التعامل مع الانتخابات البرلمانية المقبلة سيكون على درجة من الأهمية لما سيرافقها من تغييرات في العلاقات الخارجية. هل سيندم النظام الإيراني على رفضه اقتراحاً يقوم على إعلان انسحاب العراق الجديد من جامعة الدول العربية بعد التغيير المُنتظر؟ وهو اقتراح تقدم به المعارض العراقي كنعان مكية المقرب من الإدارة الأميركية، ومن المُتّهمين بأنه لعب دوراً بارزاً في ترغيب الإدارة الأميركية بتبنّي الخيار العسكري للقضاء على صدام حسين ونظامه، وذلك خلال زيارته لطهران قبيل الهجوم الأميركي على العراق والقضاء على النظام عام 2003.
حدثني الطرف الإيراني الذي كان مُكلفاً بالتنسيق والتفاوض مع الأحزاب والقوى العراقية المعارضة بمختلف مشاربها الدينية والقومية والعلمانية، ويتولى مهمة التمهيد والتنسيق للمرحلة الانتقالية ما بعد الهجوم الأميركي والتغيير الذي سيشهده العراق، وقال إن رده على اقتراح “مكية” كان حاسماً بالرفض وعدم القبول بأن يخرج العراق من الجامعة العربية، لأن المنتظر أن يلعب العراق الجديد دوراً مختلفاً داخل الجامعة والتأثير في قراراتها، بحيث تكون أكثر انسجاماً مع الرؤية الإقليمية لإيران وعلاقاتها مع الدول العربية، وإن هذا الرفض ينسجم مع المصالح الإيرانية، حتى وإن كان هذا الاقتراح من باب إظهار حسن النيات تجاه علاقة العراق المستقبلية مع إيران، أكد في رده على كلام مكيه.
نظرة مختلفة
ما بين الموقف الإيراني عام 2003 وبين الموقف عام 2021، يبدو أن النظرة الإيرانية للعلاقات العراقية العربية اختلفت، وتحوّلت حال الحاجة الإيرانية لدور عراقي فاعل في إطار الجامعة العربية إلى مخاوف من الآثار السلبية لأي انفتاح عراقي تمارسه حكومة بغداد نحو عمقها العربي ودول الجوار الخليجي، وصولاً إلى ترميم العلاقة مع الأردن ومصر، وبناء شراكة اقتصادية وسياسية واجتماعية مع هذه الدول.
التعامل الإيراني وممارسات القوى والأحزاب العراقية الموالية لها على مدى عقدين، حوّل رهاناتها بالسيطرة والتحكم بالساحة العراقية، وأن تكون صاحبة الكلمة الفصل والنهائية في السياسات العراقية الإقليمية والعربية والدولية، إلى كابوس الخسارة الكاملة لهذا النفوذ والدور، وحتى إمكان الخروج من هذه الساحة بخسارة قد يكون من الصعب تعويضها، لذلك وإن كانت تنظر إلى الانفتاح العراقي على العمق العربي، وتحديداً السعودية والإمارات الذي قامت به حكومة بغداد خلال الأسابيع الأخيرة، بأنها خطوات لا يمكن تجنّبها، كون العراق دولة عربية لا يمكن فصله عن الدائرة العربية في المنطقة، إضافة إلى أن المصالح المشتركة في المجالات الاقتصادية والتجارية تفرض مثل هذه العلاقة، إلا أن القلق الإيراني يأتي من إمكان أن تتحول هذه المصالح وهذه الحاجة العراقية إلى أرضية تسمح لهذه الدول في توسيع دائرة تدخلها ونفوذها في هذا البلد، الأمر الذي يتعارض مع المصالح الاستراتيجية الإيرانية.
يمكن القول إن إيران تعاملت مع وصول الكاظمي إلى رئاسة الوزراء من منطلق القبول بالأمر الواقع، نتيجة فشل القوى السياسية المقرّبة منها أو التابعة لها التي تولت مقاليد السلطة التنفيذية في هذا البلد، ولم تستطع أن تقدم النموذج القادر على استيعاب كل تنوعات الشعب العراقي الفكرية والسياسية والمكوّنات المذهبية والإثنية والقومية، وقد حاولت لآخر دقيقة بأن تقطع الطريق على وصول أي طرف أو شخصية محسوبة على التيار العلماني إلى رئاسة الوزراء، وما صرّح به كبير مستشاري المرشد الأعلى وزير الخارجية الأسبق علي ولايتي في زيارته إلى بغداد في فبراير (شباط) 2018، قبيل الانتخابات البرلمانية، من أن إيران لن تسمح للعلمانيين والليبراليين والمدنيين بتولي السلطة التنفيذية، كان تعبيراً واضحاً وصريحاً عن مصادر القلق الإيراني ومكامن الخطر على دورها ونفوذها في العراق، وهي لم تقبل بوصول الكاظمي إلا بعد أن جاء اختياره في إطار صفقة وتوافق على تقاسم السلطة بينه وبين أبرز القوى والأحزاب المحسوبة عليها أو الموالية لها.
ترقّب الانتخابات
من هنا، فإن نظرتها للانتخابات البرلمانية المقبلة، سواء كانت مبكرة في الموعد الذي حددته حكومة الكاظمي في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) 2021، أو في موعدها الدستوري الطبيعي في ربيع عام 2022، هي نظرة قلقة ومتوجسة، خصوصاً في ظل ما تبديه حكومة الكاظمي الحالية من حرص على ترجمة الاتفاقات التي عقدتها مع السعودية والإمارات إلى خطوات عملية تسمح بتحويل الاستثمارات إلى عامل مساعد يدعم مشروعه في العودة إلى رئاسة الحكومة المقبلة، وفرض نفسه خياراً عربياً وإقليمياً ودولياً لا يمكن العبور عنه بسهولة، خصوصاً وأن طهران ترصد بحذر وعن قرب الحراك الذي يقوده الكاظمي والتيار المؤيد له والقوى المقربة منه، والاستعدادات التي يقومون بها تحضيراً لخوض الانتخابات المبكرة أو المقبلة، والسعي إلى حصد أكبر عدد من المقاعد التي تسمح بإعادة فرضه كخيار لا بديل عنه في رئاسة الوزراء، وهذه المرة ليس بعنوان مرحلة انتقالية، بل نتيجة لخيار برلماني داعم له.
لذلك، فإن الاهتمام الإيراني ينصب في هذه المرحلة على متابعة دقيقة لمسار الانتخابات البرلمانية العراقية المرتقبة، لأن الحكومة التي ستنبثق عن البرلمان الجديد سيكون لها الدور الأهم في رسم علاقات العراق مع دول المنطقة، خصوصاً العلاقة مع إيران من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى.
توجه الحكومة الجديدة
وفي الخلاصة، فإن طهران ترى أنه إذا سيطرت قوى “المقاومة” على الحكومة المقبلة، أي أنها استطاعت تحقيق انتصار واضح في الانتخابات البرلمانية، فإن ذلك سيساعد في الحد من المخاوف والقلق الإيرانيين، وسيضع العلاقة مع الدول العربية (السعودية والإمارات) في إطار المنطقي وستسير بكثير من الحذر والاحتياط، في حين أن العلاقة مع إيران لن تتأثر وستستمر وتتعمق بشكل أكبر وأوسع.
أما في حال انتقلت السلطة بعد الانتخابات إلى التيار الغربي أو العلماني الذي يندرج الكاظمي في إطاره بحسب التصنيف الإيراني له، فإن الأمور ستذهب باتجاه مختلف، أي أن التوجه العربي وتعميق العلاقة مع دول الجوار العربي سيكون على حساب العلاقة مع إيران، مما يعني دخول العراق تحت مظلة الدور والنفوذ العربيين على حساب المصالح الإيرانية، ومن هذا المنطلق فإن التعامل مع الانتخابات البرلمانية المقبلة سيكون على درجة من الأهمية الكبيرة في جميع أبعادها لما سيرافقها من تغييرات في علاقات العراق الخارجية.
المصدر: اندبندنت عربية