قراءة في رواية: نوميديا

احمد العربي

طارق بكاري روائي مغربي، والرواية نوميديا حائزة على جائزة المغرب للكتاب عام ٢٠١٦م.

تعتمد الرواية طريقة السرد الذاتي من شخصيتها المحورية مراد، وهناك شذرات محدودة تكون الساردة بها صديقته الفرنسية جوليا، تكتمل صورة الرواية بتناغم الصوتين وتكاملها.

مراد من المغرب العربي يعمل مدرسا في جامعة الدار البيضاء، اختار أن يعود الى مهد طفولته في قرية من قرى الريف المغربي اسمها “اغرم”، وفي هذه العودة سنبحر معه في عوالمه النفسية والاجتماعية متغلغلين في تاريخ حياته في هذه القرية المزروعة في الجبال. أهلها مزارعون ولغتهم الامازيغية، كان قد غادر القرية طفلا قبل عشرين عاما. مراد ينحدر من هذه القرية، كان قد وجده “امنحمد” مرميا في لفّته طفلا عمره عدة شهور في شارع فرعي في القرية، حمله الى اسرته، انه لقيط تخلت عنه امّه خوفا من الفضيحة، هذا ما اعتقده امنحمد وعائلته، وقرروا أن يربوه بين أولادهم، من باب العطف والشفقة، اسموه “اوداد” أي الوعل البري، وما ان وصل الى سن الخامسة حتى أخبره امنحمد حقيقة وضعه وانه ليس ابنه وانه لقيط، وكانت هذه اقسى محنة نفسية تصيبه في حياته كلها، لم يستطع أن يتحرر منها ابدا، كانت العائلة التي احتضنته تعامله بشكل سيء، خاصة الجدة أم امنحمد، هذه المعاملة التي زادت في تهشيم روحه ونفسه وجسده، كان يعوض اوداد عن معاناته في تفوقه العلمي مما جعله محط اعجاب او سخط او حسد ممن يحيطون به. أهل القرية جميعا يعلمون بقصته، ولانه يعتبر ابن حرام ولقيط فقد كانوا غير متضامنين معه، رغم كونه هو ضحية ما حصل معه ولا ذنب له، الجدة التي سامته سوء العذاب احترقت في بيتها، وأوّل أهل القرية ذلك بأنه لعنة اوداد، وصار كل سوء يحصل في القرية ينسب له، ويعتبر سببه، الزوجة أصيبت بمرض في يديها، اعتبر هو السبب، ورويدا رويدا بدأت القرية تتحدث عن لعنة اوداد وضرورة طرده من القرية، وسرعان ما استجاب امنحمد لإلحاح أهل قريته وزوجته، وأعطاه لصديق له جاء من المدينة، الصديق حسين أعجب بالطفل اوداد، انه متفوق، حسين لدية ثلاث بنات وزوجته لم تنجب ذكرا، قرر أن يأخذ الولد ويتبناه، وهكذا حصل فعلا، لقد اعطاه اسما جديدا، مراد اسمه الجديد وتبناه رسميا. زوجة حسين صفية لم تتقبل هذا الأمر الواقع ولم تستطع مواجهته، كانت طريق انتقامها عبر القسوة على الطفل والاساءة له دوما، مازال ظهره يحمل آثار كيّه بالحديد المحمى من طفولته، صفية زوجة حسين تمرض وتموت، ويقتنع حسين أن لعنة مراد إصابته، وسرعان ما يطرده ايضا. مراد كان قد كبر قليلا، واستطاع أن يعمل ويعيل نفسه قدر الإمكان. أمر وحيد لم يتهاون به مراد وهو إكمال تعليمه وتفوقه به، لأن ذلك هو منقذه من حياته القاسية، وفعلا استمر بالعلم، تعرف على المعلم مصطفى الذي كان من المثقفين اليساريين، الذي تبنى مراد وساعده، وفتح له باب الوعي والثقافة، واغدق عليه بالكتب التي صنعت وعي مراد جعلته ينتمي لليسار كاستاذه وصديقه مصطفى. استمر مراد في التعلم وأصبح بعد ذلك مدرسا جامعيا، واغتنى وأصبحت حياته أفضل. لكن مراد لم يغادر طفولته واحساسه بأصله كلقيط، وزادت محنته انه تعرف في الجامعة على احدى طالباته “خولة” التي احبها واحبته وحصلت بينهما علاقة جنسية، أدت بعد ذلك للحمل عند خولة، ولانه تركها ولم يعلم بحالها، انتحرت خوفا على نفسها من الفضيحة، ماتت مع الطفل الذي في رحمها. علم مراد بعد ذلك بالذي حصل فأصيب

بانهيار نفسي اوصله للمصحة النفسية، وتابعه طبيب اسمه بنهاشم، اقترح عليه ان يعود الى اغرم قريته حيث يساعده ذلك على الشفاء. عاد مراد الى القرية عبر شرائه للفندق الذي كان معروضا للبيع، وكانت معه فتاة فرنسية اسمها “جوليا” تعرّف عليها صدفة قالت له انها تعمل على دراسة الرجل الشرقي من أبعاد مختلفة، تلقفها مراد، وسرعان ما عاشا علاقة جنسية مفتوحة ودائمة، أدت مع الزمن الى احساس بأن عاطفة ما قريبة من الحب يعيشونها تجاه بعضهما. مراد سيكتشف في اغرم أنه لم يغادر طفولته، وعقدته انه لقيط وأنه منبوذ من القرية واهلها، وانه مشوه نفسيا، وانه ساهم بشكل ما بقتل حبيبته، سيداوم على تكرار التفكير بما حصل معه ولعنته تلك، ولم تستطع جوليا ولا علاقتهما الجنسية الحسية ان تجعله يغادر أزمته النفسية، صحيح انه عاش متعا جنسية شبه دائمة لكنها لم تجعله يغادر محنته ومعاناته. سيحاول مراد ان يعود الى عمق القرية ويشاهد ويعرف متغيراتها، سيكتشف أن امنحمد قد مات، وأن زوجته حيّة وقد قطعت يدها، ما زالت لعنته تلاحقها، سيذهب الى الجبل المطل على القرية ونعرف حكاية القصر المهجور في أعلاه الذي بناه رومي (أوروبي) قدم قديما الى القرية وكان يقتل ابناء القرية ببندقيته من موقعه الحصين، وكيف قرر شيخ القرية أن يساوم الرومي على حل واتفقا على أن يذبح شيخ القرية موسى ابنه عيسى ليكف الرومي عن قتل أهل القرية، وهكذا يحصل، يتحول قبر عيسى الابن إلى مزار، وكذلك قبر الأب موسى الذي سيموت بعد ان ينهار قصر الرومي الذي أراد أن يخون موسى ويحاول قتله، لكنه يموت بانهيار بعض قصره وموته بالسيل. سيعود مراد الى مرابع طفولته، الى الجبل والمزار، اهل القرية لا يتعرفون عليه ولا أحد يذكره. حصل مع مراد بعد مجيئه الى القرية أن تواصلت معه صديقة كانت قديما معه أيام النضال الجامعي في صفوف اليسار، اسمها نضال وسرعان ما حضرت إليه، وصار مشتتا بين فتاتين جوليا ونضال، جوليا حبيبة علنية ونضال حبيبة سرية، وله علاقة جنسية مع الاثنتين. ستخبره نضال عن آخر أخبارها بأنها خذلت ممن كان من المفترض انه مناضل تزوجته، ثم اكتشفت انه مخبر للنظام، فطلّقته وطلّقت معه النضال، لقد أصبح النضال كذبة لم تعد تصدقها، وتزوجت من أحد أعوان الحكم تاجرا كبيرا وسياسيا من النظام، زواجا سريا كعشيقة في اوقات متباعدة، اغدق عليها الزوج بالمال ولكنها خسرت احترامها لنفسها وكرامتها، حاولت بالعودة الى مراد ان تتجاوز ازمتها النفسية وخيانتها لنفسها. مراد تفهم وضعها وبادلها المصارحة بأنه اكتشف ما اكتشفته، بأن المناضلين كانوا بعضهم يناضل دون وعي، والبعض كان يخونهم دون رادع، وكان اغلبهم ضحايا وهْم افكارهم الكبيرة، لذلك غادر النضال والسياسة باكرا، واستمر على علاقة جسدية مع نضال لا تستطيع ان تخرجه من مأزقه النفسي وعقده التي احتلت نفسه وضيعته بشكل كامل تقريبا. كان مراد يعاني من عقد طفولته وكونه لقيطا ومن انتحار حبيبته ومن موت صديقه الوحيد مصطفى الذي مات بتفجير افتعله المتطرفين الإسلاميين، كان من المفترض أن يكون مراد معه في ذلك الوقت، لكن صدفة أنقذت حياته. في اجواء القرية سيكتشف مراد أن جوليا الفرنسية لم تلتقي به صدفة بل بشكل مقصود، اكتشف انها بالاصل كاتبة روائية جاءت إلى المغرب بعقلية الاوربي المتفوق العنصري الذي سيكتب عن المغاربة المختلفين، لجأت للدكتور بنهاشم واطلعت على ملفات مرضاه، اشترت ذمة الطبيب وملف مراد و طاردته لتحصل منه على رواية تعود و تسردها في بلادها على أنه فتح لها. مراد سيعلم ذلك اول باول ويزيد ذلك من معاناته وغربته، حب جوليا مزيف وكاذب، ستحقنه بأدوية تؤزمه و تدفعه للبوح أكثر، لكنها مع الزمن سينقلب السحر عليها وتتورط بحبه وتصبح جزء من لعبة اخترعتها. مراد لن يستسلم لكل ما يعيشه، يستمر باجترار الماضي والعودة إلى مرابع طفولته والتعايش مع نضال وجوليا. في القرية سيلتقي بفتاة خرساء على حصان، الفتاة آية جمال، نفسه تعشقها، يسميها “نوميديا” (ملكة امازيغية)، يتواصلان بالاشارة والكتابة، يتكرر لقائهما كثيرا ويزداد الحب بينهما، مراد يعشقها ولكنه لا يستطيع ان يصل اليها جسديا. لدى مراد مشكلة اخرى وهي انه يحس بملاحقة متطرفين اسلاميين له، فقد بعثوا له أكثر من رسالة يهددونه بالموت، وفي مرة دخلوا بيته وعاثوا فيه، وكان آخرها رسالة تخبره بأنهم قرروا قتله. لكن سنعلم نحن كقراء ان جوليا كانت وراء هذه التصرفات لتعلم ردود فعل مراد حيث يخدمها ذلك في كتابة روايتها. ستدور الرواية بصفحاتها الكثيرة في حلقة مفرغة بهلوسات مراد حول هذه العناصر الأساسية، كان اهمها : ان مراد أصر على البحث عن حبيبته نوميديا التي لم تعد تأتي إليه، وليعيش ضحية انطباع عام بأنه مريض بهلوسات اصابت غيره من أهل القرية، يتحدثون فيه عن جنّية تأتي على حصان تسلب عقول من تحضر لهم، وسرعان ما يأخذ أهل القرية هذا الشاب الى مزار عيسى الابن أو موسى الاب لعله يشفى من مرض الجنية وعشقها. وهذا ما فعلوه مع مراد ايضا.

تنتهي الرواية ومراد يبحث عن نوميديا ولا يجدها يصعد الى الجبل متجاوزا قصر الرومي، لكن لا يجد شيئا سقط مغشيا عليه او ميتا من جراء نزف دم كان يأتيه على شكل رعاف دائم.

وتنتهي الرواية أيضا  ببعض نص رواية جوليا؛ عن خيانتها الكاملة لمراد وانها تعترف ضمنا انها لاجل روايتها، اشترت الطبيب المعالج وملف مراد العلاجي، و أدوية الهلوسة وانها حاولت ان توحي له بأن ارهابيين يطاردونه، وانها هي من تقف فعلا وراء قتله وموته.

وفي تحليل الرواية نقول:

اننا امام رواية مشاعرية  تستهلك كثير من وقت القارئ وصبره على تكرار مأزق نفسي واعادة سرده، الاجترار أضعف الرواية وبهّتها، هناك لا منطقية في الأحداث المركزية، لن نناقش طفلا اصبح دكتورا في الجامعة، لم يستطع أن يتحرر عقليا ثم نفسيا من محنته التي هي ليست من صنع يده، أي أنه لقيط، نجاحه العملي دليل تجاوز المأزق النفسي. ثم موت صديقه بتفجير ارهابي حمّل نفسه المسؤولية وهذا ايضا غير عقلاني. ثم الحبيبة التي عاشرها جنسيا وشبه تخلى عنها، ثم وضع نفسه في محاسبة دائمة عن موتها، رغم انه كان قادرا بالاصل أن لا يدخلها في هذا المأزق. ثم الجنس في الرواية حاضر بشكل ممج وكأنه يتجاوز سرد مراد في الرواية ليعوّض مأزقا ما عند الكاتب نفسه. الحياة ليست دوران في حلقة مفرغة، بل صعود فيها نحو الافضل دوما، الرواية لم تكن كذلك على مستوى مراد كشخصية رسمت أنها ستكون ضحية الماضي الذي عاشته، وكذلك جوليا الكاتبة المجرمة، ونضال المناضلة التي خانت نفسها وباعتها للشيطان، والخاتمة التي عنت بحث مراد عن وهم صنعه خياله ومات ضحيته.

رواية تأخذنا من متاهة إلى أخرى للأسف. لا أعلم لماذا وكيف حصلت على جائزتها الأدبية.؟!.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى