قبل خمس سنوات، وتحديداً في شهر شباط/فبراير 2016، اقدمت الميليشيات التابعة لمنظومة حزب العمال الكردستاني PKK على احتلال مدينة تل رفعت في شمال حلب، وذلك بدعم من سلاح الجو الروسي، و بالتنسيق والتعاون مع النظام السوري، وسارعت تلك الميليشيات وكعادتها إلى تبديل وتغيير أسماء المناطق الجديدة التي احتلتها، فاطلقت اسم (Arpet) على تل رفعت. كذلك اطلقت على مطار منغ تسمية مطار (السروك أبو) وذلك نسبة إلى ( عبد الله أوجلان).
لم تكن تلك المرة الأولى أو الأخيرة على هذه الممارسات من قبل ميليشيات PKK، فمنذ أن قام النظام بإعادة استخدام هذه الميليشيات وتسليمهم المنطقة، وهم يحاولون العبث بالمناطق التي يسيطرون عليها، وبتاريخها وأسماء بلداتها واحياءها وشوارعها ومعالمها الجغرافية، بل وحتى قاموا بإدخال ذلك إلى مناهج التعليم الذي تضمن مفاهيم ومواضيع غريبة ومختلفة تماماً عن قيم وثقافة وتاريخ المجتمع السوري، ويأتي ذلك في إطار عمليّة ممنهجة لفرض أجندة استيطانية توسعية لهذه العصابة، وذلك باستغلال حالة الضعف والفوضى التي تعيشها سورية من ناحية، وكذلك استغلال عوامل السيطرة المسلحة بدعم غربي يستثمر كذلك في وجود هذه الميليشيا على الأرض لمصالحه وعلى حساب الشعب السوري بطبيعة الحال.
تستخدم ميليشيات العمال الكردستاني ثلاث صيغ لإطلاق تسميات جديدة على المدن والبلدان والمناطق الجغرافية في سورية، وهي:
– النمط الأول: ترجمة الاسم التاريخي ترجمة حرفية إلى الكردية، لمنحه صبغة كردية مثال ذلك ( رأس العين: سري كانيه) ، (تل أبيض: كَري سبي).
– النمط الثاني: اختلاق تسميات لا أصل لها ولا علاقة لها بالمطلق بتاريخ المنطقة، مثل (روجافا بدلاً من الجزيرة الفراتية)، ( روكا بدلاً من الرقة) ، (جبل كزوان بدلاً من جبل عبد العزيز)، ( كوباني: عين العرب أو عرب بينار)
– النمط الثالث: استحضار أحد الاسم التاريخية في إحدى العصور القديمة (الآشورية، الآرامية، اليونانية، الرومانية)، والتدليس أحياناً بزعم أن أصل الاسم كردي وجرى تعريبه، حتى لو كان تاريخياً وقديماً ومنتشراً قبل العصر الإسلامي، ومثال ذلك: ( استخدام الاسم الإغريقي “ميز بو تاميا” وهو الصيغة الحرفية المقابلة لبلاد ما بين النهرين أي الجزيرة)، كذلك استخدام اسم ( مابوك بدلاً من منبج) والزعم أن مابوك اسماً كردياً، وهذا غير صحيح، فمنبج ومانبوغ بالصيغتين هي أسماء سورية ذات جذور سامية آرامية وعربية.
تل رفعت – تل إرباد
[ تل رفعت، تل أرفاد، أرباد] كلها تسميات صحيحة، والتسمية الأقدم هي الصيغة الآرامية ( أرباد / أرفاد) وكانت عاصمة مملكة بيت آغوشي، ولا علاقة لهذا الاسم بأي لفظ كردي من بعيد أو قريب، ولا بمزاعم أن الاسم قد يكون خارج الألفاظ الساميّة ، تحت زعم أن حرف الباء المهموسة (P) غير موجود في صوتيات اللغة السامية وهذا الأمر علمياً غير صحيح أيضاً، فالباء المهموسة هي أصيلة في اللغات السامية وموجودة في الأكدية والآرامية (السريانية) والعبرية والحبشية كما يؤكد الدكتور عامر الجميلي الذي يشير إلى وجود مجلد كامل في قاموس شيكاغو الأكدي يتضمن ألفاظ حرف الباء المهموسة p ويضم بضعة آلاف من الكلمات التي تحوي هذا الحرف، ومثلها في بقية اللغات السامية الأخرى، ولا زال السريان إلى يومنا هذا والعبرانيين ينطقون حرفهم السامي الأصيل p ، بل والأكثر من ذلك نجد تسرب أحرف سامية أخرى إلى اللغات الهندو-آرية، فحرف العين والحاء (السقف حلقيين) التي نسمعها في الكردية هي ليست ضمن أحرف اللغات الهندوإيرانية، لكنها اليوم مستخدمة لديهم بعد ان تسربت من العربيّة إليهم.
كما وردت اسم ( أرفاد) في التوراة وقد جاء في قاموس الكتاب المقدس الصادر عن دائرة المعارف الكتابية المسيحية ما نصه: ” أرفاد: وهي مدينة في آرام يرجح أن موضعها اليوم هو “تل أرفاد” على مسافة 13 ميلًا شمالي حماة، وتذكر عادة مع حماة في العهد القديم، ونقرأ في ملوك2 الاصحاح 18: عدد 34، الاصحاح 19: عدد 13 واشعيا الاصحاح 10: عدد 9 أن الآشوريين يفتخرون بأنهم أخذوا أرفاد. كذلك يذكر أرميا.
في كتاب الشرق الخالد تردُ ترجمة نصوص مسمارية عن المعاهدات التي فرضت على ملك أربادا، ومنها معاهدة ملك كنكتا مع ملك اربادا (متى ايل) التي جاء فيها (( اذا خان متى ايل عهوده وقسمه، لتصبح مملكته مملكة رمل، ومثلما يحترق هذا الشمع بالنار تحترق أربادا))، الدكتور عامر الجميلي في بحثه الموسوم اسماء المدن والمواقع الجغرافية المتشابهة لفظاً والمختلفة موقعاً في النصوص المسمارية، يذكر بأن أرپادّا “”arpadda هي عاصمة مقاطعة في العصر الآشوري الحديث، وأصل معناها في الكنعانية تعطي دلالة: المَدّ والدَّعم.
البلدة احتفظت بتسميتها في العهد الإسلامي، وقد ذكرها ياقوت الحموي فقال:” أَرْفَادُ: بالفتح ثم السكون، وفاء، وألف، ودال مهملة، كأنه جمع رفد: قرية كبيرة من نواحي حلب ثم من نواحي عزاز، ينسب إليها قوم، منهم في عصرنا أبو الحسن عليّ بن الحسن الأرفادي أحد فقهاء الشيعة، في زعمه، مقيم بمصر.”
أما عن تاريخ تسميتها بتل رفعت فهذا يعود إلى عهد دخول العثمانيين، وقد جعلوها بادئ الأمر بالتاء المربوطة ( تل رفعة) وبسطت التاء لاحقاً واستقرت على تل رفعت، وقد ورد ذكرها عند الغزي في كتابه نهر الذهب في تاريخ حلب فيقول:
” قلت: تل أرفاد هذه هي الآن قرية. وفي سنة 1338 جعلت مركز قضاء. ثم في سنة 1340 نقل المركز إلى عزاز. والأتراك سموها تل رفعت. وقد جعل عندها محطة لسكة الحديد بغداد. وهذه القرية طيبة المناخ عذبة المياه تربتها حمراء مشهورة بجودة البطيخ الأخضر. وفيها كروم وبساتين. وقبل بضع سنوات وضع فيها مطحنتان تتحرّكان بالكاز الفقير.”
أما عن تسلسل الحضارات في تل رفعت فهي من الأقدم إلى الأحدث كما يلي:
عصر كالكوليتك حوالي الالف الخامس قبل الميلاد
البرونزي القديم 3000 ق.م
العهد ما قبل الآرامي ( البرونزي الوسيط) 2300 ق.م
الآراميون من القرن العاشر إلى التاسع ق.م
الآشوري من القرن التاسع إلى السابع ق .م
البابليون الجدد من السابع إلى السادس قبل الميلاد
الفرس من القرن السادس إلى الخامس قبل الميلاد
الهلينسيون من الاول قبل الميلاد إلى القرن الرابع قبل الميلاد
الرومان من القرن الأول قبل الميلاد إلى الرابع الميلادي
بقي أن نشير إلى أن ما تقوم به ميليشيات العمال الكردستاني المحتلة، سيكون مصيره الفشل تماماً كمصير الإجراءات التي قامت بها داعش من تبديل أسماء البلدات والمدن والأحياء التي أصبحت بلحظة في مهب الريح هي ومشاريعها وخرائطها وأوهامها..
—————-
المراجع :
– الشرق الخالد ” مقدمة في تاريخ وحضارة الشرق الأدنى من أقدم العصور حتى عام 323 ق . م ” : دكتور عبدالحميد زايد ، ص 86-94
– نهر الذهب في تاريخ حلب
– د.عامر الجميلي، اسماء المدن والمواقع الجغرافية المتشابهة لفظاً والمختلفة موقعاً في النصوص المسمارية، مجلة آداب الرافدين، العدد 54، جامعة الموصل، 2009 ، صفحة 4
– الكتاب المقدس العهد القديم
– دائرة المعارف الكتابية المسيحية
– محمد كرد علي، خطط الشام
– الموسوعة البريطانية
– ياقوت الحموي، معجم البلدان
– موسوعة العلماء السوريين
# مهند الكاطع