل ما في البلاد من رجال وثروات وثورات ومعارضات. إنه يسلمها إلى الغزاة إن رفضه أهلها” رغم كل ذلك فمازال الشعب السوري ينتج ويعيد إنتاج قيمه الإنسانية المتجددة من أجل بناء وطن بعقل جمعي وعقد جمعي جماعي لا يستثني أحدًا، بل يدفع نحو بناء الوطن السوري على أسس من العدالة والمحبة، وصولًا إلى الوطن الديمقراطي المنشود، بلا صراعات ولا نوازع بائسة، بعد كنس الطغاة (كل الطغاة) من أرض سورية الحرة الكريمة.
وبالرغم من آلام الشعب السوري المتتابعة والمتلاحقة، حيث رحلت عن دنيانا في هذا الشهر الفضيل مجموعة ونخبة وقامات وطنية قل مثيلها من خيرة أبناء الشعب السوري، وممن ضحوا وعملوا من أجل سورية الحرة المستقلة بلا آل الأسد. وهم الأستاذ ميشيل كيلو والأستاذ محمد خليفة والأستاذ حبيب عيسى وأيضًا الأستاذ تيسير الحج حسين. رحمهم الله جميعًا، فقد كان رحيلهم عبر داء العصر الكورونا وسواه . فقد بقي الشعب السوري العظيم وكله تصميم على التعاضد والتحاب والعمل من أجل بناء الوطن. يتمثل قول الراحل ميشيل كيلو عندما قال ” تتحدّانا الثورة التي خال أعداؤها أنها مستحيلة، وها هي تجعل كل ما عداها باطلًا وقبض ريح. وبعد أن كانت حلمًا تُقاس به الأماني، صارت واقعًا لا حلم سواه ولا أمنية عداها، يعيشه السوريون منذ الخامس عشر من مارس/ آذار عام 2011. ونحن في يوم الذكرى العاشرة لانفجارها الذي زلزل الدنيا بمعنى الكلمة الحرفي، ولم يستطع أعداؤها حجب ارتداداتها عليهم، وعلى أولئك الذين هرعوا إلى الحرب عليه، وفي ظنهم أنه يكفي أن يهشّوا لها من بعيد، حتى تنهار، ويفرّ أحرارها مذعورين لا يلوون على شيء” حيث تابع السوريون اشتغالهم الجدي والمتفائل نحو إنجاز وبناء مداميك جديدة تتكيء على دستور عصري وجامع للكل، إذ لن يسود في سورية الحرة بعد اليوم طاغية ولا طغيان، بل الدستور الوطني الجامع فوق الجميع، وسيادة القانون التي لا يعلوها فرد مهما علا شأنه، ولا أحزابًا ولا أجهزة أمنية، ولا تغول عصاباتي على مقدرات الوطن، فلا حيوات حقيقية للسوريين بدون دولة القانون والمواطنة الحقة، بعيدًا عن كل هرطقات وتعديات العصابة المتحكمة في سورية التي تقتل العباد، وتدمر البلاد، بدعم روسي وإيراني فاجر، وصمت دولي غير مبرر ولا مفهوم، فكيف يُترك هذا النظام السوري في هذا الشهر الفضيل مستفردًا بالشعب السوري، وما يسود في سورية عبره هو سياسات وأدوات تنبثق عن جمهورية الخوف الأسدية التي أصبحت كابوسًا فوق رؤوس السوريين قاطبة، سواء كانوا في الشمال المححرر أو في المناطق التي مازال يسيطر عليها نظام القهر الأسدي.
في شهر الصوم المبارك ماانفك السوريون يتابعون الفعل اليومي المتضامن مع بعض، والعمل الميداني الدؤوب من أجل بناء الوطن السوري المتطلع دومًا نحو مزيد من النصر المنجز على الظلم، ومزيد من ترتيب البيت السوري الجديد الخالي من القمع والمعتقلات والنهب والفساد والإفساد الأسدي الذي عشش في بنية الواقع السوري منذ أن خطف حافظ الأسد الوطن بكليته مطلع شمس 16 تشرين ثاني / نوفمبر 1970، ثم مع ابنه الوريث غير الشرعي الذي يحاول الروس والإيرانيون إعادة تدويره أو إنتناجه بعد أن كاد ينهار هو ونظامه المجرم خلال عام 2013 ومابعده.
السوريون وفي رمضان الخير والتراحم والبركة مصممون على كنس الطاغية، وحتى تحقيق ماحلموا به من حرية وكرامة إنسانية مابرحوا يعملون ويضحون من أجلها. وهو هدف وغاية لابد منجزة عاجلًا أم آجلًا، وعى ذلك المجتمع الدولي أم لم يعيه.
المصدر: اشراق