الثورة السورية وجدت لتبقى

أحمد مظهر سعدو

المشهد السياسي السوري على أبواب السنة الحادية عشرة للثورة السورية، يلقي بظلاله المتنوعة التي يشوبها التفاؤل تارة، والألم والحسرة تارة أخرى، لكن الواقع السوري المعاش وبعد عقد كامل على انطلاقة الثورة ثورة الحرية والكرامة، يبين وبوضوح أن لا تراجع مطلقًا عن كل الأهداف والغايات التي تحركت عبرها جماهير الشعب السوري أواسط آذار/ مارس 2011، معلنة القطيعة الكلية مع كل ما يوحي بإمكانية بقاء بشار الأسد وزمرته المجرمة في الحكم، وخطف الوطن السوري برمته.

ويبدو أننا مازلنا نقول بنقاوة الصوت ومصداقيته مع ما قاله الراحل الدكتور حسان عباس ابن الثورة السورية قبل رحيله عندما تحدث بقوله: “سمّوها ما شئتم، انتقدوها كما أحببتم، اخدعوها، راودوها، تحايلوا عليها، احفروا الأرض تحت أقدامها، لوّنوها، العنوها، افعلوا ما شئتم.. فهي، وبمحاكاة لما قاله غاليليو غاليليه لمرهبيه: ومع ذلك فهي تثور. (الثورة السورية) باقية، وهي أصلاً لم تبدأ إلا لتبقى حتى تصل إلى ما يريده أهلها: حياة كريمة بلا ظلم ولا ظلامية”.

نعم هي الحقيقة الناصعة التي لا يشوبها أي درن أو ترهل، وهي القول الفصل الذي يحاكي دماء ما يزيد عن مليون شهيد، وهي المنطق العلمي للثورات عبر التاريخ، وهي أيضًا زبدة القول ونتاج المعاناة التي ما برح الشعب السوري يعيشها نهارًا إثر نهار، ويومًا بعد يوم.

لكن هل يعني ذلك الانتظار بلا عمل؟ وهل يعني الارتكان إلى الفعل الخارجي دون قدرة واقعية ذاتية على إنجاز داخلي سوري صرف لمجمل تطلعات، وأنَّات هذا الشعب، الذي ضحى ومازال من أجل الحرية والكرامة المفتقدتين، في ظل حكم وهيمنة وتغول الأسدية العصاباتية، والدولة الأمنية الطائفية، والدور الوظيفي لآل الأسد الكبير ثم الوريث.

في المسألة العملية الميدانية العقلانية يجب الوقوف وبعد عشر سنين خلت، عند الكثير من المحددات ليس أولها التركيز على الهوية الوطنية، والوطنية السورية أولًا وقبل أي انتماءات أخرى، دون الإطاحة الكلية بما تحمله الصدور والايديولوجيات في الساحة الوطنية من الكثير مما تحمل. وكذلك التأكيد العملاني على أهمية إعادة إنتاج وصياغة عقد وطني سوري جمعي متوافق عليه، لرسم ملامح المستقبل القادم للسوريين جميعًا. علاوة على أهمية العمل الجدي ليكون الخطاب السياسي للثورة السورية، وكل أطياف المعارضة وقوى الثورة بألوان الطيف جميعها، خطابًا وطنيًا جامعًا وسوريًا بامتياز.

ولا يبدو أننا هنا أصبحنا بعيدين في الرؤيا والتفكير عن إنتاج وإنجاز أوراق وطنية تفاهمية توافقية تقيم علاقة انجدالية تمفصلية حقيقية بين العروبة والإسلام، من منطلق أن العرب مادة الإسلام.

عبر تعميم وترويج مبدأ الحوار وحتى النهاية، دون أن نتخطاه أبدًا ضمن أية أنساق معرفية وحياتية مهما امتلكت من أهمية. وليكون مبدأ الحوار حالة معايشة بشكل يومي بين كل أثنيات وطوائف السوريين، وضمن كل السياقات الوطنية السورية.

تجدر الإشارة ومن خلال نظرة موضوعية لما آلت إليه أحوال السوريين في كل الأصقاع، أنه لابد من إعادة إطلاق مبادرة وطنية سورية جامعة لا تستثني أحدًا ولا تتعارض أو تتنافى مع هوية الثورة السورية في الحرية والكرامة.

نقول كل ذلك اليوم ونحن ندرك صعوبة المرحلة وفداحة الخسارة والخسران، حيث تجري عمليات التهجير القسري للسوريين إلى بلاد المعمورة، حتى بات الواقع المر ينتج ما هو أكثر مرارة منه بينما تشير الدراسات العلمية الاستطلاعية إلى أن الأطفال والشباب المهجرين لم يعودوا يوافقون على الرجوع إلى الوطن في ظل بقاء الأسد وشبيحته.

حيث أجرت منظمة (أنقذوا الأطفال) العالمية مسحًا شمل 1900 طفل ومسؤولين عن رعايتهم من نازحين داخل سورية أو لاجئين في دول الجوار، أي الأردن ولبنان وتركيا، وفي هولندا. وتبين أن “86 في المئة من الأطفال اللاجئين، لا يريدون العودة إلى سورية”، بينما طفل واحد من كل ثلاثة من النازحين داخلها يفضل العيش في بلد آخر.

وهذا يعبر عن عدم ثقة الأجيال السورية بالأمان داخل أسوار سورية بوجود الطاغية الأسدي.

بالرغم من كل هذا الواقع المخيف، إلا أن لسان حال السوريين يقول وبعد عقد على ثورة الشعب السوري، أن لا تراجع أبدًا عن هدف إسقاط نظام المقتلة الأسدي، نظام الكيماوي، حتى لو تخلى العالم أجمع عن الوقوف إلى جانب السوريين، لأن إرادة الله باقية، وكذلك إرادة السوريين، نحو كنس الظلم والاستبداد عاجلًا أم آجلاً وعوا ذلك أم لم يعوه.

المصدر: اشراق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى