فهم العالم أن جوهر القضية الفلسطينية لا يكمن في حدود فلسطين على الخارطة ولا في الشعب الفلسطيني وإنّما في المحيط الذي لا يقبل أن يتنازل عن قضيته المركزية ولا يمكن للشعوب العربية أن تتخلى عن القدس والمسجد الأقصى، وهذا ما يجعل إسرائيل تعيش كابوساً دائماً من احتمال يقظة الشعوب والإطاحة بالحكومات العميلة، وقد ازداد شعورها بالخوف منذ انطلاق شرارة الربيع العربي من تونس وازداد خوفها أكثر فأكثر مع اندلاع الثورة السورية التي كادت أن تسقط نظام الأسد، فعمدت إلى أذرعها في المنطقة لكي تتدخل وتنقذ النظام ولكنّ إرادة التحرر لدى الشعب السوري كانت أقوى من كلّ الميليشيات التي جلبتها إلى الساحة السورية على اختلاف راياتها ، مما اضطرّها للاستنجاد بروسيا التي جاءت بضوء أخضر يكاد يكون أممياً، فسمحت لقواتها أن تستخدم جميع أنواع الأسلحة بما فيها المحرمة دولياً وهي مطمئنة بأنّها تؤدي مهمتها بدون محاسبة أو احتجاج لطالما الراعي الصهيوني راضياً عن ذلك.
خلال العشر سنوات الماضية باتت دوائر صنع القرار في كلّ من بريطانيا وأميركا تبحث عن مخرج، فقد فاجأهم الربيع العربي ومعدتهم الاستعمارية لم تستطع هضم تساقط وكلاءها في المنطقة واحداً تلو الآخر، وكان لابدّ من تدارك الأمر والحفاظ على خنجرهم في خاصرة الأمة (دولتهم المصطنعة إسرائيل) ـ أقول بريطانيا لأنّها هي من صنع لنا عدواً نقاتله لمئة عام رغم أن التاريخ لم يعرف عداوة بيننا واليهود على مدى ثلاثة عشر قرناً، بل العداوة كانت غربية حصراً والمجازر التي تعرض لها اليهود حدثت في أوروبا بدءاً من روسيا القيصرية وانتهاءً بألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية.
إن تدارك مضاعفات الربيع العربي كان باختراع عدو آخر أكثر وحشية وأكثر تخلفاً وانحطاطاً ليصبح هو العدو رقم واحد وتتجه كلّ الأنظار إليه وتتراجع إسرائيل في قائمة الأعداء إلى أن تصل إلى التطبيع. ليبقى العدو الإيراني هو المسيطر على خطابنا السياسي والعقدي لمئة عام قادمة.
بريطانيا تصنع لنا الأعداء كل مئة عام لنبقى بعيدين عن ركب الحضارة ونستنزف قوانا وأجيالنا في حروب لا تنتهي بينما بقية الأمم تتقدم. مؤتمر كامبل بنرمان الذي عقد في لندن 1905 واستمرت جلساته حتى 1907 ودعيت إليه بشكل سري الدول الاستعمارية في تلك الفترة: بريطانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا واسبانيا وايطاليا. وخرج المؤتمرون بوثيقة أطلقوا عليها ” وثيقة كامبل” نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني هنري كامبل بانرمان… خلاصتها منع العالم العربي من التوحد وايجاد جسم دخيل يعيق ذلك للحفاظ على امتيازاتهم الاستعمارية في المنطقة. فكان وعد بلفور 1917. ومن ثم إعلان دولة الكيان الصهيوني 1948.
يذكر أن كامبل قال في المؤتمر: ” هناك على شواطئ البحر المتوسط المقابلة لنا شعب تجمعهم لغة واحدة ودين واحد لو تركناهم وشأنهم وما تمتلكه بلادهم من ثروات فستجدونهم في بلادنا ولن تقوم لنا قائمة بعدها”.
بعد اندلاع الثورة السورية العظيمة، وجسارة الشباب الثائر في مواجهة الدبابات التي نزلت في شوارع درعا وبانياس وحمص ودير الزور ودمشق وريفها في السنة الأولى، دفعت مهندس السياسة الأميركية المخضرم ” هنري كيسنجر” للقول في تصريح له نشرته صحيفة (ديلي سكيب) الأميركية سنة 2012:” بعد عشر سنوات، لن تكون هناك إسرائيل”. وهذا ما يطرح تساؤلاً عن سبب هذا التصريح الغريب بعد انطلاقة الثورة السورية؟ وهل استشعر بالخطر على إسرائيل عند زوال أهم نظام وضعته الامبريالية في المنطقة لحمايتها وضمان استمرار وجودها؟
ربما تقرير لم يسلّط عليه الضوء جيّداً في حينه نشرته صحيفة الاندبندنت البريطانية ( القسم العربي) تحت عنوان ” آلاف الاسرائيليين يطلبون جواز السفر البرتغالي” أوردت فيه احصائية عن عدد اليهود الذين تقدّموا بطلبات للحصول على جواز سفر برتغالي بقصد الهجرة ، فخلال خمس سنوات بدءاً من 2015 تزايدت نسبة الإسرائيليين الذين طلبوا الهجرة من 32% إلى 84% من عدد اليهود الذين تقدموا بطلبات الهجرة من جميع أنحاء العالم، وهذا ما أثار ( بحسب الصحيفة) قلقاً بين السياسيين والأمنيين الإسرائيليين، لأن هذه الهجرة الآخذة بالارتفاع قد تغلبت على الهجرة إليها.
طبعاً هذا يفسّر لنا جانباً من أسباب الحرب التي شنّها العالم علينا غربه وشرقه للحفاظ على بقايا نظام الإجرام الأسدي من أجل طمأنة الإسرائيليين وثنيهم عن التفكير بالهجرة من إسرائيل، ولكن سيرورة التاريخ تشير إلى انتصار إرادة الشعوب مهما بلغت التضحيات وأن إسرائيل إلى زوال كما نظام الأسد.
المصدر: اشراق