موسكو وقراءتها المزدوجة لزيارة البابا

بسام مقداد

أجمعت وسائل الإعلام في العالم على وصف زيارة البابا فرنسيس للعراق بالتاريخية، وأضاف العديد منها وصفها بالخطرة. لكن لا جائحة الكورونا، ولا التفجيرات وقصف الصواريخ، ولا إرهاب داعش، لم يقنع البابا بالعدول عن زيارته، إذ بعد ساعات من قصف القاعدة الأميركية في العراق بالصواريخ، صرح بأن “الشعب العراقي ينتظر، ولا أريد أن أخذله مرة أخرى”. المرة الأولى، التي خذل فيها بابا روما العراقيين، كانت في العام 1999، حين ألغى البابا يوحنا بولس الثاني زيارته للعراق، إثر فشل المفاوضات مع صدام حسين بشأن الزيارة، حسب BBC الناطقة بالروسية. وقال موقع الفاتيكان الرسمي، بأن البابا فرنسيس يتعجل التوجه إلى العراق، لأنه “يشعر فعلياً بضرورة مخاطبة الناس في وطنهم”، حسب RT الروسي. وتساءل الموقع، ما إذا كان البابا لا يشعر بالخوف من التوجه إلى المكان، الذي حتى الأميركيين وقواعدهم العسكرية وسفارتهم المحاطة بوسائل الدفاع الجوي يتعرضون للقصف والتفجير.

لم يكن كل العراقيين يتشوقون للترحيب بزيارة البابا فرنسيس، فالفصائل الشيعية المسلحة الموالية لإيران، لم تخف إمتعاضها من الزيارة، بل وأعلنت رفضها لها. وذهب الموقع الروسي المذكور إلى إعتبار الزيارة، التي قام بها رئيس السلطة القضائية الإيرانية إبراهيم رئيسي إلى العراق في 8 شباط/فبراير الماضي، بأن أحد أهدافها، كان محاولة إقناع السلطات العراقية بإلغاء الزيارة. وبعد أن إطلع رئيسي في بغداد على برنامج زيارة البابا إلى العراق، أمضى يومه الأخير من زيارته في كردستان العراق، حيث إلتقى مع القائد الإقليمي لحزب العمال الكردستاني، وحاول أيضاً إقناع الأكراد وحزب العمال بعدم التعاون مع الولايات المتحدة.

لكن ما نشره هذا الموقع الروسي الرسمي بشأن أهداف زيارة البابا، لم يكن يشير إلى أنه كان شديد الترحيب بالزيارة. فقد رأى، أن هدف زيارة البابا لايقتصر على “دعم الطائفة المسيحية الجريحة، والتي دمرتها الحرب”، بل تعزيز التأثير الجيوسياسي لأوروبا والغرب عموماً في العراق. كما كانت الزيارة تهدف أيضاً إلى القول، بأن العراق باستقباله البابا، ووعده بإحياء الطائفة المسيحية، يسير في الطريق الصحيح، ويعود إلى التعايش الحضاري بين مختلف الطوائف والقوميات العراقية.

ويعتبر الموقع، أن هذا ليس إلا إشارة، إلى أن خروج العراق من الأزمة، سوف يتم في ظل الحضارة الغربية والتعاون معها، وأن إيران وإختراقها العراق وإستراتيجيتها في “محور المقاومة” وحربها بالوكالة مع الولايات المتحدة، سوف يتقلص نفوذها في العراق.

صحيفة الكرملين “vz” نقلت عن مدير مركز دراسة مشاكل الأديان والمجتمع في معهد أوروبا التابع لأكاديمية العلوم الروسية قوله، بأن من المهم بالنسبة للبابا فرنسيس الآن حماية المسيحيين في تلك المناطق، التي يلاحقون فيها. ويقول، بأن  عدد المسيحيين تراجع بشدة في الشرق الأوسط بنتيجة الصراعات المسلحة. ويرى، أن الشرق الأوسط يتمتع الآن بأهمية بالغة بالنسبة للكنيسة، بوصفه المنطقة، التي تدور فيها أحداث العهدين القديم والجديد. وعلى الرغم من إن مسيحيي العراق لا يلعبون دوراً سياسياً مهماً، إلا أن الكنيستين الكلدانية والأشورية الكاثوليكيتين الشرقيتين تتمتعان بأهمية تاريخية هائلة بالنسبة للمسيحية في العراق وسائر الشرق الأوسط. وبالنسبة للكنيسة الكاثوليكية، فإن زيارة البابا فرنسيس، هي بمعنى ما، مهمة إنسانية، لأن العراق هو إحدى الدول، التي تشهد هجرة كثيفة إلى أوروبا.

من جهة أخرى، لم يكن من السهل رؤية ما رآه مدير المركز واعتبره “تزامناً موفقاً”، بين زيارة البابا وتصريح وزير الخارجية الأميركي الجديد، الذي قال، بأن تدخل الولايات المتحدة العسكري في مشاكل البلدان الأخرى، لم يبرر نفسه. والمواضيع المفضلة بالنسبة للبابا في مواعظه كان الأمن ومساعدة المحرومين في سائر أنحاء العالم، مما يعني أن الزيارة كانت بمثابة دعوة جديدة للمجتمع الدولي للإقلاع عن الحروب. ومن المحتمل، برأي المدير، أن تصبح هذه الدعوة إشارة إلى زعماء العالم السياسيين للمباشرة بوضع سيناريوهات عمل خاصة لمعظم مناطق الصراع في العالم.

مدير الأبحاث العلمية في معهد “حوار الحضارات” ألكسي مالاشنكو قال للصحيفة،  بأن مثل هذه الزيارة، وحتى وقت قريب، لم يكن من السهل تصور حدوثها، لكن العالم يتغير والعلاقات بين الأديان تتغير أيضاً. البابا فرنسيس يتوقع، أن يكسب نقاطاً سياسية، لكن من المشكوك به، في ظل التعقيدات الموجودة بين العالم الإسلامي وأوروبا، أن تنجح الزيارة ويتمكن البابا من تغيير ميزان القوى. ومن الملاحظ بشكل عام، أن لا شيئ جيداً يحدث في الحوار بين الأديان وحتى بين الحضارات، وهذا “ما نراه في فرنسا”. وقال مالاشنكو، “فلننتظر ونرى كيف سيتعاملون في العراق مع هذا الأمر”، مع العلم، أنه قطعاً ليس الجميع في العراق كان متعاطفاً مع الزيارة.

ويرى مالاشنكو، أن التأثير السياسي للزيارة كان عالمياً، لكن ليس في الشرق الأوسط، حيث يتراجع دور الطوائف المسيحية. ويقول “أنظروا إلى سوريا، إلى لبنان، احتسبوا عدد الأرمن، الذين غادروا إلى أرمينيا”، ويعتبر أن الحروب كانت السبب الأول في ذلك، والسبب الثاني يكمن في سلوك الإسلاميين. ويقول، بأنه لايقصد العقلاء من المسلمين، الذين يمكن إجراء حوار معهم، بل داعش، التي لاحقت المسيحيين، فقط لأنهم مسيحيون. ولا تزال قائمة حتى الآن في العراق مشكلة الإسلام الراديكالي المستعد لإرتكاب شتى الإستفزازات.

ويقول مالاشنكو، بأنه لم يستبعد محاولات إغتيال البابا فرنسيس أثناء الزيارة، إذ يوجد بين المتطرفين مغامرون مستعدون لإرتكاب أية جريمة، ويعملون لأنفسهم، لإثبات أنهم “المسلمون الرئيسيون”. لكن هذه “الدعاية الدموية” لأنفسهم مثل محاولة إغتيال البابا، كانت ستكلفهم وجودهم، برأيه، إذ أنهم كانوا سيبيدوهم.

موقع “eadaily” الإخباري الروسي إعتبر، أن زيارة بابا الفاتيكان إلى العراق خلطت مخططات البنتاغون، واستخلص هذا الإستنتاج من رد الناطق بإسم البنتاغون جون كيربي على سؤال، ما إن كان وجود البابا فرنسيس في العراق يعرقل الرد الأميركي (الغارة الأميركية الثانية على مواقع إيرانية في سوريا) على قصف القاعدة الأمريكية في عين الأسد. وكان كيربي قد قال في الرد على السؤال، بأنه لم يُتخذ قرار بعد ما إن كان سيكون هناك رد، وكيف سيكون هذا الرد. وأضاف، بأنه لدى إتخاذ مثل هذه القرارات يأخذ البنتاغون بالإعتبار “عوامل عديدة”، ولم يذكر بين هذه العوامل وجود البابا في العراق.

معلق BBC الناطقة بالروسية، وفي النص، الذي نشره الموقع بمناسبة الزيارة، قال، بأن لقاء البابا فرنسيس مع المرجع الشيعي علي السيستاني جرى الإعداد له على مدى سنوات، بل عشرات السنين. وذهب موقع RT في نصه المذكور أعلاه، إلى القول، بأن كلام السيستاني خلال اللقاء سيرسم سياسة العراق، بل وشيعة المنطقة في المرحلة المقبلة، دون إيران بالتأكيد.

 

المصدر: المدن

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى