النظام الإيراني وتوظيف المشاركة الشعبية في الانتخابات

حسن فحص

المرشح الذي يمثل القوى الإصلاحية يجب ألا يكون حاملاً مشروعاً سياسياً وفكرياً يتعارض مع النظام أو يشكل تحدياً له. يقف النظام الإيراني أمام واحد من خيارين مصيريين في تاريخه. الخيار الأول أن يستعيد السيطرة على السلطة التنفيذية وموقع رئاسة الجمهورية في الانتخابات المرتقبة، وبالتالي توحيد السلطات الثلاث في قبضته، وأن يذهب إلى ما ذهب إليه في الانتخابات البرلمانية، وما حاوله ويحاوله في كل انتخابات، بترجيح الإمساك بالسلطة التنفيذية على المشاركة الشعبية الواسعة وما توفره من إمكانية توظيفها لمصلحته ومصلحة صورته الديمقراطية. والخيار الثاني أن يغامر في خسارة هذا الموقع مقابل إيجاد أجواء مؤاتية ومشجعة تسمح للقوى السياسية المعارضة والطبقات الشعبية بمشاركة واسعة ترفع نسبة الاقتراع بحيث تسمح له باتخاذها أو اعتبارها غطاءً شعبياً في مواجهة التشكيك في شرعية تمثيله الشعب الإيراني.

لا شك في أن نسبة المشاركة المتدنية في الانتخابات البرلمانية، التي جرت في العام الفائت وأنتجت برلماناً بهوية محافظة متشددة ولون واحد، لا تغيب عن تفكير قادة النظام ومواقفهم، خصوصاً أن نسبة المشاركة لم تتجاوز 30 في المئة في أفضل تقديرات مؤسسات النظام. بينما لم تتجاوز نسبة 20 في المئة بحسب استطلاعات الرأي غير الرسمية. وإن العزوف الشعبي عن المشاركة لم تنفع معه كل محاولات الترغيب والترهيب التي مورست، ليس من أجل تعديل النتائج لمصلحة مشاركة القوى غير المحافظة، بل من أجل إعطاء النتائج المحددة سلفاً من قبل مجلس صيانة الدستور الذي أعمل مقصلة الإقصاء بحق المعارضين طولاً وعرضاً، شرعية وشعبية أوسع وأكبر. ما يسمح للنظام بتوظيفها لتكريس الطابع التمثيلي المحافظ في البرلمان، وتالياً شرعيته في الاستحواذ على السلطة التشريعية إلى جانب السلطة القضائية التي يعتبر الإمساك بها من المسلمات التي تقع في دائرة صلاحيات المرشد الأعلى تعييناً وعزلاً وإشرافاً وتوجيهاً.

ومن باب الواقعية السياسية، يمكن القول إن المرشد الأعلى للنظام الإيراني ربما لا يعارض وصول مرشح من خارج المعسكر المحافظ وعلى حساب مرشح هذا التيار إلى منصب رئاسة الجمهورية في هذه المرحلة التي يبدو النظام بحاجة إلى ترميم قواعده الشعبية بعد تجربة الانتخابات البرلمانية، وتراكم النقمة الشعبية نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية وسوء إدارة الأزمات الداخلية والمعيشية والمالية. وإذا كان ذلك يساهم في إقناع الشارع الشعبي بالمشاركة والعودة عن مقاطعته صناديق الاقتراع. على إن لا يكون ذلك- القبول من المرشد- مدخلاً لاستعادة التجربة التي واجهها النظام مع وصول محمد خاتمي عام 1997 والتحدي الذي أوجده ترشح مير حسين موسوي عام 2009. ما يعني أن المرشح الذي يمثل القوى الإصلاحية يجب ألا يكون حاملاً لمشروع سياسي وفكري يتعارض مع المشروع المحافظ للنظام أو يشكل تحدياً له، كما كان الأمر مع خاتمي وموسوي. وأن يكون على غرار الرئيس الحالي حسن روحاني الذي وصل إلى السلطة التنفيذية من دون مشروع تغييري، إنما في إطار حاجة النظام إلى شخصية تقود مرحلة التفاوض مع المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأميركية حول الملف النووي بناء على ما راكمه روحاني من تجارب في هذا المجال. وأن يحرك “المفتاح” الذي رفعه في حملته الانتخابية في قفل العقوبات الاقتصادية والسياسية التي تحاصر النظام. وتكون معه قدرة النظام في السيطرة على اتجاهات الحكومة وقراراتها يسيرة من خلال ما لدى المرشد من صلاحيات تعطيل أو من خلال رقابة السلطة التشريعية.

هذه الواقعية السياسية والحاجة إلى ترميم القاعدة الشعبية ومكونات الشرعية السياسية والدستورية للنظام هي ما يدفع المرشد إلى تأكيد ضرورة المشاركة الواسعة للشعب في الانتخابات المقبلة، لما توفره من أرضية تسمح بمعالجة أزمات البلاد، وما تشكله من فرصة كبيرة للنظام بوجه معارضيه وأعدائه. ويبدو أن قوى داخل المعسكر المحافظ والمتشدد ترى في ارتفاع نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات تهديداً مباشراً لمصالحها وأهدافها في السيطرة على السلطة التنفيذية وموقع رئاسة الجمهورية، وتعرقل عملية توحيد السلطات الثلاث في يدها. لذلك، قد لا تدخر تلك القوى وسعاً، أولاً، لإخراج أي منافس يشكل تهديداً لها حتى وإن كان من المحافظين المعتدلين، لكون هذه السلطة تمثل الموقع الأهم في مؤسسات الدولة الدستورية والمؤتمنة على تنفيذ الدستور والقانون؛ وثانياً، لكون المشاركة الواسعة تضع السلطة التنفيذية في عهدة فريق من القوى السياسية بحيث تسمح له بأن يكون شريكاً في القرار السياسي بنسبة مختلفة.

وترى قيادة الدولة العميقة في النظام الإيراني أن الانتخابات، وبغض النظر عن النتائج التي ستسفر عنها، تشكل إنجازاً لما توفره من فرصة لتكريس مقولة ديمقراطية النظام، وتداول السلطة من خلال العملية الانتخابية التي تسمح للشعب بإيصال مَن يراه مناسباً وصالحاً للقيادة، بما يخدم عملية الإصلاح.

وفي فلسفة المشاركة الشعبية في الانتخابات لدى هذه القوى، فإن من أهم وظائفها إرساء قواعد انتقال السلطة السياسية من فريق إلى آخر ومحاسبته، وتكريس مبدأ المداورة والتغيير والمنافسة داخل الطبقة الحاكمة، بحيث ترفع من مستوى مسؤولية النظام أمام مطالب المجتمع في تحقيق هذه الأهداف، وتسمح بظهور قوى جديدة على الساحة أكثر حيوية وفعالية وقدرة على تلبية الاحتياجات الاجتماعية والسياسية على حساب القوى التقليدية القائمة والفاعلة في الحياة السياسية.

وبين الهدف الأهم لدى الدولة العميقة، التي تسعى إلى توظيف المشاركة الشعبية والسياسية في الانتخابات لإحباط المؤامرات والتهديدات الآتية من الأعداء، وتعزيز قدرة النظام والأمن القومي في السير بأهدافه الاستراتيجية في المنطقة والعالم، فإن الناخب الإيراني وقوى المعارضة (الإصلاحية والمعتدلة وحتى المدنية) موزعة بين مخاوفها من استغلال السلطة هذه المشاركة والقيام بهندسة النتائج لمصلحتها. ما يجعلها أداة تستخدمها هذه السلطة لتثبيت مقولتها بامتلاك قاعدة تمثيل واسعة تعطيها الشرعية للاستمرار في سياساتها الداخلية والخارجية.

 

المصدر: اندبندنت عربية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى