المواطنة ممر إجباري لسورية جديدة وقوية 

د- أحمد فيصل خطاب  

لا تكاد تخلو وسيلةٌ إعلامية ومن وسائل التواصل الاجتماعي في الساحة السورية من الحديث عن الوطن والمواطن و… والمواطنة.والمواطنة هذه هي مفهوم تاريخي في الاساس وهو اليوم مفهوم سياسي بامتياز ، له خلفيات وترجمة سياسية في إطار الدولة العصرية، الدولة المدنية، دولة الحق والقانون والمؤسسات الدستورية.

لمحة تاريخية 

يعتقد كثيرون أن مفهوم المواطنه بدأ مع الثورة الفرنسية بعيد انفجارها في الرابع عشر من يوليو تموز عام 1789.

هذا الكلام صحيح ولكنه ليس دقيق. فمع الثورة الفرنسيه وبها تم تأصيل المفهوم ومأسسته في الإعلان الصادر عن الجمعية التاسيسية تحت إسم : “إعلان حقوق الإنسان والمواطن”. وهنا لا بد من وضع خط مشدد تحت كلمة المواطن وهو يتضمن النص على مجموعه من الحقوق الطبيعية والعامه وكذلك شروط وضعها موضع التطبيق.

هذا الإعلان الجديد تم تبنيه كمقدمة للدستور الفرنسي الجديد والذي شارك في إنجازه رجال قانون وثوريون وحتى ملكيون دستوريون وهو يتضمن سبع عشرة مادة . والأبرز فيه النص على أربعة حقوق طبيعية للإنسان  وغير قابلة للتصرف وهي :  حق الحرية ، حق الملكية،  حق الأمن ، وحق المقاومة مقاومة الطغيان والإستبداد .

عبارة حقوق الإنسان هنا تعني حقوق كل الناس :  الفرنسيين وغير الفرنسيين و المساجين والاحرار وحتى الأعداء

وأما عبارة  حقوق المواطن فهي تعني المواطنين الفرنسيين وحقوقهم المدنية وهنا مركز البحث فالفرنسي الحقيقي مثلًا بالمعنى السياسي للكلمة هو إنسان له حقوق الانسان وهو مواطن في دولة وله حقوق المواطنة وعلى اية دولة جديرة بهذا الاسم ان تحترم حقوقه كإنسان وكمواطن في آن .

بفضل هذا الإعلان التاريخي إستطاع اليهود في فرنسا على سبيل المثال الحصول على حق المواطنه ، فقد كانوا حتى الثوره لايتمتعون بهذا الحق . وحين قامت الثوره نصت على حقهم فيه كباقي الفرنسيين وقام نابليون بونابرت بالنص عليه في مرسوم خاص .

أما أول نص على المواطنه الشامله في التاريخ السياسي صدر عن حاكم … سوري !

في البدء في روما ، كانت المواطنه محصورة فقط بالأحرار وهم المسجلين على قوائم القبائل القاطنة في المدينة والمناطق المحاذية  والمواطنة التي يتمتعون بها كانت تعني المساواة في الحقوق ثم بعد ذلك تم توسيعها لتشمل كل الاحرار في إيطاليا وكانت حتى ذلك الوقت شرائح عده في المجتمع مستثناه من هذا الحق حق المواطنة وهي ثلاث : العبيد والنساء، والبرابرة أي كل من هم أجانب وغير رومانيين.

لكن نحو عام 200 ميلادية حدث تطور هام شكل مفصلًا رئيسيًا في المسيرة القانونية فقد تم منح حق المواطنة المتساوية لكل الناس الاحرار في الإمبراطورية الرومانيه وصار بإمكان أي ساكن  أو في بلاد الغال أو في سوريا مثلًا المشاركة في الشأن العام وحتى الترشيح لمجلس الشيوخ كأي سيناتور إيطالي ، وكانت تلك بمثابة ثورة قانونية ونقطة جذب جيواستراتيجية نحو روما الإمبراطورية.

والمثير والمميز هنا هو أن من كان وراء هذا التطور وتلك الثورة الحقوقية المميزة إمبراطور سوري الأم وليبي الأجداد إنه كاراكالا “Caracalla ” إبن الأميرة السورية جوليا دومنا التي ترعرعت في مدينة حمص (حمص التي كانت تسمى إميسا ) حيث كان ابوها كبيراً للكهنة في المدينة وكانت عائلتها  معروفة بخدمة اله حمص آنذاك وهو اله الشمس “كابالاس”

الامبراطور كاراكالا و بالسوري القديم معناه (قرة الله ) هو الذي أصدر القانون المعروف باسمه والذي نص على تمديد حق المواطنه ليشمل ليس فقط روما أو إيطاليا وانما كل السكان الذين يقطنون ضمن اراضي الامبراطورية الرومانية  ، وهكذا تم تحويل سكان الإمبراطورية كلهم من رعايا إلى… مواطنين

أما في بلاد االيونان ، في أثينا حيث قامت أول ديمقراطية في التاريخ حوال العام 500 قبل الميلاد ،فقد كان حق المواطنه يشمل سكانها مع إستثنائات تتضمن النساء والقاصرين والعبيد والميتيك وهم الاجانب الذين كانوا معتبرين خارج الجماعة  السياسية.

وحين حل الحدث العظيم : الثورة الفرنسيه عام 1789 تم بشكل نهائي إصدار إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي نوهنا  عنه قبل قليل، وثم بشكل شبه نهائي وضع حد لكل تمييز على أساس العرق والجنس واللون والمذهب.

مفهوم المواطنة تاريخاني – سياسي 

إذًا المواطنة في إطار العلاقة بين الفرد والدولة كما يحددها القانون وبما تتضمنه من حقوق مثل حق الإنتخاب وتولي المناصب العامه، وواجبات مثل واجب دفع الضرائب وواجب الدفاع عن الوطن تبلورت عبر مفهوم متطور و سيرورة تاريخية وممارسة عملية تتم في إطار مؤسسات وآليات تضمن ترجمته على أرض الواقع ، والحقوق التي ينص عليها باتت شبه شاملة حيث ينص على تمتع المواطنين بالحقوق المدنية والسياسية وبالحقوق الاقتصاديه، والاجتماعيه، والثقافية على أرضية المساواه أمام القانون . وهكذا صار هذا المفهوم السياسي التاريخي بمثابة حجر الزاوية في أية دولة ديمقراطية بالمفهوم القانوني للدولة الحديثة.

سوريا والمواطنة في العصر الحديث 

 حين قامت أول دولة مستقلة في بلاد الشام بعد زوال السلطنة العثمانية ، قام المؤتمر السوري العام مع إعلان الإستقلال في السابع من آذار عام 1920 بإقرار دستور جديد وقد شدد إعلان الإستقلال آنذاك على رفض أي تقسيم لسوريا ، فيما نص الدستور الذي وضعه المؤتمر الذي كان بمثابة هيئة تأسيسية أو برلمان ،  على كون البلاد ملكية دستورية ، مدنية ، لا مركزية إدارية ، يكفل الحريات السياسية والإقتصادية كما يكفل المساواة بين المواطنين.

وكان المؤتمر السوري العامل كان  يضم ممثلين من سوريا الحالية ولبنان وفلسطين والاردن- وقد قام مندوب نابلس آنذاك محمد عزة دروزه بتلاوة بيان الإستقلال وإعلان فيصل ملكًا على البلاد السورية .

المتأمل في دستور عام 1920 أول دستور سوري يرى بوضوح خطوط القوة الرئيسية في أي دستور حديث متمسك بوحدة البلاد وعدم التمييز بين المواطنين بسبب العرق أو الدين أو المذهب السياسي. وكان حق المواطنه عمليًا مضمونًا لجميع السكان القاطنين في تلك البقعة الجغرافية.

في التاريخ السياسي السوري الحديث كان النص على حق المواطنه أوضح مايكون في دستور عام 1950 الذي قامت بوضعه جمعية تأسيسية منتخبة بشكل ديمقراطي مما يعني أنه كان مقاربا لما هو معمول به في الدول الديمقراطية الحديثة، وإن مع بعض الثغرات.

اليوم وفي سوريا كان النظام الأسدي أول من داس بالممارسة ، على كل الحقوق التي ينص عليها أي مفهوم للمواطنة في دولة عصرية كحق الحياة وحق الحرية وحق العمل الحر ، هذه الحقوق التي حرم منها السوريون في ظل الدكتاتورية الأسدية المزمنه والدولة البوليسية الشمولية.

ولا يقتصر الأمر مع الأسف على السلطة الحاكمة فقط. إنما هنالك بعض من يرفع يافطة المعارضة ممن يفكر ظاهريًا أو باطنيًا بالقفز فوق هذا المفهوم والجري وراء السراب، سراب إمكانية قيام دويلات أو كانتونات أو كيانات ميكروسكوبية غير قابلة للحياة، لن تؤدي أبدًا إلى حل المسألة السورية. بل ستفتح الأبواب مشرعة أمام حروب لا تنتهي ، ونزاعات حول الحدود والثروات الطبيعية ومصادر الطاقة الجوفية كالماء والنفط والغاز وصراعات طبقية وطائفية أفقية وعمودية

مثل هذه الكنتونات المتخيلة لن تؤدي إلى التنوع والتعددية كما يزعم البعض أو يتوهم بل إلى التذررية ، إلى كيانات هزيلة محتقرة في عالم اليوم عالم التكتلات الكبرى والمحاور الاستراتيجية، كيانات هزيلة تكون ساحةً لتصفية الحسابات أمام القوى الأجنبية ومجرد سوق للإستيراد والتصدير لا أكثر .

في المقابل تبدو الجمهورية الديمقراطية كمفهوم وممارسة هي الأفق الواعد لسوريا المستقبل. والجمهورية الديمقراطية هذه تستند على معادلة : الوحدة في التنوع أو التنوع في الوحدة. فالقيم الجمهورية تضمن وحدة وسيادة الدولة والبلد، والقيم الديمقراطية تضمن فتح الفضاء العام أمام التنويعات والتلوينات التي تزخر بها سوريا كما تضمن التعددية للقوى السياسية والتيارات الفكرية للتعبير عن ذاتها بكل حرية.

 هكذا إذن تبدو المواطنة أمام عيوننا اليوم الممر الإجباري لسوريا جديدة وقوية، سوريا جمهوريه مدنية ديموقراطية ليست جزيرة معزولة إنما هي كذلك منفتحة على فضاء واسع في جوارها ومحيطها الإقليمي والدولي.

إننا نقف اليوم في سوريا أمام إختيار تاريخي بين مسارين :

بكلمة أمامنا اليوم كسوريين دينامياتان ، سيرورتان : دينامية التقسيم والتفتيت والتصغير حتى التصفير ، ودينامية التوحيد والتكبير والنهضة وبناء القوة .

وعلينا أن نجري، كلاً من موقعه، عملية مراجعة واسعة ومعاينة شاملة ضمن رؤية إستراتيجية بعيدة لمستقبلنا ومستقبل أبنائنا وأجيالنا القادمة… ثم بعدها يمكننا أن نحسم الخيار.

إن مثل هذه الكنتونات المتخيلة لن تؤدي إلى التنوع والتعددية كما يزعم البعض أو يتوهم بل إلى التذررية ، إلى كيانات هزيلة محتقرة في عالم اليوم عالم التكتلات الكبرى والمحاور الاستراتيجية، كيانات هزيلة تكون ساحةً لتصفية الحسابات أمام القوى الأجنبية ومجرد سوق للإستيراد والتصدير لا أكثر.

في المقابل تبدو الجمهورية الديمقراطية كمفهوم وممارسة هي الأفق الواعد لسوريا المستقبل. والجمهورية الديمقراطية هذه تستند على معادلة : الوحدة في التنوع أو التنوع في الوحدة. فالقيم الجمهورية تضمن وحدة وسيادة الدولة والبلد، والقيم الديمقراطية تضمن فتح الفضاء العام أمام التنويعات والتلوينات التي تزخر بها سوريا كما تضمن التعددية للقوى السياسية والتيارات الفكرية للتعبير عن ذاتها بكل حرية.

 هكذا إذن تبدو المواطنة أمام عيوننا اليوم الممر الإجباري لسوريا جديدة وقوية، سوريا جمهوريه مدنية ديموقراطية ليست جزيرة معزولة إنما هي كذلك منفتحة على فضاء واسع في جوارها ومحيطها الإقليمي والدولي.

إننا نقف اليوم في سوريا أمام إختيار تاريخي بين مسارين:

بكلمة أخرى أمامنا اليوم كسوريين دينامياتان ، سيرورتان : دينامية التقسيم والتفتيت والتصغير حتى التصفير ، ودينامية التوحيد والتكبير والنهضة وبناء القوة .

وعلينا أن نجري، كلاً من موقعه، عملية مراجعة واسعة ومعاينة شاملة ضمن رؤية إستراتيجية بعيدة لمستقبلنا ومستقبل أبنائنا وأجيالنا القادمة… ثم بعدها يمكننا أن نحسم الخيار.!

 

المصدر: سوريا الأمل 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى