المخطط بدأ مع وصول بشار الأسد للسلطة وكشفته الثورة السوريةالتغيير الديموغرافي في سورية مشروع إيراني عابر للحدود

شهدت سورية خلال العقد الماضي حربا متعددة الجبهات، كان أبرزها المعركة التي دخلها رئيس النظام بشار الأسد ضد مطالب التغيير في البلاد والتي أدت إلى مقتل آلاف السوريين وتهجير قسري طال 13 مليونا من إجمالي السكان، إلا أن الجغرافية السورية دخلت بدورها خلال العقد الماضي ضمن سياسات خطيرة ومخططات حساسة، قادها الأسد والنظام الإيراني، وهي حرب استهدفت النسيج الاجتماعي المحلي، بغية إحداث تغيير ديموغرافي وهندسة سكانية وفق الغايات الإيرانية ومشروعها العابر للحدود.

مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، أكد أن النظام السوري مارس عدة مخططات في الهندسة السكانية والتغيير الديموغرافي، مستبعدا نجاح بشار الأسد في إحداث تغيير ديموغرافي في البلاد، على اعتبار أن الغالبية السكانية هي من الأكثرية السنية.

وقال لـ «القدس العربي»: النظام السوري غير ديموغرافيا عدة مواقع سورية، لعل أبرزها محافظة حمص- وسط وفي محيط دمشق ودير الزور وريف حلب، وهنا استخدم النظام العديد من الأدوات للتغيير الديموغرافي، منها المجازر الطائفية والعنف الجنسي بهدف إرهاب السكان، والقوانين التي تسمح له بالسطو على أملاك السوريين.

ويرى مدير الشبكة السورية، أن التغيير الديموغرافي مرتبط إلى حد كبير بالتهجير القسري للسوريين، فعدد المهجرين اليوم يقدر بحوالي 13 مليونا بين نازح داخليا ولاجئ خارج الحدود، وهي حرب تهدف إلى التغيير الديموغرافي.

كما أن الأسد يقوم بتجنيس غير السوريين، وهو غير قانوني وغير شرعي، كما اعتبر المصدر أن النظام ارتكب جرائم ضد الإنسانية بغية الوصول إلى مبتغاه، إضافة إلى استغلال الأسد لفقر السكان المحليين، لتغيير توجههم الديني، في خطوة تتبع لسياسات النظام الإيراني.

مخطط إيراني

يرى خبراء في الشأن السوري، أن ملف التغيير الديموغرافي في سوريا، لم يولد بسبب إنطلاق الاحتجاجات الشعبية في البلاد عام 2011 بل أن الثورة كانت من أهم العوامل الكاشفة لخفايا المشروع الذي تقوده إيران في المنطقة العربية، والذي يشمل عددا من الدول العربية كالعراق ولبنان، سوريا واليمن.

وأن دمشق باتت مهيئة لتنفيذ ذلك المخطط مع سيطرة بشار الأسد على السلطة بعد تعديل الدستور خلال فترة وجيزة للغاية، وهو ما شرع الأبواب على مصراعيها للتغلغل الإيراني وتطبيق التغيير الديموغرافي على عدة مستويات باستخدام أدوات ناعمة بداية لاقتحام المجتمع السوري، واستغلال وجود بعض المواقع المذهبية لطهران في سوريا والتي شكلت معسكرات لإحداث التغيير في النسيج الاجتماعي المحلي.

الخبير في العلاقات الدولية محمد العطار، قال لـ «القدس العربي»: «التغيير الديموغرافي الفعلي بدأ في سوريا منذ عام 2005 جراء تعاون وتماهي بشار الأسد مع الرغبات الإيرانية، واستقبال قوافل الحجيج الإيراني إلى ما يسمى المناطق المقدسة-المراقد الدينية في سوريا».

وهي سياسة ساهمت بمضاعفة أعداد الإيرانيين في البلاد أضعاف ما كانت عليه في عهد والده حافظ الأسد، مضيفا، حتى تلك المرحلة، لم يصل المخطط إلى مرحلة التغيير الديموغرافي في النسيج السوري، بل يمكن وصفه بالتغلغل الديني المذهبي، ثم بدأت مرحلة استغلال الفقر والعجز المالي لبعض السوريين في مواقع مختلفة من العاصمة- دمشق إلى سهول حوران جنوبا، وصولا للشرق السوري ووسط البلاد.

نقطة التحول الكبرى، وفق الخبير العطار، بدأت بعد اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري، إذ توجه بشار الأسد آنذاك للاستعانة بالقوة الإيرانية المتنوعة، حتى توغلت طهران في مفاصل الدولة السورية بما فيها مؤسسات مدنية وعسكرية، أما على صعيد المجتمع فتوغلت عبر الجمعيات الخيرية والاعتماد على المشافي والمراكز الطبية.

بعد انطلاق الثورة في عام 2011 ساهمت إيران إلى حد ما في دفع النظام السوري نحو الحل العسكري الشامل لمواجهة السوريين، ثم أوعزت لزعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله بعبور الحدود اللبنانية-السورية، ليس لحماية النظام السوري فحسب، بل كبداية لتطبيق التغيير الديموغرافي في الجغرافية السورية، وهو ما حصل فعلا، إذ استولى حزب الله على مدن وبلدات وانتشر في مساحات أكبر بحجة الدفاع عن الأسد ونظامه، فارتكب مجازر مروعة بحق السوريين، أسوة بجيش ومخابرات النظام، وكل ذلك تم برعاية وتأييد إيراني مباشر.

وفي خطوة تالية للمخطط الإيراني، بدأ الحرس الثوري الإيراني بشحن آلاف المقاتلين من عشرات الميليشيات المذهبية الطائفية إلى سوريا، وكذلك الميليشيات القومية الموالية للمخططات والمشاريع الإيرانية، وهو ما ساهم بدوره في تثبيت الأقدام الإيرانية في العديد من المحافظات السورية.

ثم بدأت إيران بإرسال المعممين الشيعة إلى سوريا، بهدف الترويج للتشيع عبر استخدام عدة طرق خدمية ومذهبية، خاصة في المدن والبلدات التي تمركزت فيها الميليشيات الطائفية والتي يبلغ تعدادها أكثر من 65 ميليشيا شيعية.

هنا بدأ النظام السوري بتجنيس عناصر تلك الميليشيات ومنحهم بطاقات الهوية السورية، وهذا ما أكده بشار الأسد في خطاب له، عندما تحدث عن مجتمع متجانس، وأن سوريا لمن يدافع عنها فقط.

مصلحة إيران لم تكن بإنهاء الحرب في سوريا والتي كانت هي أحد أبرز أركانها، إذ كانت طهران بحاجة ماسة لعامل الوقت لتأسيس قاعدة اجتماعية ودينية وعسكرية تؤسس لمرحلة بالغة الحساسية في سوريا، تبدأ معها سياسة إحداث حزام أمني مذهبي حول العاصمة، وهو ما تم فعلا إذ انتشرت الميليشيات الإيرانية والحرس الثوري على طول المناطق المحاذية لدمشق، وشيعت العديد من المناطق وعدد ليس بالقليل من العائلات السورية التي كانت تحمل هوية الأكثرية.

وقال العطار: إيران خططت لمعادلة التغيير الديموغرافي قبل الثورة السورية وكثفت جهودها في ذلك منذ انطلاق الثورة التونسية، فهي كانت تدرك بأن المجتمع الدولي سيرفض تواجدها في سوريا.

لذلك اعتمدت على القوة الناعمة المبنية على حاجة السوريين وتأثرهم بنتائج الحرب لتحقيق ما تصبو إليه، في حال تم إجبارها على الانسحاب العسكري من البلاد، فهي بذلك ستكون قد بنت قاعدة محلية تمهد لإعادتها مستقبلا.

ثلاث فيدراليات عسكرية

أما السياسي السوري درويش خليفة، فيرى أن خطة النظام وحلفائه الطائفيين بعد تهجير أهالي القصير في ريف حمص الغربي من قبل قوات النظام السوري وميليشيا حزب الله اللبناني عام 2013 أنهم ذاهبون بهذا الاتجاه من خلال قتل مناهضي الأسد أو اعتقالهم وتهجير ذويهم وقتلهم في الكثير من الأحيان.

إلى أن تدخلت الحكومة الروسية عسكريا ليصبح قتل سكان المناطق الثائرة جوا من خلال القصف بالطائرات وتهجيرهم برًا.

وكل هذا حدث أمام مرأى الأمم المتحدة والدول الخمس الكبرى دون تحريك ساكن منهم بأستثناء بعض الإدانات والبيانات الصحافية.

خليفة قال لـ «القدس العربي»: ما نسمعه من تصريحات قادة الدبلوماسية الإقليمية والدولية المعنية بالشأن السوري، لا تعكس الواقع بوحدة سوريا واستقلالية قرارها، وهذا ما يتجلى بوجود ثلاث فيدراليات عسكرية مصيرها البقاء عقدا آخر من الزمن على أقل تقدير، من وجهة نظري.

التغيير الديموغرافي أو الهندسة الديموغرافية كما يروجها البعض؛ جريمة عندما تتم بإقتلاع الناس بالقوة من أراضيهم وتهجيرهم بسبب مطالبهم الحقة في التغيير والعيش الكريم.

ويرى السياسي المعارض، أن التهجير الجماعي، يمكن تعريفه بترحيل مجموعة من الأفراد من موقع جغرافي إلى آخر، يكون جريمةً في حال حصل قهراً دون رضى المهجّرين، أو في غياب السند القانوني، أو لم تتوفر شروط السلامة والحماية المطلوبة أثناء التنقل.

ويشمل مفهوم الترحيل إذا ما كان بإشراف قوة عسكرية أو شبه عسكرية من خلال تسيير عملية التنقل، أو من خلال فرض واقع أمني أو اقتصادي أو صحي لا يترك للمدنيين خياراً سوى الهجرة من محل إقامتهم. وبالتالي إعادة توطينهم عبر عملية إسكان واسعة في أرض دون رضى أصحابها، بغرض تغيير التركيبة الديموغرافية للرقعة الجغرافية المستهدفة.

المصدر: “القدس العربي»

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى