إذاً، فقد حسم رأس النظام السوري أمره، وقرر عدم تأجيل الانتخابات الرئاسية، وأصرّ على أن تجري معاكسة لمفردات قرار مجلس الأمن رقم 2254 الصادر عام 2015، ودون أي رقابة دولية أو ضمانات حقيقية لنزاهتها أو شفافيتها، ودون وجود أي تمثيل للمعارضة السورية، بل وبالأدق، دون مشاركة نحو نصف الشعب السوري الذي يعيش في المنافي.
قرر الأسد المضي في انتخابات لا تحظى باعتراف شرعي، على المستوى المحلي والإقليمي والدولي ولا حتى العربي، انتخابات تأتي بعد سلسلة طويلة من الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية في سوريا، وجرائم الحرب اللا محدودة التي ارتكبها نظامه في سوريا، انتخابات تلي معاناة السوريين من الأفران البشرية، ومسلسلات القتل والاعتقال والتعذيب، انتخابات تنسف أي حل سياسي محتمل، وتؤكد على أن النظام ماض في تعنته إلى ما بعد بعد النهاية.
أصرّ النظام السوري على إجراء الانتخابات الرئاسية، رغم الاعتراض المحلي والإقليمي والدولي، وفي الوقت الذي وصل فيه عدد القتلى السوريين إلى مئات الألوف، جلهم من المدنيين، ويعيش نصف الشعب السوري مهجراً ونازحاً خارج سوريا وداخلها، وتشهد البلاد أسوأ موجة حرب وفقر ودمار شهدتها في تاريخها الحديث.
نتائج انتخابات نظام الأسد معروفة ومحسومة مسبقاً، كسابقتها عام 2014، ويعرف الجميع أنه لن يعترف بها أحد، عدا موسكو وإيران، ولن تكون حرّة ولا نزيهة ولا شفافة، ولن تلبي تطلعات السوريين بأي شكل، ولن تحقق شروط المجتمع الدولي، وفي الوقت نفسه، لن تُلغى العقوبات المفروضة على النظام السوري ورجالاته، ولن تفيد في أي خطوة نحو تطبيع النظام دولياً، ولن توقف الضغوط على الأسد للمضي في الحل السياسي الذي يضمن التغيير الحقيقي والجذري للنظام السياسي.
صدقت المعارضة السورية حين أطلقت على الانتخابات وصف “مسرحية”، لأن جلّ سوريا لن تنتخب الأسد، لكنّه سيفوز، وسيقاطع الانتخابات غالبية الشعب السوري، ومع هذا سيفوز بنسبة عالية، فعائلات مئات آلاف الضحايا لن ينتخبوه، وأهالي نحو مليوني معاق بسبب براميله وصواريخه لن ينتخبوه، وأهالي عشرات الآلاف من المختفين قسراً أو المّذوّبين بالأفران البشرية لن ينتخبوه، ونحو عشرة ملايين لاجئ خارج سوريا أو نازح داخلها هربوا من بطشه، لن ينتخبوه، ومن اكتشفوا زيف النظام وتمييزه وفساده وطائفيته لن ينتخبوه، وكل من لم يعرف طعم الحرية زمنه وزمن أبيه، لن ينتخبه، حتى أبناء مواليه، مشكوك بأنهم سينتخبونه بعد أن أفقدهم أحبتهم من أجل كرسيّه، كما لن ينتخبه أبناء درعا الثورة، وأبناء حمص الأصلاء، وأبناء الغوطة والزبداني وداريا وتلبيسة وبصرى وكفرنبل والحولة وبصرى الحرير وعدد لا يُحصى من القرى والبلدات التي شهدت عنف النظام، ورغم هذا، سيفوز الأسد في “مسرحيته”، وبنسبة قد تصل إلى 88.7 في المئة كعام 2014، أو ربما تزيد.
الانتخابات بشكل عام هي عملية مُعقّدة، وفي الحالة السورية هي عملية غاية في التعقيد، وتحتاج لضوابط عديدة وظروف خاصة وشروط موضوعية، جميعها غير متوفرة في سوريا الآن، كما تحتاج، وفق أي دستور، إلى قانون إعلام حر، وقانون أحزاب حر، وسلطة قضائية نزيهة وحرة ومستقلة، وإشراف قضائي صارم، وحرّية مطلقة للتعبير والتظاهر والاحتجاج والدفاع عن البرامج الانتخابية، وتحتاج إلى كف يد الأجهزة الأمنية كلّياً عن الحياة السياسية، وتحييد الجيش عن العملية الانتخابية، وحيادية السلطة التنفيذية، كما تحتاج أيضاً دوراً قوياً للمنظمات الحقوقية المحلية والعربية والدولية والأممية لمراقبة العملية الانتخابية ومنع التزوير، وتحتاج قبل هذا وذاك إلى بيئة آمنة، وأمن وسلام واستقرار.
لا يمكن إجراء انتخابات في زمن الحرب، وفي زمن اللا استقرار، وزمن لا يُسيطر فيه النظام السوري على أكثر من ثلث مساحة سوريا، وتوجد فيه خمس قوات عسكرية أجنبية على الأقل في الأراضي السورية، والعديد من الميليشيات الأجنبية الطائفية، وفي زمن يخاف فيه المواطن داخل سوريا أن يفتح فمه ليقول “لا للأسد”.
كل ما يهدف إليه النظام السوري من وراء “مسرحيته” الانتخابية هذه، وكل ما يأمل من ورائها، هو أن تكون جسر عبور له إلى الشرعية الدولية، وهو ما لن يحصل مهما توهّم، فالمجتمع الدولي واضح -حتى الآن على الأقل- في أنه لن يعترف بشرعية الأسد دون حل سياسي حقيقي، حل يقود إلى دولة حقيقية لا مزرعة، حل يقود إلى نظام ديمقراطي وحكم لا طائفي، يضمن سلطة تداولية وعدالة انتقالية وتشاركية كاملة بين جميع السوريين.
لن تنجح “مسرحية” الانتخابات السورية لأنها مبنية على باطل، وتستند إلى ظروف مريضة، وتنقصها جميع الشروط التي يمكن أن تضمن لها النجاح، وتنقصها الأمانة والنزاهة والحيادية، والأهم، أنها تمنح الحق لمن دمّر سوريا أن يشارك في مستقبلها، وهذا ما لا يقبله -ولن يقبله- لا العقل ولا المنطق ولا التاريخ، وهو استمرار لتدمير سوريا.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا