دخل اتفاق وقف العمليات العسكرية في إدلب والأرياف القريبة منها شمال غربي سوريا، يومه الـ 16 ، وسط تكرر الخروقات من قبل قوات النظام السوري، تزامناً مع عودة التنظيمات القاعدية الى واجهة المشهد، حيث أعلنت وزارة الدفاع التركية قصف أهداف محددة لجماعات راديكالية في محافظة إدلب؛ رداً على هجوم تعرضت له وحدات من الجيش التركي أدى لمقتل جنديين.
وأكدت وزارة الدفاع التركية الجمعة، شن جماعات راديكالية هجوماً بالصواريخ على القوات التركية المكلفة بمهام في منطقة خفض التصعيد بإدلب، وأوضحت أن الهجوم نتج عنه مقتل جنديين وجرح ثالث. ووقع الهجوم ظهر أمس بالقرب من بلدة «محمبل» في ريف إدلب على الطريق الدولي، أثناء مهمة استطلاعية للجيش التركي بهدف إنشاء نقطة عسكرية جديدة، حيث أفادت الوزارة في بيان لها أمس، أن بعض الجماعات الراديكالية شنت هجوماً بالصواريخ على القوات التركية، فيما ردت الأخيرة بالمثل على الهجوم، ضربت على الفور أهدافاً محددة في المنطقة.
الجيش التركي تعرض منذ دخوله العسكري في سوريا إلى العديد من الهجمات التي وقفت خلفها جهات ودول عدة، وصولاً إلى تنظيمات متطرفة، إلا أن الهجوم الأخير الذي تعرض له الجيش التركي في إدلب يوم الخميس، يعد الأول من نوعه، بعد الإعلان عن وقوف جماعات ردايكالية موالية لتنظيم القاعدة خلف العملية التي أدت إلى مقتل جنديين من الجيش التركي وإصابة آخرين.
ومن المرجّح أن يكون عناصر من تنظيم «الدولة» أو النظام من فعل ذلك، خاصة في ظل انتشار خلايا نائمة للطرفين، فللتنظيم مصلحة في خلط الأوضاع ليضرب خصومه، كما أن للنظام فائدة كبرى في ضرب التنظيمات الجهادية في المنطقة.
الباحث في شؤون الحركات الدينية والتنظيمات الجهادية «عرابي عرابي» تحدث لـ»القدس العربي» عن احتمالات عدة حول هوية الجهة المنفذة للهجوم، وقال إن تنظيم حراس الدين، نفى لوسائل الإعلام أن يكون له يدٌ في استهداف الجيش التركي بشكل رسميّ، وقامت حسابات عدة تابعة لعناصره وحسابات أخرى مقربة منهم على تويتر ومنصات التواصل الاجتماعي بنفي الخبر وتأكيد أن الأمر لا يعدو أن يكون من تدبير عناصر من تنظيم الدولة أو النظام بهدف خلط الأوضاع. وأشار المتحدث الى أن تركيا ردّت على مصادر النيران بحسب بيان وزارة الدفاع، إلا أنها لم تستهدف سوى قوات النظام، مما يرجّح وصول القوات التركية لمعلومات تؤكد اشتراك النظام في الاستهداف المزدوج بعبوتين ناسفتين وقصف مدفعي وقع بعد ذلك بقليل.
يمكن تحصيل فائدة متعددة من هذا الاستهداف، لعدة أطراف، بحسب قوله، كروسيا التي ستتحقق غايتها ببدء تسيير الدوريات على الطريق، وكالهيئة التي سيكون لديها الذريعة لدعم تسيير الدوريات التركيّة، وتقديم حجة مقنعة للجموع التي حُشِدَت بهدف تنفيذ الاعتصامات الرافضة لفتح الطريق، أما الحراس فإنهم الحلقة الأضعف في الاستفادة، حيث من الممكن أن تنقلب الحادثة ضدهم، فتتخذها تركيا ذريعة لشن هجمات عليهم من خلال الفصائل أو تفكيك التنظيم وإجبار الأجانب فيه على مغادرة البلاد.
ويأتي توقيت العملية في مرحلة بالغة الحساسية، بحسب رؤية خبراء ومراقبين لـ»القدس العربي»، وذلك سواء لتركيا التي تريد ضمان استمرار الاتفاق على الرغم من هشاشته، وكذلك قوات النظام والميليشيات الإيرانية التي تحشّد في محيط ريف إدلب الجنوبي وجبل الزاوية وسراقب، وذلك بالتوازي مع ذكرى الثورة والرفض الشعبي العام لممارسات بعض التنظيمات الجهادية، والرفض الشعبي العام لفتح طريق إم 4 بمشاركة الدوريات الروسية.
ولتلك الأسباب اعتقد الباحث في شؤون الحركات الدينية والتنظيمات الجهادية، أن هذا الاستهداف سيؤثر في التعاطي مع الاعتصام المستمر في بعض نقاط الطريق، وكذلك مآلات التنظيمات الجهادية.
وأضاف الباحث لـ»القدس العربي»، انه في إطار الاتفاق التركي الروسي لا بد من استذكار إعلان هيئة تحرير الشام وقائد تنظيم حراس الدين موقفيهما من مسألة الاتفاق والمحاذير التي تنتج منه، وذلك باعتبارهما أهم فصيلين جهاديين في الساحة، على الرغم من أن السيطرة المطلقة تعود للهيئة وليس للحراس.
وكان بيان الهيئة قد ركز على رفض الاتفاق تحت بنود كثيرة أهمها عموميته وهشاشته، إضافة الى كونه مؤقتًا بطبيعة الأحوال، ويمنح النظام مزيدًا من الأراضي التي لم يسيطر عليها في معاركه العسكرية.
كما ذكّر الناس بالقِيَم التي انطلقت الثورة لتحقيقها كالكرامة والحريّة والعدالة وأن هذا الاتفاق لن يمنح السوريين هذه القيم ولذا فإنه لا بد من استمرار المقاومة باعتبارها أمرًا مشروعًا، وطريقًا وحيدًا لاسترداد الأرض المغتصبة، والتحرر من الاحتلال الروسي والإيراني.
أما في بيان الحراس ناشد «أبي همّام الشامي» الناس على الثبات والتجهيز للقتال وضرورة الانصياع للشريعة، وغير ذلك من النقاط المشابهة لبيان الهيئة.
هذان البيانان يرسمان، بحسب وصف «عرابي» صورة المشهد الجهاديّ وموقف هذين الفصيلين من تركيّا، حيث قال ان الهيئة لا تعلن بشكل رسميّ رفض تركيا بل شكرتها وطالبتها بدعم صمود الشعب السوري، أما كلمة قائد الحرّاس فإنها لم تتعرض لتركيّا بالرفض أو التكفير إلا أنه أشار لمزًا إلى الضامن الذي لم يفِ بالتزاماته ووصفه بأنه يستخدم وجوده في الأرض السورية ورقة لتحقيق أهدافه.
إلا أنّه بالرغم من ذلك فإن كلا الطرفين لا يعلن عن عداء أو رفضٍ لوجود تركيا في المناطق المحررة ووجّه الطرفان نداءً لحواضنهما الشعبية بضرورة رفض الاتفاق، مع ملاحظة أن الفصيلين لم يعلنا عن رفض فتح الطريق وتسيير دوريات تركية فيه، ولم يرفضا الاشتراك في المعارك التي مهّد لها الجيش التركي بالمسيّرات والقصف الصاروخي والمدفعي.
المصدر: «القدس العربي»