وسط احتفالات واسعة هي الأولى من نوعها، عمّت مناطق شمال وشمال شرقي سوريا، بدعم من قوى الثورة و»هيئة تحرير الشام» و»قسد» بذكرى الثورة العاشرة، جدد سفراء 9 دول صديقة للشعب السوري، استمرار نصرتهم لعملية الانتقال السياسي ومطالب الثورة، وفقًا لبيان جنيف والقرارات الدولية، وذلك خلال لقاء افتراضي عقده الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، بحضور رئيس الائتلاف الوطني نصر الحريري، ورئيس الحكومة السورية المؤقتة عبد الرحمن مصطفى، وأعضاء من الهيئتين السياسية والعامة، بمناسبة مرور الذكرى العاشرة على انطلاق الثورة ضد النظام السوري.
وعُقد اللقاء في مدينة إعزاز في ريف حلب شمال سوريا، حيث أكدت دائرة العلاقات الخارجية في الائتلاف، أن الاجتماع مع سفراء وممثلي الدول الصديقة للشعب السوري، ناقش آخر مستجدات الأوضاع الميدانية والسياسية بعد مرور عشر سنوات، وذلك في مقر الائتلاف الوطني بمدينة اعزاز في ريف حلب.
وحضر الاجتماع، ممثلين عن دول الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، اليابان، الدنمارك، المملكة المتحدة، فرنسا، أستراليا، بلجيكا، وإسبانيا، حيث قدم الحريري إحاطة حول الذكرى العاشرة للثورة السورية، وتطورات العملية السياسية واللجنة الدستورية السورية.
وتحدث وزير الصحة في الحكومة السورية المؤقتة مرام الشيخ، حول الأوضاع الطبية والصحية في المناطق المحررة، وعدد الإصابات الحالية بفيروس كورونا، وخطة الاستجابة لاحتواء الفيروس والتصدي له. كما قدم المدير التنفيذي لوحدة تنسيق الدعم محمد حسنو، شرحاً حول الأوضاع الاقتصادية في المناطق المحررة بظل ظرف جائحة كورونا، وتحدث عن قطاع الزراعة وقطاع التجارة.
وتحدث عضو الهيئة السياسية ياسر فرحان حول ميثاق الثورة السورية لحقوق الإنسان والحريات العامة، كما تحدث عن ضرورة إنشاء تحالف دولي لتحقيق العدالة والمحاسبة في سوريا، يضم مع الحكومات الصديقة، وممثلين عن روابط الضحايا وتجمع الناجيات، واللجان المختصة في المعارضة، والمنظمات السورية والدولية المعنية؛ وأكد على الحاجة إلى بناء استراتيجية متكاملة تضمن منع أي إفلات من العقاب، باستثمار مسارات المحاكمات الدولية والوطنية كافة، والآليات المعتمدة في الأمم المتحدة، وفقاً لأولويات النظر في ملاحقة المجرمين المستمرين في جرائمهم من قيادات نظام الأسد والمتحالفين معه؛ كما شدد على ضرورة إنقاذ المعتقلين باتخاذ خطوات فعلية عاجلة لدخول جهات المراقبة الدولية السجون ومراكز الاحتجاز السرية والعلنية، ضمانةً لوقف التعذيب والتصفية؛ لدى نظام الأسد.
أوضاع اللاجئين
وتحدث منسق مكتب اللاجئين عدنان رحمون، عن أوضاع اللاجئين السوريين في دول الجوار والشتات، وعرض من خلالها سرداً سريعاً لملف اللاجئين، والأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة حول حركة النزوح الداخلي واللجوء الخارجي للسوريين. من جانبه استعرض منسق فريق عمل متابعة قانون قيصر عبد المجيد بركات العقوبات الدولية المفروضة على نظام الأسد، وأكد على ضرورة تضافر جميع الجهود وتركيزها على استهداف النظام ورموزه.
وأكد السفراء الدوليون على دعم الشعب السوري في مطالبه بالحرية والديمقراطية، والمضي في سبيل فرض العقوبات على رأس النظام ومجرمي نظامه كجزء من مسار المحاسبة، كما أكدوا على دعم الانتقال السياسي في سوريا وفق بيان جنيف والقرارات الدولية، وعبروا فيها عن أمانيهم بنهاية معاناة الشعب السوري وأوجاعه، وتحقيق طموحاته وأحلامه بعد عشر سنوات من التضحيات بالحرية والكرامة والديمقراطية.
في غضون ذلك، احتفلت مناطق إدلب وشرق سوريا بذكرى الثورة العاشرة على نحو واسع ولافت، وتحدث في هذا الإطار كبير الباحثين لدى مركز جسور للدراسات عبيدة فارس لـ»القدس العربي» حيث قال «لم يسبق لهيئة تحرير الشام وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي تنظيم أو السماح بتنظيم المظاهرات والدعوة لها». ففي إدلب، دعت حكومة الإنقاذ، وهي جهاز إداري تابع لهيئة تحرير الشام، إقامة مظاهرة مركزية في مدينة إدلب وقامت بتنظيمها وحمايتها والحشد لها وتسهيل الوصول إليها للنازحين في المخيمات، وكذلك كتابة الشعارات ورفع علم الثورة السورية. وهي المرة الأولى التي لا يتم رفع راية هيئة تحرير الشام ولا حتى علم حكومة الإنقاذ الذي يختلف عن علم الثورة باستبدال النجوم في وسطه بشعار التوحيد.
أما في شرق الفرات، فدعا حزب سوريا المستقبل وحزب الحداثة والديمقراطية لسوريا ومجلس إدلب الخضراء لإقامة مظاهرات في منبج شرق حلب والحسكة والكسرة غرب دير الزور والرقة والطبقة جنوب الرقة ومدينة الرقة نفسها. فيما اكتفى حزب الاتحاد الديمقراطي بإصدار بيان احتفاء ودعماً للثورة السورية دون المشاركة في الدعوة للمظاهرات أو تنظيمها، وكذلك كان موقف مجلس سوريا الديمقراطية، وهي جناح سياسي لقوات سوريا الديمقراطية، الذي احتفى أيضاً بالذكرى.
رسالة مشتركة
وحول الرسائل التي أراد كل من هيئة تحرير الشام وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي إيصالها، في هذا التفاعل غير المسبوق مع ذكرى الثورة السورية، لا سيما وأنّ كلا الطرفين كانا يحظران استخدام علم الثورة ورموزها وشعاراتها، قال الباحث السياسي عبيدة فارس إن «هيئة تحرير الشام، تحاول التأكيد على استمرار جهودها في التخلي عن خطاب وأفكار التنظيمات الجهادية، وإعادة تعريف نفسها كتنظيم عسكري محلي ذي أفكار إسلامية، على أمل أن يساهم ذلك في إزالة التصنيف عنها من قوائم الإرهاب».
وبرأي المتحدث فإن هيئة تحرير الشام استغرقت مدّة زمنية للقبول بهذا التحوّل في التعاطي مع شعارات ورموز الثورة السورية، وبالتالي يبدو مفهوماً قيام حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بخطوات تدريجية إذا تناسب هذا التحوّل مع أهدافه، كما أنه لا يبدو أنّ احتفاء هيئة تحرير الشام بذكرى الثورة السورية يهدف إلى إيصال رسائل ثقة للمعارضة السورية على اعتبار تقلّص مساحة الاختلاف على الرموز والشعارات والأفكار.
وعزا المتحدث السبب إلى أن هيئة تحرير الشام ما تزال حريصة على الحفاظ على السلطة في إدلب دون تقاسمها مع أطراف أخرى، بقدر ما هي رسائل موجهة للفاعلين الخارجيين.
كما يحاول حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي التلويح بإمكانية تخليه عن الأجندة الانفصالية، وأنّه بصدد إعادة تعريف نفسه كحزب سوري وطني، على أمل أن يساهم ذلك في اختبار الثقة مع تركيا التي أبدى الاستعداد للحوار معها، ويحاول حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي إبداء رغبة في الانفتاح على المعارضة السورية، وهذا ينسجم مع إعلانه الاستعداد لإقامة حوار معها عام 2021. كما أنّه بذلك يحاول الضغط على النظام السوري لا سيما بعد تعثّر المباحثات الثنائية نتيجة رفض هذا الأخير لشروطه حول نموذج الإدارة وطبيعة الصلاحيات، وفقاً للباحث السياسي.
كما أنّ قبول حزب الاتّحاد الديمقراطي الكردي بالاحتفاء بذكرى الثورة السورية في مناطق سيطرته شرق البلاد، لا يبدو نتيجة قناعات أو رغبة ذاتية إنّما استجابة لمعطيات المشهد السياسي، والضغوط الأمريكية على الحزب من أجل فصل سرديته المعلنة عن سردية حزب العمال الكردستاني، المصنف إرهابياً في الولايات المتحدة وتركيا، ومنع أي تقارب فعلي لحزب الاتحاد الديموقراطي مع النظام السوري.
المصدر: «القدس العربي»