وجه المحامي العام الأول في دمشق، محمد أديب مهايني، كتاباً إلى قائد الشرطة، طالباً منه الإيعاز لكافة قادة وحدات جهاز “الضابطة العدلية” الالتزام بعدم اتخاذ أي قرارات ضبط قبل الرجوع إليه، أو القاضي المناوب، أو من يكلف بذلك من قضاة النيابة، مؤكداً أنه سيصار إلى اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين.
وتمارس أجهزة النظام الأمنية إجراءات قمع وترهيب بحق السوريين، سواء الشرطة المدنية أو العسكرية، والأمن الجنائي، وأمن الدولة، والأمن العسكري، والمخابرات الجوية، والتي تعتبر حالياً “ضابطة عدلية”، ما يسمح لها بالاعتقال والتوقيف، وحماية عناصرها من المحاسبة والملاحقة، كما تم تغييب القضاء بشكل شبه كامل خلال السنوات الأخيرة، وتغولت هذه الأجهزة، وأخذت تلعب دور القاضي، فتقر التهمة، وتقرر العقوبة أو العفو عبر ما يسمى “تسويات”، كما أصبحت أحكام العديد من المحاكم، وخاصة “محكمة الإرهاب”، تخضع للتوجيه الأمني.
وقال محامٍ سوري تحفّظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، لـ”العربي الجديد”: “لا تحترم (الضابطة العدلية) حقوق المواطنين المنصوص عليها في القانون، وهناك كثير من المقولات الدالة على ذلك، ومنها (نحن الدولة)، والاعتقال يتم غالباً عبر عمليات خطف، كما أن القانون السوري لا يسمح بملاحقة أحد عناصر هذه الأجهزة إلا بعد موافقة رئيسه، وتوجد كثير من الأمثلة حول تعاطي هذه الأجهزة مع المواطنين، وكيف تنتهك القانون، وبالتالي تضعف سيادة الدولة، منها عمليات الاعتقال العشوائي من دون وجود جرم، ومن دون إذن نيابة”.
وأضاف أنه بين الأمثلة المعروفة ” عمليات التوقيف المفتوحة رغم أن القانون ينص على أن مدة التوقيف لا تزيد عن 60 يوماً، وضرورة إبلاغ ذوي الموقوف بالجهة التي توقفه، وهناك عشرات آلاف المعتقلين والمغيبين من دون إجراءات قضائية، وفي المقابل، يمكن أن تغلق تلك الجهات أي ملف، وتطلق سراح المعتقل، فتجد أشخاصاً يخرجون عبر الفساد والرشوة، وهناك عمليات التسوية، وعمليات المبادلة، وكل ذلك خارج الأصول القانونية”.
وفصل المحامي العام بعض التجاوزات القائمة، ومنها أنه يتم إلقاء القبض على شخص بطريقة غير مناسبة، أو يتم الإفراج عن شخص من الضابطة العدلية قبل الرجوع للنيابة العامة لاتخاذ قرار، لافتاً إلى أن هناك قضاة مناوبين إلى ساعات متأخرة في الليل للبت في الضبط، وأحياناً لا ينتهي دوامهم إلا بعد انتهاء الضبوط المعروضة عليهم.
وقال مهايني إنه لا يمكن لأحد إذاعة البحث، أو كف البحث إلا بعد موافقة النيابة العامة، وإن الكتاب الأخير مكمل لموضوع إذاعة البحث وكف البحث، بمعنى أنه حين يتم عرض الضبط على القضاء، ويرى القاضي أنه يجب إذاعة البحث عن أشخاص متوارين عن الأنظار، فإنه يتخذ القرار.
وعلق الناشط الحقوقي عارف الشعال على كتاب المحامي العام، عبر موقع “فيسبوك”، قائلاً: “لم يسبق للمحامي العام كرئيس للنيابة العامة في محافظته أن وجه كتاباً شديد اللهجة للضابطة العدلية التي تعمل تحت سلطته في تعقب الجرائم، والكتاب أعقبه مقابلة مع جريدة (الوطن) يؤكد فيها على مضمونه، ويشرح أسبابه. رغم استهلال الكتاب بكلمة مجاملة لطيفة (يرجى)، غير أن نهايته كانت التلويح باتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين، وهم رؤساء المخافر، وضباط الأمن الجنائي، ما يوحي بأن السيل قد بلغ الزبى بتغوّل الضابطة العدلية كأحد أجهزة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، وامتعاض المحامي العام من التجاوزات”.
ولفت الشعال إلى أن “هذا السلوك له آثار سلبية كبيرة، إذ يوحي للمجتمع بأن السلطة التنفيذية (الضابطة العدلية) هي التي بيدها الحل والربط في التحقيقات، وهي التي تحبس، أو تترك المستجوبين بدون أي اعتبار للقضاء صاحب الولاية الدستورية في هذا الأمر، وبالتالي يظهر القضاء بمظهر التابع، بينما العكس هو الصحيح. أكد المحامي العام أنه أرسل الكتاب بناء على توجيهات من مجلس القضاء الأعلى، ومن الطبيعي أن يوجه المجلس لهذا، ليحافظ على استقلال القضاء، ولكن يتبادر للذهن سؤال: لماذا لم يقم وزير العدل باعتباره رئيس النيابة العامة والمنفذ لقرارات وسياسات مجلس القضاء الأعلى والناطق باسمه بمخاطبة قائد الشرطة بدلاً من المحامي العام؟”.
المصدر: العربي الجديد