وسط انشغال العالم بوباءٍ يهدد الإنسانية، بشقيها البيولوجي والأخلاقي، وتوقف أنشطة الأمم المتحدة وفعالياتها، يعيد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال حديثه مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، الأسبوع الماضي، توجيه الأنظار إلى العملية السياسية في سورية في إطار اللجنة الدستورية، متجاهلاً أسباب إعاقة عملها منذ لحظة تشكيلها في 23 سبتمبر/ أيلول 2019 إلى يوم إعلان المبعوث الأممي، غير بيدرسون، في إحاطته أمام مجلس الأمن في 20 ديسمبر/ كانون الأول 2019: “في ظل الوضع الراهن وعدم التوافق على جدول أعمال، لا أرى سبباً للدعوة إلى دورة جديدة للهيئة المصغرة للجنة الدستورية”، أي أنه يجد في معركته المشتركة مع “نظيره” السوري أخيرا على إدلب، والتي هجرت نحو مليون سوري، وقتلت عشرات منهم، ما يعيد الحل السياسي إلى الواجهة، وما يؤسّس لجلسة مشتركة مع وفد المعارضة في اللجنة الدستورية، لإعادة صياغة دستور يختصر الحل، ويؤسس لدولة ما بعد الثورة، وقبل النصر لأي من الطرفين السوريين.
ويأتي تجاهل الحديث بين الشريكين الرئيسين (النظام وروسيا) عن انتشار وباء كورونا، ولو بجملةٍ تطمينيةٍ بروتوكولية، بحكم إعلان روسيا عن إصابات لديها. ويمكن النظر إلى هذا التجاهل المقصود في إذاعة الخبر المعلن باعتباره رسالة داخلية لمجتمعاتهم التي يحكمونها بالنار والدستور المرن واللين حسب الحاجة، “صحة الانسان ليست من ضمن أولويات هذه الأنظمة الحاكمة”. ورسالة إلى المجتمع الدولي الذي يحتل هذا الوباء أولويةً على قائمة العمل العالمي، بكل مستوياته الرئاسية والعلمية والاجتماعية، وحتى في تغيير المنظومات القانونية والمالية، وانعكاسات ذلك على الحياة البشرية، أن روسيا ماضيةٌ في خطة ترويض الحلول السياسية لمصلحة “البندقية أو البوط العسكري”، في ظل انشغال العالم وجيوشه بتحقيق الأمان لشعوبهم، وانشغال المنظمة الأممية في تعقب الفيروس وطرق علاجه.
أن تصدق تصريحات النظام السوري في نفي انتشار وباء كورونا المستجد (كوفيد 19) في سورية أمر من شأنه أن يكون الأمنية الحقيقية المشتركة لدى كل من مؤيدي النظام ومعارضيه، حيث لا يعود للكفاح السياسي معنى، في ظل توقع انعدام الحياة بمجملها، في واقع مأساوي خلفته حرب طويلة، اعتمدها النظام وسيلة دفاع عن كرسي الحكم، موقعاً ما يفوق كل ضحايا هذا الفيروس المتوقعين إلى يوم اكتشاف علاجه، ومن ثم لقاحه الوقائي، فكيف إذا رافق ذلك وباءٌ يلتهم أجساد أحبابنا وأهالينا، وصولاً إلينا جميعاً، فحيث الاعتراف يوجب على النظام أداء واجبات الدولة لمواطنيها، في حين يكون النفي وسيلةً أسهل للهروب من استحقاقات المسؤولية القانونية والأخلاقية للنظام تجاه مواطنين جرّدهم من بنيتهم التحتية التي تحتمي بها المجتمعات في وقت الأزمات الوبائية.
قرار اتخاذ الإجراءات الوقائية في ظل انعدام وجود الوباء يؤدي وظيفة مضاعفة، وهي تهرّب الدولة من مسؤولياتها تجاه المصابين المغيبين من واقع الأرقام، كما يجنّبها، من جهة ثانية، مسؤولية تأمين مستلزمات الحجر الصحي لسوريين اعتادوا على الحجر الأمني خلال سنوات تسع من عمر ثورة الكرامة، وهو الحجر الوحيد الذي يتقنه النظام الأمني الذي اعتقل مئات آلاف السوريين، وجعل كثيرين منهم مجرّد أرقام على جثثٍ تصرّح بأنواع التعذيب.
ليس من قبيل المصادفة أن تتجاهل موسكو الحديث عن الوباء، ومخاوف انتشاره وآليات حماية السوريين منه، وهي المتهمة بتدمير المشافي السورية بشكل ممنهج، منذ دخولها العسكري المباشر إلى سورية في معظم المناطق (ريف دمشق وحماة واللاذقية وإدلب وحلب)، فحسب “ويكيبيديا”، منذ عام 2015 حتى يناير/ كانون الثاني 2016، هوجمت المرافق الطبية مائتي مرة من القوات الروسية والنظام. وصبّ الطيران الروسي نيرانه على المشافي في حلب عام 2016، لينهي عمل ستة مشاف وتدميرها كليا، كما قام بتدمير الجمعية الطبية الأميركية في سرمين، ومشفى الأطفال في أعزاز، ومشافي معرّة النعمان والأتارب وداريا. وتابعت هذه القوات عملها الممنهج حتى مارس/آذار 2020، لتدمر معظم مشافي كفر نبل وكامل ريف إدلب. واستمر هذا خلال معارك إدلب أخيرا، ما يعني أن الحديث عن أعمال وقائية أو علاجية يصبح كحديث لص عن الأمانة.
في ظل كل ما حدث، خرج علينا حديث وزير الصحة السوري، نزار يازجي، عن جيشه الذي طهّر سورية من الجراثيم حقيقة، وهو إذ ربط بين انتشار عدوى الوباء الفيروسي كورونا و”عدوى” الحرية الذي انتشرت بأسرع مما تخيله النظام، وعمل على تطويقه خمسين سنة.
حديث كشف عن مستوىً مهم في الحكومة التكنوقراط للنظام، فحيث لا يفرّق وزير الصحة بين استخدام الجيش السلاح الكيماوي الذي أذاب حياة ضحاياه في أكثر من مكان في سورية واستخدام الجيش “الديتول” لتعقيم الساحات والمنشآت العامة كما تفعل اليوم جيوش الأوطان في كل مكان. يمكن القول إن الوزير قال الحقائق التي يعرفها، أو التي يجب أن يسوقها عن جيش التطهير، وهو يعرف أنه تطهير بهدف تحقيق المجتمع المتجانس، ما يعني أنه استخدم المعقّم الذي يمكّنه من قتل كل من هو غير ذلك، فهل ينفع الكيماوي في محاربة كورونا؟ يبقى السؤال في عهدة السيد الوزير وجيش “ديتول الكيماوي”.
المصدر: العربي الجديد