مروان الحموي… رجل في ذاكرة رزان زيتونة

حسام جزماتي

في الثانية عشرة من عمرها كان على رزان أن تعرف بلدها جدياً. فحينها قررت أسرة الحقوقي رشاد زيتونة والمعلمة منيرة الحموي الإقامة أخيراً في دمشق بعد مغترب طويل ومتعدد تخللته ولادة رزان في طرابلس الليبية عام 1977، وطفولتها في العاصمة السعودية الرياض التي كانت آخر محطات الترحال.

بعد العودة بمدة قصيرة قُدّر لليافعة النابهة أن تخوض تجربة مؤسِّسة على الأرجح. ولا يغيّر من هذا الافتراض، بل ربما يعززه، حقيقة أنها لم تذكرها سوى مرة واحدة في مقدمة إحدى كتاباتها المبكرة. ففي مستهل دراستها القصيرة «حقوق المعتقل السياسي في سوريا«، التي نشرت في عام 2004، كتبت ناشطة حقوق الإنسان الصاعدة:

«ما زالت أشباح صور تتراءى لي حول “زيارة خاصة” كانت والدتي تصطحبني فيها في طفولتي البعيدة، كنا نذهب إلى سجن عرفت فيما بعد أنه “سجن صيدنايا”، لزيارة قريب لنا معتقل.

ماذا فعل؟ “عمل بالسياسة” تجيبني والدتي. في ذلك الوقت ومن خلال “تنصتي” على أحاديث الكبار، تعلمت أن أولئك الذين “يعملون في السياسة” يسجنون في مكان بعيد، يزورهم أقاربهم في فترات متباعدة، ويحملون لهم طعاماً يسرق الحراس معظمه!! لكن وقتاً طويلاً استغرقني حتى علمت أن لهؤلاء الأشخاص عالماً آخر يعيشونه، منذ لحظة اعتقالهم وحتى ما بعد الإفراج عنهم، أبسط ما يقال فيه أنه غير إنساني».

ستصبح قضية المعتقلين السياسيين أهم انشغالات زيتونة؛ دفاعاً أمام «محكمة أمن الدولة العليا»، وكتابة في المنابر المتاحة، وارتباطاً إنسانياً بهم، وتواصلاً مع ذويهم، وتقديم الدعم الممكن لهم في أثناء سجنهم وبعد الإفراج عنهم. ولكن من بين كل من قدّمتهم إلى واجهة المشهد، من معتقلي «المنظمة الشيوعية العربية» حتى السجناء السلفيين الجهاديين السوريين في غوانتانامو، غاب اسم الخال مروان الحموي.

لم يُسجن أبو زهير لوقت قصير. فعندما صودف أن زارته رزان زيتونة برفقة والدتها كان يقترب من الإفراج عنه بعد أن دخل عامه السابع عشر في السجون، من المزة حتى صيدنايا، بعد أن كان يشغل منصباً رفيعاً في دولة حافظ الأسد هو المدير العام للوكالة العربية السورية للأنباء (سانا).

ولد الحموي في عام 1938 غالباً. انتسب مبكراً إلى حزب البعث وكان من المحسوبين على تيار «القيادة القومية» من أجنحة الحزب الذي استولى على السلطة في آذار 1963. وبين الصراعات الداخلية تبلورت مجموعة يسارية في رئاسة الاتحاد العام لنقابات العمال وجريدته «الاشتراكي» (كفاح العمال الاشتراكي) التي كان يرأس تحريرها جورج طرابيشي، المثقف المعروف لاحقاً. وعندما أطاح تيار اليمين، الذي كان مهيمناً وقتئذ، برئاسة الاتحاد هذه غيّر طاقم الجريدة التي تولاها طارق عزيز، وزير الخارجية العراقي في ما بعد وكان لاجئاً في سوريا، وصار مروان الحموي سكرتير تحريرها.

لكن هذا لم يستمر إلا لوقت قصير إذ قام يسار البعث بانقلابه في شباط 1966، ووجد الحموي نفسه خارج الحزب ونُقل إلى وزارة الإعلام ثم إلى خارج البلاد؛ ملحقاً صحافياً في السفارة السورية بالقاهرة، تحت إدارة السفير سامي الدروبي المثقف والمترجم المعروف، ثم ملحقاً صحافياً في مكتب جامعة الدولة العربية بنيويورك وموظفاً في البعثة.

في تلك الأثناء كان حافظ الأسد قد أنجز انقلابه المشتهر باسم «الحركة التصحيحية» ضد رفاقه في يسار الحزب، وكان يحتاج إلى عدد من البعثيين القدامى لاستلام المناصب المفصلية التي شغرت. ومنها إدارة وكالة سانا التي كانت في عهدة حسين العودات، مؤسسها الفعلي والمعارض المعروف في سنوات بعيدة تالية. وكان العودات، في النصف الثاني من الستينيات وحتى استيلاء الأسد على الحكم، محسوباً على التيار اليساري القريب من الماركسية. مما دفع الرئيس الجديد إلى إعفائه من مهامه، في آذار 1971، وتعيين الحموي.

كانت تلك سنوات حاسمة أتقن فيها المدير الشاب لوكالة الأنباء دوره لأربعة أعوام. وفي ربيع 1975 كان الرفيق مروان أحد أعضاء المؤتمر القطري السادس المزمع عقده للبعث في سوريا عندما تبيّن أنه، في الوقت نفسه، عضو القيادة القطرية السورية السرية المرتبطة بالبعث في العراق، في خضم الصراع الحاد الذي انفجر بين البلدين.

قبضت مخابرات دمشق على الأمين القطري التابع للعراق وعلى أعضاء قيادته بوشاية واحد منهم قيل إنه أحمد دياب، الذي سيكافئه المؤتمر بعضوية القيادة القطرية السورية الحاكمة ثم برئاسة مكتب الأمن القومي بعد سنوات. وفي مخرجات المؤتمر خصصت فقرة كاملة من عدة بنود للعراق، تضمنت إدانة «الحكم اليميني المشبوه» هناك، والتأكيد على «ارتباطه الكامل بالإمبريالية والاستعمار»، واستنكار ما يمارسه من «محاولات الاستفزاز والتأليب» ضد شقيقه السوري. أما المعتقلون، قبيل المؤتمر، فسيقضون في غياهب السجون سنوات، لارتباطهم بتهمة هي الأشد خطورة لدى حافظ الأسد بعد الانتماء إلى الإخوان المسلمين أو الطليعة المقاتلة.

لم تخبرنا رزان بما يمكن أن يضيء لنا شيئاً عن علاقتها بالرجل الذي عاصرته منذ خروجه من السجن في 1991 وحتى تخفّيها بعد قيام الثورة في 2011. من دون أن نحتاج إلى تاريخين آخرين هما اختطافها، مع رفاقها، في أواخر 2013، ووفاة الحاج مروان في دمشق في 2017. ما أمكن العثور عليه فقط هو ظهور وحيد له في لحظة مفصلية من حياتها، في الثانية والعشرين، بعد عشر سنوات من تعرفها عليه، خريجة حديثة في كلية الحقوق، والخال يتوسط، عبر صديق ثالث، لدى المحامي هيثم المالح لتتلقى تدريبها المهني في مكتبه ثم لتنطلق في عمل لا يهدأ في مجال حقوق الإنسان.

 

المصدر: تلفزيون سوريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى