لماذا يرفض السوريون دستور 2012

نبراس إبراهيم

رغم المستوى الهائل للدمار المادي والاجتماعي والسياسي الذي تعاني منه سوريا، وتسبب به النظام السوري، يستعد رأس النظام السوري لترشيح نفسه في انتخابات 2021، مُستنداً إلى دستور يسمح له فقط شخصيا بأن يترشح للرئاسة وكأنه مرشح جديد، لا كرئيس للمرة الرابعة على التوالي، على عكس ما يُجيز الدستور بالترشح لدورتين متتاليتين فقط.

منذ تسلّم حافظ الأسد الحكم، ترسّخ الاستفراد في الحكم في سوريا، حيث حكم البلاد بقبضة أمنية حديدية وبسياسات تمييزية طوال 39 عاماً، ونصّب حزب البعث محتكراً للحياة السياسية من خلال قيادته للدولة والمجتمع، وأعلن قانون الطوارئ الذي يحظر التظاهر ويتيح الاعتقال التعسفي والتنصت، وقانون حماية الثورة، وقانون المحاكمات العسكرية الذي شرّع بتقديم المدنيين للمحاكمات العسكرية، ومحاكم أمن الدولة التي تعتقل وتحكم دون الرجوع للقضاء العادي، وأخيراً قانون 49 لعام 1980 الذي يقضي بإعدام كل منتسب للإخوان المسلمين، وكانت صلاحيات رئيس الجمهورية في ذلك الدستور واسعة وشبه مطلقة.

لم تنته القصة بوراثة بشار الأسد للسلطة، فمع توسع الاحتجاجات والتظاهرات في سوريا، بدأ النظام يُطلق الوعود بتحقيق الإصلاحات السياسية، فأعلن عن إلغاء حالة الطوارئ، لكنّه أصدر قانوناً للإرهاب أكثر سوءاً من سابقه، كما أصدر قانوناً للأحزاب السياسية وآخر للانتخابات وثالثاً للإعلام، لكنه فصّلها وفق ما يناسبه، ثم أعلن عن تشكيل لجنة رئاسية لصياغة مسودة دستور جديد، وأنجزت اللجنة مشروع الدستور، وكانت اللجنة من الشخصيات الموالية له بالمطلق، وفي شباط/ فبراير 2012، صدر مرسوم للاستفتاء على هذا الدستور رغم أن سوريا كانت في زمن حرب، وعلى غرار ما توقع السوريون، جاء الدستور الجديد أسوأ من كل ما سبقه من دساتير، ومنح الرئيس كل الصلاحيات التي تحكم سيطرة على الدولة والحكم والسلطات.

وضعت الدستور السوري الجديد لجنة شكلّها رئيس الجمهورية من أشخاص موالين للنظام فقط بعد أن رفضت تيارات المعارضة المشاركة في اللجنة وفي الاستفتاء بعد ذلك، كما لم تشترك فيها الفئات الاجتماعية والاقتصادية السورية، ولم يُطرح مشروع الدستور للنقاش العام، وفُرض على السوريين رغم أن نسب المشاركين في الاستفتاء تدعو للشك حتى بقدرة النظام على التزوير.

رفض جزء كبير من السوريين هذا الدستور، ومازالوا يرفضونه، كقوى سياسية وهيئات مجتمع مدني، وهيئات حقوقية وقانونية، لأنه في حقيقة الأمر كارثة، وتتجلى أكثر ما تتجلى بأنه يمنح صلاحيات واسعة جداً للرئيس، أكثر من أي ملك في العصور الوسطى.

في دستور 2012 هناك 49 مادة لها علاقة برئيس الجمهورية مباشرة من أصل 157 مادة كامل مواد الدستور، أي نحو ثلث مواد الدستور لها علاقة برئيس الجمهورية، وغالبية هذه المواد تُسهب في شرح صلاحياته ونفوذه ومهامه وسلطاته وقوته وقدراته وتدخلاته واستثناءاته.

فمثلاً، تنص المادة 97 بأنه “يتولى تسمية رئيس مجلس الوزراء ونوابه وتسمية الوزراء ونوابهم وقبول استقالتهم وإعفاءهم من مناصبهم”، كما تنص المادة 98 بأن الرئيس “يضع السياسة العامة للدولة ويشرف على تنفيذها”، وهو وفق المادة 102 الذي “يُعلن الحرب والتعبئة العامة ويعقد الصلح”، كما تُخوّله المادة 103 الحق في “إعلان حالة الطوارئ وإلغائها”، وتمنحه كذلك المادة 104 الحق في “اعتماد رؤساء البعثات الدبلوماسية لدى الدول الأجنبية”، وتضعه المادة 105 “القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة ويُصدر جميع القرارات والأوامر اللازمة لممارسة هذه السلطة”، كما تمنحه المادة 106 الحق في “تعيين الموظفين المدنيين والعسكريين وينهي خدماتهم”، أي له الحق في تعيين أكبر وأصغر موظف في الدولة، وإقالته من عمله متى شاء، وتخوّله المادة 107 الحق في “إبرام الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وإلغائها” وتمنحه المادة 111 حق حل مجلس النواب، وأن يتولى السلطة التشريعية بدلاً عن مجلس النواب، وتمنحه المادة 108 الحق بمنح عفو خاص عن من يشاء.

إلى ذلك، تمنح المادة 113 رئيس الجمهورية الحق في أن يكون هو السلطة التشريعية، حين سمحت له أن “يتولى سلطة التشريع خارج دورات انعقاد مجلس الشعب، أو في أثناء انعقادها إذا استدعت الضرورة”، وهو يخالف مبادئ فصل السلطات في كل دساتير العالم، لأنه يعطي الرئيس الحق أن ينوب عن كل مجلس الشعب وكأنه مجلس لا قيمة له إطلاقاً، وتؤكد المادة 150 على حقه في اقتراح تغيير الدستور بموافقة نسبة من أعضاء مجلس النواب، وبالإضافة إلى هذه المواد، فقد اعتبر الدستور رئيس الجمهورية غير مسؤول عن أعماله في إطار ممارسة صلاحياته، كما جعل نفسه حاكماً مُطلقاً حتى على رئيس الوزراء والوزراء، فنصت المادة 124 من الدستور على أنه لرئيس الجمهورية “حق إحالة رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء إلى المحاكمة عما يرتكبه أي منهم من جرائم في أثناء توليه مهامه أو بسببها”.

لم يقتصر دستور 2012 على منح الرئيس هذه الصلاحيات فقط، بل برأه من أي عمل شائن أو جريمة أو كارثة يقوم بها خلال توليه منصبه، فوضع المادة 117 التي تقول “رئيس الجمهورية غير مسؤول عن الأعمال التي يقوم بها في مباشرة مهامه”، وهذه المادة تجعله بعيداً عن المحاسبة حتى لو دمّر البلد كما قام به الآن.

وإحدى المواد الدستورية المهزلة، هي المادة 141، المتعلقة بالمحكمة الدستورية، والتي تقول بأنه “تؤلف المحكمة الدستورية العليا من سبعة أعضاء على الأقل يكون أحدهم رئيساً يسميهم رئيس الجمهورية بمرسوم”، وهذه المحكمة الدستورية هي التي لها مهمة محاكمة رئيس الجمهورية في حال استوجبت محاكمته، أي أن الدستور منح الرئيس حق تعيين القضاة الذين سيحاكمونه، أي جعلت الرئيس الخصم والحكم.

بالتدقيق نلاحظ أنه في دستور 2012، جمع الرئيس في يديه كل السلطات التي من المفروض أن تكون مستقلة، وللمفارقة، شدّد الدستور نفسه على أنها يجب أن تكون مستقلة! ولم يتم تقييد سلطات الرئيس المتضخمة، فالأغلبية البرلمانية في الدستور ليس لها أي دور في تشكيل الحكومة، أو في رسم سياساتها، وله الحق في حل مجلس النواب، ويتحكم بالسلطات التشريعية، وهو الذي يعيّن السلطات التنفيذية بما فيها رئيس الوزراء والوزراء، ويتحكم بالقضاء باعتباره رئيس مجلس القضاء الأعلى، وهو الذي يعيّن أعضاءه، كما أنه القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة، وصمت الدستور عن فترة إيداع القوانين لدى رئاسة الجمهورية دون ردها أو إصدارها، ما يعني إمكانية تعطيل الرئيس لأي قانون لا يريده، وغيرها من المفارقات الغريبة التي لا يضمها أي دستور.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الدستور الذي وضعه الأسد الابن بعد مرور سنة من انطلاق الثورة التي طالبت بتغيير النظام السياسي والخلاص من الحكم الشمولي، يتناقض مع المئات من مواد القانون ولا ينسجم معها، والمواد الدستورية التي تتحدث عن حرية تشكيل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والحياة الثقافية والإعلامية والحريات وحقوق الإنسان جميعها مقيدة بقوانين صدرت سابقاً، وهذا ما تستغله أجهزة الأمن والجهاز القضائي، لعدم تفعيل هذه المواد الدستورية وقتلها في مهدها.

لكل ما سبق رفض السوريون دستور عام 2012، وثاروا للخلاص من نظام أمني بامتياز، تمييزي بامتياز، وشمولي بامتياز، وطالبوا بدستور أكثر ديمقراطية ومدنية وحضارية، وطالبوا بتقليص صلاحيات الرئيس – الملك القابع على صدورهم، وتحديد سقف لعدد مرات ولايته، وكل ذلك من أجل بناء دولة ديمقراطية مدنية تعددية تداولية، ومن حقهم مقاطعة الانتخابات المقبلة، والتأكيد على عدم شرعيتها طالما أنها تجري تحت سقف هذا الدستور، دستور الحكم الشمولي.

وصار ملحاً أن تدخل سوريا في مرحلة انتقالية، وحكومة انتقالية، لها صلاحيات كاملة، دستورية وتشريعية، ويكون لها الحق وحدها بالإشراف على كل مؤسسات الدولة المدنية والأمنية والعسكرية، تضع دستوراً جديداً، وقانوناً للانتخابات، تمهيداً لانتخابات رئاسية حقيقية نظيفة يستحقها السوريون.

المصدر: موقع تلفزيون سوريا

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى