حق السوريين في إقامة دور العبادة ومنع انتهاكها

أحمد مظهر سعدو

إن انتهاك دور العبادة في سورية المتواصل وما يقوم به النظام السوري ومن يتحالف معه عبر تدمير المساجد والكنائس من قبل طائرات وأدوات تدمير أخرى للنظام السوري، وهذا التدمير الممنهج والمقصود لآلاف من المساجد، والعشرات من الكنائس في مجمل الجغرافيا السورية، هو ما يدفع كل مهتم بحقوق الانسان إلى تسليط الضوء، وكشف هذا العمل المتخارج مع شرعة حقوق الانسان، وكل المبادئ والأسس التي قامت عليها حيثيات الإعلان العالمي لحقوق الانسان. وبعد كل هذا التدمير للكثير من دور العبادة من كنائس ومساجد. كان لابد من التوقف أمام هذا المشهد ومحاولة معالجته وصولًا إلى إيقافه.

وبالفعل فقد تبين أن هناك الكثير جدًا، بل آلاف المساجد التي دُمرت في سورية، في حلب وادلب وحمص وريف دمشق وريف حماة، وريف اللاذقية، والرقة، ودير الزور، بالإضافة إلى تدمير عشرات الكنائس في ادلب وحمص وحلب، وهو انتهاك لحق من حقوق البشر كفلته الشرائع الوضعية جميعها، وخاصة في المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان. في إقامة شعائر الدين، وعدم التدخل في ذلك من أي طرف. ولقد كان ذلك الفعل مقصودًا، ولم يأت عفو الخاطر، أو نتيجة أخطاء حربية، بل كان عن سابق تصور وقصد، وهو ما تؤكده الصور والفيديوهات، وشهود العيان، والمسؤولين عن دور العبادة، والمتعاطين مع هذه المسألة والمهتمين بها.

المجتمع المدني أين هو من هدم دور العبادة؟

وفي سياق التشاركية المطلوبة في هذا المنحى كان من الضرورة بمكان التشارك في ذلك مع بعض منظمات المجتمع المدني المعنية في هذه المسألة، من منظمات حقوق إنسان ومنظمات أخرى ذات صلة. حيث تحدث موسى الهايس نائب رئيس مجلس إدارة المنظمة العربية لحقوق الانسان في سورية الذي قال ” في الحقيقة هناك الكثير من التعديلات التي طالت مواقع لها علاقة بحقوق الإنسان أو من المواقع التي حددتها اتفاقية روما وأوجبت تحييدها في أوقات الحروب، ويعتبر المساس بها مساس بحقوق الإنسان، كحق الملكية وحق التداوي وحرية العقيدة والعبادة وغيرها، وقد تم التعدي على كل ذلك في سورية، ومن جميع الأطراف، وتم توثيق ذلك بشكل صحيح ودقيق، لكن حتى الآن مازالت الأمور مسيسة، بينما محكمة الجزاء الدولية لم تقبل دعاوى حول هذا الأمر وننتظر ذلك”.  لكنه لفت الى أنهم يعولون ” على أن هكذا جرائم لا تسقط بالتقادم.”.

المحاسبة لمن؟

ويبدو أن المحاسبة في هذا الأمر كانت وستبقى على كاهل السلطات السورية التي قامت بهذه الأفعال، وأيضًا على قوى عسكرية أخرى، قد تكون مارست ذلك. ولم تقبل السلطات السورية التي نفذت كل ذلك التصريح أو الحديث عن أهدافها من ذلك، بل لم تقبل الاعتراف بهذه الأفعال الشنيعة، لكن الدكتور أحمد الحمادي المدير السابق للآثار والمتاحف في محافظة درعا، كان صريحًا وجريئًا وشفافًا عندما تحدث عن هذا الموضوع ، خاصة وأن هذه المحافظة شهدت ومنذ البدء تدميرًا ممنهجًا لأعرق وأقدم مسجد تاريخي في مدينة درعا، سألناه كيف يمكن أن يكون مقبولًا لدى النظام السوري تهديم مثل هذا المسجد، بينما هو من أقدم وأعرق المساجد تراثيًا ودينيًا، وكيف كان موقفكم في تلك اللحظة وهل كان النظام يريد كنس التاريخ أم منع الناس من إقامة الصلاة، أم انتقامًا من كل الأديان؟ ثم أليس هذا يعتبر تعدٍ على حق أصيل من حقوق الناس في التراث ودور العبادة؟ الدكتور الحمادي قال: ” غير مقبول ذلك على الاطلاق، بل أدى إلى ازدياد لهيب الثورة وسرعة انتشارها، لتعم أغلب اﻷراضي السورية، وبالطبع المساجد كعادتها كانت مكانًا عامًا يتواجد فيها الناس من كل توجهاتهم فمنهم الثائر ومنهم المؤيد ومنهم اللامبالي، بما فيهم أتباع المذاهب واﻷديان اﻷخرى الذين يتواجدون للمشاركة بالفعاليات الثورية بعد الانتهاء من الصلاة، لكن النظام حاول بكل وسائله تصوير المساجد كبؤر للتطرف، وأقدم على اقتحامها بكل إجرام، ووضع أكياس من المال والسلاح والذخيرة، وتم تصويرها من خلال وسائل إعلامه على أنها مركزًا للمؤامرة الكونية على سورية، لتبرير قصفها وتدميرها وقام بعدها بالشحن وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية لتمزيق وحدة الشعب السوري ولتأمين الحشود المؤيدة له، على أساس طائفي”.  وأضاف الحمادي قائلًا ” لقد ترجم النظام سياسته هذه تدميرًا وهدمًا ونسفًا واستهدافًا مباشرًا للمساجد والكنائس ودور العبادة، في إطار سياسة اﻷرض المحروقة، التي نتج عنها تدمير آﻻف المساجد تدميرًا كاملًا أو جزئيًا، ففي مدينة درعا لوحدها تم تدمير 11 مسجدًا، ثلاثة منها تدميرًا كاملًا وثمانية تدميرًا جزئيًا. عدا عن المساجد التي دمرت كليًا أو جزئيًا في أرجاء محافظة درعا. وكذلك الحال في أغلب أرجاء سورية، حيث استهدفت المساجد والكنائس ودور العبادة بكل إجرام وطغيان وترهيب، والذي يعتبر خرقًا صارخًا لحقوق الإنسان في حرية العبادة، وحرية التعبير وإبداء الرأي، واﻷهم من كل ذلك، اﻻنتهاك لحق الحياة، حيث كانت ومازالت المساجد تستهدف بما فيها، مما يؤدي ذلك لتدميرها وازهاق أرواح من فيها”. وأكد الدكتور الحمادي أن النظام السوري ” اتبع سياسة ممنجهة استهدف من خلالها المساجد والساحات العامة وشرايين الحياة العامة، التي يمكن أن تشكل نقطة انطلاق للمظاهرات والتجمعات والحشود الشعبية المنادية بشعارات الحرية والكرامة، ودولة الوطن والمواطن والقانون والعدالة والقضاء على الفساد والمحسوبية وجميع مظاهر التمييز بين المواطنين ورفض النظام لذا ركزت آلته العسكرية قواها على المساجد لقمع المواطنين، في أماكن تواجدهم الكثيف ومنعهم من التظاهر، لذا رأينا كيف قام النظام بمحاصرة المساجد ومنع المواطنين من الوصول إليها وإرسال التعزيزات العسكرية والشبيحة لتطويق المساجد من الخارج وإيجاد أعداد كبيرة من الشبيحة في الداخل، وكل ذلك بهدف ردع و قمع أي تحرك شعبي في مهده، وكان ذلك ناجعًا في دمشق وحلب وغيرهما من المدن السورية، ولكن عندما بدأت كفة الثورة ترجح وتفرض نفسها بدأ النظام باستهداف المساجد بعد أن كان يستهدف الجموع الثورية في المساجد”.

  هدم الكنائس والمساجد من المستفيد؟

إن تسليط الضوء على موضوع بأهمية حق إقامة دور العبادة سيستفيد منه كل المؤمنين في سورية سواء من المسلمين أو المسيحيين، الذين وقع عليهم انتهاك هدم دور العبادة، أو منعوا من أداء شعائر دينهم. حيث تحدث الأب إبراهيم خبازة عن مستوى التدمير الذي حصل للكنائس في سورية، ومدى استفادة المؤمنين المسيحيين في حال توقف هذا القصف للكنائس وأعيد تأهيلها بقوله: ” منذ بداية الثورة كان العدد كبيرًا من الكنائس التي تم تهديمها، في الأراضي السورية مثل حمص القديمة، حلب، ادلب، الحسكة، الرقة، دير الزور، ففي درعا وادلب لوحدهما تم تهديم ست كنائس، وفي حلب القديمة والسليمانية تم تهديم أكثر من عشر كنائس، وأغلبهم كان باستهداف من النظام السوري وطائراته، وبعضها القليل كان من المتشددين والمتطرفين”.

بينما أكد السيد مفيد أبو عدنان مدير شؤون المساجد والأوقاف في الغوطة الشرقية قائلاً: ” نحن مؤسسة مدنية ثورية شرعية فاعلة انبثقت عن الهيئة الشرعية العامة وعملها (وبسبب الظروف الحالية) محصور في دوما وما حولها. وهدفها: متابعة أحوال المساجد وإعادة ما خرج منها عن الخدمة إلى العمل، ومتابعة النقص فيها وسده، ومتابعة العاملين فيها وتيسير أحوالهم. أما منطقة عملها الفعلي فهي دوما وما حولها، ووارداتها هي تبرعات المحسنين في الداخل والخارج مديرها ” ثم تحدث عن حال المساجد بعد عدوان النظام السوري بقوله” وتتعرض المساجد في دوما إلى حملة شرسة منذ بداية الثورة، فقد تم استهداف العديد من مساجدها بشكل مباشر، مما أدى إلى خروج بعضها عن الخدمة تمامًا، وبعضها سوّي بالأرض، وأصبح أثرًا بعد عين، كمسجد زين ومسجد الروضة وغيرها. وقد بلغ عدد المساجد الخارجة عن الخدمة حتى تاريخه أكثر من عشرين مسجداً في دوما وحدها، منها: المسجد الكبير، والشكر، ومصعب عمير، وعبد الله بن سلام، وتلو …. الخ، علماً أن عدد المساجد العاملة في مدينة دوما وحدها قبل الثورة اقترب من المائة مسجد. بينما الفعال منها حالياً لا يتجاوز الستين مسجدًا.” وأضاف ” تعرضت المساجد خلال الهجمة الشرسة الأخيرة بعد تقدم الثوار على جبهة إدارة المركبات إلى استهداف أكثر تركيزًا وهمجية، وبشكل مقصود لا يخفى على أحد، وأكبر دليل على ذلك هو استهداف النظام للمساجد عند قدوم المصلين إلى الصلاة، أو عند خروجهم منها مما أدى إلى سقوط أكثر من سبعة شهداء بالإضافة إلى حوالي ثلاثين جريحًا بعضهم جراحه خطيرة وفيهم حالات بتر وقطع، وهذه الإصابات هي التي وقعت أمام المساجد فقط أثناء قدوم المصلين إليها أو خروجهم منها. هذه الاحصائية تم توثيقها بعد استهداف النظام لعشرين مسجداً بشكل مباشر وخلال هذه الفترة المذكورة فقط. وتجدر الاشارة إلى أن أحد هذه المساجد وبعد استهدافه بغارة جوية دمر تدميراً شبه كلي، وسقطت مئذنته على الأرض، نحن وكإجراء احترازي وجهنا القائمين على المساجد إلى إغلاقها وايقاف الصلوات فيها والنداء على المآذن أن صلوا في بيوتكم وذلك عند تردي الوضع الأمني في البلدة.” وانتهى إلى القول ” إننا في شؤون المساجد والأوقاف لم ولن ندخر جهدًا في سبيل رفع صوت الحق على مآذن الغوطة الشرقية فنحن وبهمة ومساعدة المحسنين في داخل الغوطة وخارجها، نواظب على إصلاح الأضرار الحاصلة في المساجد نتيجة هذه الاستهدافات المتكررة وبالسرعة المطلوبة، ولكن كثرة المساجد المستهدفة في الآونة الأخيرة، ولَّد لدينا عجزًا كبيرًا نسأل الله العظيم أن يعيننا على سده”.

حق إقامة دور العبادة

لابد من القول إن حق ممارسة الشعائر الدينية لكل الأديان، هو الحق الذي لا يجوز انتهاكه، وهو حق مصون ومعترف به ومؤكد عليه كحرية مهمة من حريات الأديان في كل الشرائع، ومنها الإعلان العالمي لحقوق الانسان. ومهما جرى التعدي عليها، هنا أو هناك، من هذا النظام أو سواه، تبقى من المسائل ذات الأهمية التي تحرص عليها كل القوانين والشرائع السماوية والأرضية الوضعية، وحتى يتحقق كل ذلك، مازال هناك من يحمل راية حقوق الانسان في تأكيد كل ما يعود على البشرية بالنفع والهدوء والسكينة. ومن ثم فإن حق إقامة دور العبادة، والحفاظ عليها وإقامة الشعائر الدينية فيها، تبقى مسألة غير قابلة للمساومة أو المتاجرة بأي شكل من الأشكال. وهو الحق الأساس في الاعتقادات والممارسات الثقافية وإقامة دور العبادة.

خاتمة

ولعل أروع ما تم تسطيره في هذه المسألة هو ما كتبته الشاعرة الدمشقية نائلة الإمام من ” أن  أجمل وأمتع ما نقرأه ما تكتبه المهندسة الحلبية الرائعة بأسلوبها السهل الممتنع، عن مساجد حلب وآثارها التي دمرها نظام العصابة، فتعيد إحياءها وتسترجع تاريخها المغرق في القدم، وتصف ما فيها من روعة وإبداع وإتقان بسلاسة وعذوبة، وقد شاركت بترميمها، ولها فيها ذكريات لا تنسى، تعكس صدق تعلقها بحلب التاريخ والحضارة، حتى بتنا نتذكرها كلما ذكرت حلب، لقد أثبتت كاتباتنا السوريات صدق انتمائهن واعتزازهن بأقدم حضارة لأعرق وأبرع شعب مما نعتز به ونباهي، تحية من القلب لريم قدسي ، وعائدون يا حلب مهما طال الانتظار”.

 فهل يمكن الحديث بعد اليوم أن من حق أي حاكم ظالم أن ينال أو ينتهك حق الانسان، أو أي حق من حقوق الانسان، بما فيه حق الحفاظ على دور العبادة، وإقامتها ورفع الشعائر الدينية فيها.

المصدر: السوري الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى