الجنرال كينيث ماكينزي قال إن بلاده لن تخفض عديد القوات الاميركية في المرحلة الراهنة “بناء على رغبة بغداد”. حيث يعود إلى الواجهة الحديث عن مستقبل الوجود الأميركي في العراق، الذي يفتح الباب على عديد من احتمالات التوتر في البلاد من جديد، خصوصاً بعد تلويح زعماء فصائل مسلحة بالتصعيد في حال عدم انسحاب القوات الأميركية.
وبالإضافة إلى هذا الملف، تثار التساؤلات عن إمكانية استغلال الحكومة العراقية المفاوضات مع طهران في محاولة للضغط عليها في ما يتعلق بتنامي نفوذ الجماعات المسلحة الموالية لها.
ولعل ما أعاد التساؤلات عن احتمالات التصعيد هو تصريحات قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال كينيث ماكينزي، في شأن استمرار بقاء القوات الأميركية في البلاد.
فقد قال ماكينزي في مؤتمر صحافي، إن واشنطن لن تقدم على تخفيض عدد قواتها في العراق، مشيراً إلى أن هذا الأمر يأتي “بناءً على رغبة بغداد”.
“الطريقة الأفغانية”
صعدت تصريحات ماكينزي الأجواء في أوساط الفصائل المسلحة الموالية لإيران، ودفعت زعيم ميليشيات “عصائب أهل الحق”، قيس الخزعلي، إلى التهديد بـ”الطريقة الأفغانية”.
واعتبر الخزعلي تصريحات ماكينزي “دليلاً واضحاً على عدم جدية الإدارة الأميركية بسحب قواتها من العراق”.
وتابع في تغريدة على “تويتر”، “في حال عدم صدور تكذيب من الطرف الحكومي العراقي، فإنه سيعتبر دليلاً على عدم صدقيته بأنه طالب بخروج القوات الأميركية من العراق، وأن ما يقال في العلن غير ما يقال في السر”.
وختم تغريدته، بأن “الأميركيين يقدمون دليلاً تلو الآخر على أن الحوار والمنطق لا ينفعان معهم، وأن الطريقة الأفغانية هي الطريقة الوحيدة لإخراجهم”.
هل يستفيد العراق من دور الوساطة؟
بالتزامن مع تلك التطورات المتعلقة بالوجود الأميركي تتواتر تسريبات في خصوص اللقاءات السعودية الإيرانية الأميركية في العراق، والتي ربما تتيح إلى حد ما لرئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي إمكانية الضغط على طهران في ما يتعلق بأذرعها في العراق.
وتستمر التسريبات عن المفاوضات بين الأطراف المتنازعة في المنطقة على الأرض العراقية، إذ تناقلت عديد من وسائل الإعلام والوكالات المحلية والأجنبية أن شخصيات رفيعة إيرانية وسعودية وأميركية تفاوضت في بغداد بالتزامن مع جولة جديدة في فيينا في شأن الملف النووي الإيراني.
وتتباين آراء المراقبين في شأن دور العراق كوسيط للتسوية بين الأطراف الإقليمية، إذ يرى طيف منهم أن هذا الدور سيمكن بغداد من فرض شروطها على طهران، أما آخرون فيعتقدون أن العراق لن يكون مؤثراً، بل متأثر في مسار تلك المفاوضات.
ويتحدث رئيس مركز “كلواذا” للدراسات، باسل حسين، عن أن التسريبات في شأن المفاوضات التي تجري بين طهران والرياض، تعطي انطباعاً بأن مطلب تفكيك الجماعات المسلحة في المنطقة “ينطلق من رغبة إقليمية ودولية، وليست محلية فحسب”، لافتاً إلى أن هذا الأمر بات يدفع صانعي القرار في العراق إلى محاولة “إقناع طهران بتقديم تنازلات في ما يتعلق بدعمها لتلك الجماعات ومحاولة دفعها للتخلي عن بعضها في أفضل الأحوال والضغط على البعض الآخر”.
“المشرق الجديد” وتحفيز طهران للتفاوض
ويبدو أن حراك رئيس الحكومة العراقية في عدد من الدول الخليجية ومحاولة تحفيز مشروع “المشرق الجديد”، يعدان أبرز العوامل التي دفعت طهران إلى التعجيل في خوض مفاوضات واسعة مع أطراف عربية.
وعلى الرغم من عدم اتضاح معالم مشروع “المشرق الجديد” بين العراق ومصر والأردن، بحسب حسين، فإن إيران تعده “موجهاً ضدها ومستفزاً لنفوذها، وربما مثل من بين عوامل أخرى دافعاً لصانعي القرار في إيران لإعادة النظر في خياراتهم في العراق”.
وفي شأن تصريحات الخزعلي عن الاستعانة بـ”الطريقة الأفغانية”، يعتبر حسين أن إشكاليات منهجية عدة تجعل من الصعوبة “تطبيق المنهج الأفغاني في العراق، من خلال اختلاف الجغرافيا وعدم توافر البيئة الاجتماعية الواسعة المؤيدة للميليشيات”، مردفاً أن “المجتمع العراقي يشهد حالياً ذروة الرفض لتلك الجماعات، وهو ما يضع تلك التصريحات في إطار البروباغاندا لا أكثر”.
ويشير حسين إلى أن تأكيد ماكينزي على استمرار الوجود العسكري الأميركي في العراق، يكشف عن حقيقة مفادها أن “أي حديث عن تخفيض القوات إلى أقل من 2500 جندي سيعني انسحاباً أميركياً، إذ باتت واشنطن تدرك أن الحد الأدنى لفاعلية وجودها هو هذا العدد”.
ويختم حسين بأن “التيارات الموالية لإيران ستستمر باستراتيجية الضربات المحدودة والمزعجة غير النوعية التي لا تستدعي رداً أميركياً”، مؤكداً أن ردود تلك الميليشيات “تتوقف على مدى التقدم في المفاوضات بين واشنطن وطهران”.
تغيير في نسق النفوذ الإيراني
ولا تبدو مسألة النفوذ الإيراني في العراق مرتبطة بسطوة الأذرع المسلحة الموالية لها فحسب، إذ يعتقد باحثون أن طهران ربما تنتقل من نشاط الجماعات المسلحة إلى إعطاء مساحة أكبر للتيارات السياسية الموالية لها.
ويستبعد الكاتب أحمد الشريفي احتمال أن تتمكن الحكومة العراقية من فرض شروط على طهران من خلال المفاوضات الجارية معها، متوقعاً أن يقتصر دور العراق على الوساطة.
ويضيف أن “تخلي طهران عن الأذرع المسلحة أمر محتمل، لكنه لن يجري إلا ضمن شروط إيرانية تضمن استمرار نفوذها على العراق، من خلال تحويل أدوات النفوذ من حملة السلاح إلى الاتجاه السياسي”.
ويعتقد الشريفي، أن “فكرة المشرق الجديد مرعبة بالنسبة إلى إيران وتركيا، على اعتبار أن هناك محاولات تكامل عربية وإعادة إحياء للأمن القومي المشترك، في مقابل مشاريع إقليمية تجسدها طهران وأنقرة”، مبيناً أن هذا الأمر “ربما دفع طهران إلى تعجيل التفاوض مع أطراف دولية وعربية”.
ويستشف الشريفي من تصريحات الخزعلي “انطباعاً بأن الفصائل المسلحة باتت لا تستبعد احتمال تخلي طهران عنها مقابل إيجاد لاعبين جدد، وهو الأمر الذي دفع الفصائل إلى محاولة إيجاد موطئ قدم في أي صفقة مقبلة”.
ويتوقع الشريفي ارتفاع منسوب الأزمات، سواء بالهجمات الصاروخية أو التصفيات الجسدية، “كلما اقترب موعد الانتخابات المقبلة”.
الأذرع المسلحة وشروط الاتفاق النووي
وعلى الرغم من عدم إشارة أي تسريبات عن المفاوضات في شأن ملف الأذرع الإيرانية في العراق تحديداً، فإن مراقبين يرون أن هذا الملف لا يمكن فصله عن مفاوضات العودة إلى الاتفاق النووي.
ويرى أستاذ العلوم السياسية، هيثم الهيتي، أن “النفوذ الإيراني في المنطقة والملف النووي لا ينفصلان بالنسبة إلى الإدارة الأميركية، وأي اتفاق لن يمر من دون تسوية ملف الفصائل المسلحة”، مبيناً أن “ما يجري من مفاوضات بينية تمثل محاولات تكميلية لإنجاز الملف النووي”.
ويستبعد الهيتي أن يتمكن الكاظمي من فرض شروطه على المفاوضات الجارية، على الرغم من لعبه دوراً جيداً في هذا السياق، لافتاً إلى أن وضع العراق الحالي يجعله “متأثراً، وليس مؤثراً على المفاوضات فيما يتعلق بإيران”.
وربما يمثل بقاء رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في منصبه لدورة ثانية، كما يعبر الهيتي، “الكسب الوحيد الذي قد يحظى به من تلك الوساطات، خصوصاً أنه بات يمثل وسيطاً مقبولاً لدى الأطراف كلها، بما فيها إيران”.
وفي شأن شكل التنازلات الإيرانية، يشير إلى أن “احتمال التنازل الإيراني عن الأذرع المسلحة لن يعني نهاية النفوذ، بل يعني تغييراً في شكل هذا النفوذ من العسكري إلى السياسي والاقتصادي”.
تمرد الجماعات المسلحة على إيران
في المقابل، يرى الكاتب بسام القزويني، أن “إيران تحاول قدر الإمكان عدم زج ملف الجماعات المسلحة في أي مفاوضات مع واشنطن، وتحاول تكرار ما حدث في الاتفاق السابق من خلال مفاوضات فيينا الجارية”.
ويعتقد أن إدارة بايدن تحاول “تضمين ملف الجماعات المسلحة في المفاوضات، إلا أن تصعيد تلك الجماعات على القوات الأميركية بالتزامن مع المفاوضات، يمثل دليلاً على تمسك طهران بهذا الملف وعزله عن أي اتفاق”.
ولعل العقبة الرئيسة التي تواجه الحكومة العراقية في محاولات تحييد حركة الجماعات المسلحة، بحسب القزويني، تتمثل في “محاولات تمرد تلك الجماعات على الضابط الإيراني، كونها ترى في الاستهدافات المتكررة إطالة لأمد وجودها، ويعقد احتمال تضمين هذا الملف في المفاوضات بين طهران وواشنطن”.
ويشير القزويني إلى أبرز ملفين أثارا قلق طهران، وهما “مشروع المشرق الجديد والاستثمارات الخليجية”، مبيناً أن هذين الملفين ربما ساهما إلى حد كبير في “دفع طهران إلى تعجيل التوصل إلى اتفاق جديد مع واشنطن تمهيداً لرفع العقوبات عنها”.
ويختم بأنه “في حال عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات، فإن المتضرر هو وكلاء إيران”.
المصدر: اندبندنت عربية