كذبة الإصلاح لصاحبها مصطفى الكاظمي

عوني القلمجي

لم ينفرد رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي بلجوئه الى كذبة الاصلاح، وانما سبقه في هذا الخصوص كل الأطراف الشريرة المنضوية تحت لواء عملية المحتل السياسية. ولا نحتاج هنا الى أي جهد لتفسير هذه الظاهرة، التي يجتمع حولها هؤلاء الأشرار. فهم يلجؤون اليها كلما شعروا بخطر يهدد مواقعهم، او يقلل من مكتسباتهم او ينذر بسقوطهم. فالدعوة الى الإصلاح هي بمثابة التعويذة التي يلجا اليها هؤلاء الأشرار، على امل الإفلات من مواجهة مصيرهم الأسود. اما تفاصيلها فقد أصبحت أسطوانة مشروخة، لكثرة الدوران حول نفس الجمل والعبارات، من قبيل، مواجهة التحديات الكبيرة التي يمر بها العراق، وضرورة التصدي لها، والعمل على تقوية مؤسسات الدولة ومرافقها المختلفة، وتطبيق القانون وتعزيز قدرات القوات المسلحة والاجهزة الامنية وانهاء الفساد والطائفية. اضافة الى التغني بالوطن والوطنية والنزاهة والشرف والحرص على استقلال العراق وسيادته وحدته الوطنية. وقد نجد نموذجا صارخا عن هذه الكذبة في دعوة مقتدى الصدر للإصلاح. فبعد فوز قائمته “سائرون” في الانتخابات الأخيرة، عام 2018. تخلى دون سابق انذار عن برنامج الإصلاح الذي دخل فيه الانتخابات، والمكون من خمس واربعين نقطة ” اصلاحية”، وراح يقيم التحالفات مع رموز الفساد والطائفية لتشكيل الأكبر والفوز برئاسة الحكومة، أمثال هادي العامري وعمار الحكيم، وعراب الاحتلال الامريكي اياد علاوي.

لكن هذا ليس كل شي، فهذه التعويذة تستخدم أيضا، لمواجهة مشروع وطني او تمرير مؤامرة، او تقديم خدمة للمحتل، او لغايات انتخابية. فعلى سبيل المثال، فان اياد علاوي رئيس الحكومة المؤقتة لجا الى هذه التعويذة لامتصاص النقمة الجماهيرية ضد المحتل الأمريكي، ولجا اليها إبراهيم الجعفري رئيس الحكومة الانتقالية، للتعتيم على فضيحة تفجير مرقد الامامين علي الهادي والحسن العسكري عليهما السلام. اما نوري المالكي فكان هدفه، الالتفاف على الانتفاضات الشعبية التي اندلعت في عهد حكومته على امل الفوز بولاية ثالثة. في حين كان الهدف من وراء اجتماع الأشرار في بيت عمار الحكيم وإصدار وثيقة شرف للإصلاح، هو تثبيت حكومة عادل عبد المهدي، التي اهتزت الارض من تحت اقدامها، جراء الثورة العراقية العملاقة. والا بماذا نفسر السكوت عن الفساد من قبل جميع هؤلاء الاشرار، في حال غياب الانتفاضات الشعبية، او عزوف الناس عن المطالبة بالحقوق المسلوبة؟

لندع هؤلاء الاشرار، ونعود الى الكاظمي وهو يواصل اللعب بالبيضة والحجر، على امل بقائه في السلطة اطول فترة ممكنة. وأقول له، ان الإصلاح وانقاذ العراق من محنته، لا يمكن تحقيقه في ظل وجود هؤلاء الأشرار وانت منهم، وفي ظل المليشيات المسلحة، وفي ظل وجود المحتل الأمريكي ووصيفه الايراني، مهما تنوعت الاعيبك واختلفت برامجك وتعددت اليات عملك، او قيامك بهذا الإصلاح الشكلي او ذاك. يضاف الى ذلك، وهذا هو المهم يا كاظمي، فان منظومة الفساد التي اسسها المحتل، لا يمكن اختراقها او اصلاحها من الداخل، حيث لم تقتصر هذه المنظومة على اعضاء فاسدين في الحكومة او البرلمان او القضاء، كما هو الحال في الدول الاخرى التي تعاني من هذه الافة، وانما شملت هذه المنظومة الفاسدة كل مؤسسات الدولة، من اعلى سلطة فيها، مثل الحكومة ومجلس النواب والقضاء الى أصغر سلطة مثل الدوائر الحكومية والمديريات العامة وغيرها. والمصيبة الاكبر ان المسؤولين كافة لا يخجلون من ممارسة الفساد بكل اشكاله وانواعه، بل ان بعضا منهم لا يهابون الحديث عنه دون حياء او خجل. ولنا في اعتراف كبيرهم عادل عبد المهدي رئيس الوزراء السابق خير دليل على ذلك. حيث اعترف امام أعضاء البرلمان، وبحضور عدد كبير من وسائل الاعلام، العراقية والعربية والعالمية، بوجود اربعين ملفا للفساد والسرقات، شمل، كما قال، كل ركن وزاوية في الدولة العراقية. وبدلا من معالجتها، كما تعهد في أقرب وقت، ترك السلطة وقد زاد عدد هذه الملفات وزاد معها عدد الفاسدين والحرامية.

قد يعتقد البعض غير ذلك، ويراهنون على جدية الكاظمي، ويقدمون مرافعة لا تخلو من قيمة او فائدة. من قبيل كون الاصلاح أصبح ضرورة لا يمكن لاي حاكم تجاهلها، مهما كان قويا ومستبدا، ولا يمكن أيضا تجاهل الشارع العراقي الذي يغلي وكأنه بركان قد ينفجر في اية لحظة، وإذا لم يقدم الكاظمي على تحقيق مشروعه للإصلاح سيكون مصيره السقوط. لكن واقع الحال في العراق يختلف عن غيره من البلدان، فالحاكم فيه لا يمتلك قراره المستقل ولا يستطيع الوقوف بوجه المليشيات المسلحة وحيتان الفساد. كونهم اول المستهدفين بمشاريع الإصلاح. ناهيك عن ان الدولة التي اقامها المحتل لازالت في المرتبة الأخيرة في سلم الدول الفاسدة في العالم. بمعنى اخر، فان مشروع الإصلاح يتطلب من اجل تحقيقه، وجود دولة وطنية مستقلة ذات سيادة، وتملك قرارها المستقل، ولا تخضع لأجندات خارجية. وان القائمين عليها رجال يتصفون بالوطنية والاخلاص والنزاهة، وليس عملاء ومرتزقة وعمائم مزيفة، تتستر عليها مرجعيات دينية مؤثرة، كمرجعية محمد علي السيستاني. وهذه المواصفات الوطنية لا وجود لها في حكومة الكاظمي. اليس كذلك يا “فخامة الرئيس”؟

ان انجاز الإصلاح مهمة لا يمكن لغير ثوار تشرين القيام بإنجازها. اما الذين لا يؤمنون بهذه الثورة لأنها لم تحقق شيئا لحد الان، فهؤلاء اما سذج او مرتزقة، او من اتباع السلطة الذين تنحصر مهمتهم في الدفاع عن الفاسدين مقابل دراهم معدودات. هذه الثورة يا سادة ليست تظاهرة هدفها توفير الخدمات المحدودة، او تظاهرة للدفاع عن حقوق الانسان، تبدأ وتنتهي في وقت محدد سلفا، وانما هي ثورة ذات اهداف سياسية ووطنية كبيرة، تستند الى قوانين اجتماعية تسري على جميع المجتمعات البشرية، التي قررت التحرر من انظمتها المشبوهة والعيش بحرية وكرامة. بل هي حرب وطنية طويلة قد تمتد لسنين عديدة، تنتقل فيها من مرحلة الدفاع الى مرحلة التوازن ثم الانتقال لمرحلة الهجوم بعد اشتراك جميع القوى والاحزاب الوطنية، والشخصيات السياسية، والكتاب والمثقفين والشعراء والفنانين وغيرهم.

دعونا نسترسل أكثر، فالثورة هذه المرة، ليست شبيهة بالثورات والانتفاضات التي قامت من اجل توفير بعض الخدمات المتصلة بأبسط مقومات الحياة كالماء والكهرباء، او ايجاد فرص عمل، او إطلاق سراح سجناء سياسيين، وانما قامت من اجل اسقاط هؤلاء الأشرار وعمليتهم السياسية وتشكيل حكومة وطنية سداها الكفاءة والخبرة ولحمتها رجال يحبون العراق وشعبه. ليتسنى لها طرد المحتلين واستعادة الوطن المنهوب، وتخليص البلاد من حكم المليشيات وانهاء الفساد. وهذا ما يفسر عجز هؤلاء الأشرار عن خداع ثوار تشرين بالوعود الوردية، او تشجيعهم على الاشتراك في الانتخابات، او قبولهم بأنصاف الحلول. خاصة وان هؤلاء الاشرار لم يتركوا للشعب العراقي أي خيار، سوى طريق الثورة الشعبية والإصرار على مواصلتها، حتى تحقيق أهدافها المشروعة كاملة غير منقوصة.

باختصار شديد جدا، ومن دون تقديم الأدلة والبراهين لأثبات كذبة الكاظمي وعدم قدرته على خداع الناس، فان العراقيين قد نسوا كلمة الاصلاح ولم تعد تعني لهم شيئا، لسبب بسيط شرحوه بجملة واحدة تقول: الاصلاح لا يأتي به الفاسد او الحرامي او المجرم، كما هي الشجرة الخبيثة لا تنتج سوى ثمارا خبيثة. وإذا حدث مثل هذا الإصلاح، فان المعني به هؤلاء الأشرار أنفسهم، هدفه على وجه التحديد، ضبط التوازن بين الطوائف داخل العملية السياسية، والقوات المسلحة والاجهزة الامنية، وتقاسم الوزارات وانهاء الخلافات حول تهريب النفط والغاز، اضافة الى العديد من الملفات الأخرى. بمعنى اخر فان العراقيين لا ينتظروا من هؤلاء الأشرار أي اصلاح، او انهاء الفساد او محاسبة الفاسدين. ليس لأنهم اغبياء، وانما لأنهم ينفذون مخطط تدمير العراق دولة ومجتمعا. ومادام هذا المخطط لم يكتمل بعد، فان الإصلاح أصبح امرا منسيا تماما من قبل عموم العراقيين.

 

المصدر: كتابات

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى