سورية: ميليشيا “لواء المنتظر” تتمركز في السخنة… وإخلاء إيراني لمطار تدمر

بعد أن فرضت طهران إرادتها في مطار التيفور العسكري، شرق مدينة تدمر بحوالى 70 كيلو متراً، انسحبت الميليشيات التابعة لها من مطار تدمر العسكري لمصلحة القوات الروسية، في مشهد بدا أنه أقرب إلى توزيع الأدوار أو تقاسم مناطق النفوذ منه إلى التنافس والتناحر. بالتزامن، كانت ميليشيات عراقية جديدة تُرسل تعزيزات باتجاه منطقة السخنة الواقعة على طريق M20 في خطوة تدل على أن إعادة الانتشار التي تقوم بها الميليشيات الإيرانية لها أبعاد استراتيجية تفوق مجرد الخشية من غارات إسرائيلية محتملة.

وبدأت الميليشيات الإيرانية عملية الانسحاب من مطار تدمر يوم الجمعة الماضي، بناء على اتفاق مع قاعدة حميميم الروسية لإعادة رسم خرائط النفوذ بما يتلاءم مع المعطيات الجديدة التي بدأت تحيط بالمشهد السوري إقليمياً ودولياً. وجاء ذلك بعد أيام قليلة فقط من حسم الطرفين للخلاف الذي نشب بينهما حول التواجد في مطار التيفور العسكري والذي انتهى لمصلحة إيران. كما تزامن مع قرار روسيا بإنهاء العمل باتفاق “غرفة عمليات تحرير إدلب” وما ترتب عليه من إخراج جماعات محسوبة على إيران من مطار حماة العسكري.

ولعل الطريقة السلسة التي تمت بها هذه المبادلات والتنقلات بين مواقع عسكرية ذات أهمية استراتيجية، تشير إلى أن العلاقة بين روسيا وإيران بدأت بالخروج عن مسار التنافس الذي ساد بينهما خلال فترات متقطعة، إلى مسار جديد قد يكون عنوانه العريض هو ضرورة رفع مستوى التنسيق الثنائي نظراً للتحديات المشتركة التي أخذت تتصاعد ضدهما، سواء من الناحية الميدانية وهو ما يمثله تصاعد عمليات تنظيم “داعش” في منطقة البادية السورية وخشية الطرفين من أن يكون ثمة أمر عمليات خارجي يهدف إلى توسيع مستنقع استنزافهما في المنطقة، أو من الناحية السياسية التي تتجلى في شكل خاص من خلال سعي الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس جو بايدن إلى صياغة استراتيجية جديدة بخصوص الملف السوري تختلف اختلافاً جذرياً عن استراتيجية سلفه دونالد ترامب.

ومن شأن الإصرار الإيراني على البقاء في مطار التيفور العسكري أن يشكل دليلاً دامغاً على أن عملية إعادة الانتشار التي تقوم بها الميليشيات الإيرانية ليس الدافع إليها هو التحسب الإيراني من غارات إسرائيلية جديدة وحسب، إذ إن مطار التيفور ينطوي على إغراء خاص للطائرات الإسرائيلية باستهدافه في شكل متكرر، وبالتالي لا يعقل أن تختاره إيران للتمركز فيه ومن ثم لتحويله نقطة تجميع لقواتها وميليشياتها التي انسحبت مؤخراً من مطار تدمر العسكري. بل على العكس تماماً، يبدو أن لإيران مصالح كبيرة يجسدها بقاؤها في مطار التيفور العسكري يستحق تحقيقها أن تتحمل لأجله المخاطر الناتجة من الاستهداف الإسرائيلي.

في غضون ذلك، دخلت ميليشيا عراقية جديدة على خط تكريس الاستراتيجية الإيرانية في البادية السورية. فقد انتشرت ميليشيا “لواء المنتظر”، وهي حديثة الظهور على المسرح السوري حيث لم يمر بعد عام على تاريخ دخولها للمرة الأولى إلى الأراضي السورية في الأسبوع الثاني من شهر آذار (مارس) الماضي، في مدينة السخنة ومحيطها على مسافة تقدر بحوالى 70 كيلومتراً شرق مدينة تدمر.

ونقلت شبكة “عين الفرات” المتخصصة بتغطية أخبار الجزيرة السورية عن مصادر خاصة بها أن ميليشيا “لواء المنتظر” العراقية المدعومة إيرانياً ظهرت يوم الأحد الماضي للمرة الأولى في مدينة السخنة. وأوضحت المصادر أن رتلاً عسكرياً للميليشيا وصل إلى المدينة يتضمن 12 عربة عسكرية محملة بالعناصر قادمة من دير الزور، إضافة إلى رشاشات ثقيلة وصناديق ذخيرة. وأضافت أن الرتل دخل من العراق إلى البوكمال يوم السبت الماضي وسط استنفار كامل للميليشيات الإيرانية في المدينة.

ومن خلال انتشارها المستجد تكون ميليشيا “لواء المنتظر” قد انضمت إلى شبكة من القوات التي تتولى حماية المنطقة، مثل “الفرقة 18″ و”الفرقة 11 دبابات” من تشكيلات الجيش السوري، وقوات الدفاع الوطني مركز البادية وقوات “لواء الباقر” وفوج التدخل السريع المحسوبة على إيران.

وتكتسب مدينة السخنة أهميتها الخاصة من خلال وقوعها بمحاذاة الطريق M20 الذي أكسب المنطقة بعداً استراتيجياً كونه طريق الإمداد الوحيد لقوات الجيش السوري وحلفائه في محافظة دير الزور، والمعبر البري الوحيد الذي يربط طهران بدمشق بعد إقامة القوات الأميركية قاعدة التنف في المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن عام 2014. ونظراً لأهمية هذا الطريق، فقد شكل هدفاً مغرياً لخلايا تنظيم “داعش” الذي طالما اتبع في الاستهداف المتكرر له تكتيك الكمائن والهجوم الخاطف.

وينشط تنظيم “داعش” في مناطق واسعة من البادية السورية، لكن بادية السخنة تحتل موقعاً متقدماً على خريطة نشاطه لا سيما في ظل سيطرة التنظيم على جبل الضاحك شمال غربي مدينة السخنة.

وفي المحصلة، تدل نقاط انتشار الميليشيات الإيرانية في شكل قاطع على أن طهران لا تنظر إلى المخاطر التي تتعرض لها سواء كانت من جانب إسرائيل أو من جانب “داعش”، إلا على أنها فرصة لإعادة رسم خرائط انتشار ميليشياتها بما يسمح لها تحقيق الاستراتيجية الخاصة بها في سوريا والتي يشكل المعبر البري الواصل بين طهران ودمشق عبر العراق ووصولاً إلى بيروت أحد أهم مرتكزاتها.

 

المصدر: النهار العربي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى