ايمان محمد كاتبة سورية مجدّة ومتميزة، منتمية للثورة السورية، لها الكثير من الإصدارات، قرأنا لها رواية “العديّة” التي تتحدث عن الثورة السورية في مدينة حمص، وكتبنا عنها.
ظل الموت كتاب يتناول موضوعا ذا طابع فلسفي وديني ووجودي ونفسي مهم عند كل إنسان؛ إنه الموت. كما أن الحديث عن الموت في هذا الكتاب هو حديث بشكل مباشر وغير مباشر عن الثورة السورية ايضا. حيث التضحية، والموت شهادة، والموت غيلة، والموت تحت القصف و بالراميل المتفجرة، في البحر غرقا، في السجون والمعتقلات، من الجوع والبرد والتشرد. نعم انه الموت رفيق الإنسان السوري في سنوات عمره كلها عبر عقود. وخاصة بعد اندلاع الثورة السورية، وقرار النظام المستبد المجرم أن يقتل السوريين، بدعم من بعض الدول وصمت الآخرين. صار الموت أقرب ما يكون لنا نحن السوريين.
تناولت الكاتبة موضوع الموت في كتابها على شكل فصول متعددة مقسمة إلى عناوين فرعية تنيره من كل جوانبه. تبدأ من علاقتنا بالموت حيث نجد أن أول ما نعيه في وجودنا الإنساني، إننا في رحلة حياة خاتمها موت محقق حتمي. جعل كل إنسان يقف أمام هذا المعنى، لماذا وجدنا ؟ . ما هدفنا في الحياة ؟ . وما الذي نريده منها ؟ . ثم لماذا نموت؟ . والى اين نذهب؟ . هل إلى العدم؟ !. أم الى الله الرحيم يحاسبنا على ما فعلنا؟ . الموت فتح على الإنسان كل أبواب التساؤلات الفلسفية والوجودية. وجاءت الأجوبة متنوعة، بعضها من خلفية دينية اسلامية او بقية رسالات السماء، والبعض من عقائد أخرى لأغلب امم الارض. الكل أجاب على السؤال، والكل حاول ان يريح الانسان حيث جعله يتقبّل ما لا يقبل…؟ !!…انه الموت. غريزة الحياة هي اقوى غرائز الكائن الحي ومنهم الانسان. والموت نقيض ذلك. لكل ذلك كان الموت وسيبقى الاحجية التي تقترن مع قلق الإنسان على وجوده ومصيره، إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.
لم يغب عن بال الكاتبة أنها تكتب عن موضوع الموت وحال السوريين على ما هم عليه. السوريون الذين عاشوا عقود من الظلم والقهر والاستبداد والاستعباد والفساد والمحسوبية والخوف والصبر. هؤلاء السوريين الذين ثاروا على من يستعبدهم ويقهرهم. وكان أول نتائج هذه الثورة بعد انتشاء العيش في لحظة الحرية وانتصار إنسانية الإنسان؛ هو الموت الذي وزّعه عليهم نظام القتل والإجرام. قتل في مواجهة المتظاهرين، ثم في قصف مناطقهم وبلداتهم المحررة، وفي معتقلات النظام وسجونه، ثم الموت أثناء الهرب من الموت المحتمل الذي أصبح الملجأ الأخير أمام إنساننا السوري المظلوم والخائف والهارب، حفاظا على ما تبقى له في الدنيا بعد أن خسر كل شيء ولم يبق له إلا حياته.
صحيح ان بعض الموت كان تعبيرا عن الشجاعة والتضحية وتحدي الظلم والظالمين. وكان نتيجته وجود الشهداء المضحين لنحصل على حياة الحرية والكرامة والعدالة. لكن الكثير من الذين قتلوا كانوا مظلومين منذ البدء وحتى وهم في بيوتهم تحت القصف، او في المنافي والمعتقلات والسجون، والبحار والخيام وحيث تصلهم أيدي النظام الظالم.
إن إيماننا بأن الله العادل ينصفنا في يوم الحساب العادل في الآخرة، يخفف من بعض معاناتنا المباشرة، امام موت من نحب، ونتحمل -مرغمين- غيابهم من غير وجه حق، ابنائنا واطفالنا، واهلنا… كلنا كنا وما نزال في بلدنا تحت سيف الموت بيد النظام الظالم ينهي حياتنا ظلما وعدوانا.
أطلّت الكاتبة على موضوع الموت من حيث هو خبرة السوريين في ثورتهم وجراء ظلم النظام وحلفائه لهم. فالموت في مواجهة الظلم والعمل لإسقاط الظالمين، بطولة وشهادة، وكذلك الموت في المعتقلات والسجون. ان الموت عندنا يصنع الشهداء مفخرة لنا في طول الزمان. والموت هو طريق اجباري لانتصارنا في ثورتنا على الظالمين. الشهادة والتضحية هي حل الثوار في لحظة تاريخية معينة حتى تبعدنا عن العيش حياتنا واولادنا بعدنا وكما عاشها أهلنا قبلنا حياة الاستعباد الأقرب إلى العدم، وان ننتقل بعد نصرنا للعيش كما يستحق الإنسان الحر في بلدة؛ كريما محترما معززا حاصلا على كل حقوقه.
وبما أن الموت هو المصير الحتمي لكل انسان. فثورتنا نحن السوريين كانت مواجهة مع الموت لاستحضار الحقوق وتحقيق انسانيتنا. وإننا نؤمن أن كل شهدائنا ذاهبين الى رب رحيم عادل كريم. حيث الخلود في جناته. واننا نضحي بحياتنا ليعيش من بعدنا حياة تستحق الحياة.
اخيرا:
هل كان يجب أن نعيش نحن السوريون كل هذه الكوارث الانسانية، وهذا الموت بفعل النظام الظالم ليكون حصيلته مليون من الضحايا وأكثر، ومليون من المصابين والمعاقين واكثر، والى اكثر من ١٢ مليون من الشعب السوري المشرد داخل سورية وخارجها، وأن تدمّر نصف سوريا وأكثر. وأن نعيش في ذل وهوان داخل بلادنا تحت رحمة نظام قاتل مجرم. وأن نعيش هوان الغربة وفقدان بلادنا وحقوقنا. وأن يصمت العالم عن جرحنا النازف وقتلنا اليوم وموتنا المجاني نحن السوريين. وكأننا زيادة على الوجود الإنساني ويجب إزالته… مظلوميتنا وموتنا وقتلنا ليس بيد النظام فقط بل بيد من ساعده ويساعده و بيد من يسكت عنه. ليس قدرنا هذا الموت الذي يلاحقنا كل الوقت. إنه إرادة الظلم والظالمين. وصدق تعالى بقوله: ” إنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن احياها فكأنما احيا الناس جميعا”. “سورة المائدة آية ٣٢”. واننا نعمل لنعيش في بلادنا حاصلين على حقوقنا، نعيش العمر المديد نتمتع بنعم الله. نصون نعمه علينا. نربي أولادنا واحفادنا، نبني بلادنا، نعمر أراضينا، نشبع من الحياة، ونرحل الى ربنا عبر الموت الطبيعي، يحاسبنا على حياة شبعنا منها واخذنا حقنا فيها، اسوة بكل اهل الارض.
هل كثير على أهل الأرض أن نبني دولتنا الوطنية الديمقراطية وأن نحقق لكل إنسان في بلادنا الحرية والكرامة والعدالة والحياة الأفضل…؟ !!. ليس مستحيلا… وهذا حقنا…