قد يكون الفساد أحد أبرز سمات مؤسسات النظام السوري، وخصوصاً في مؤسسته العسكرية، فالمسألة فيها لا تقف على سرقة طعام الجنود ومساومتهم وابتزازهم مقابل منحهم إجازاتهم الدورية، بل يصل الفساد إلى مستويات أكبر بكثير، تتم بإشراف ضباط وقوى متنفذة، وخصوصاً ما يتعلق ببيع الأسلحة والذخائر في السوق السوداء، أو حتى إلى بعض الفصائل المسلحة المتشددة.
ويبدو أن الفوج 44، التابع للفرقة 15 التابعة للقوات الخاصة، إحدى تشكيلات القوات النظامية، كان مسرحاً جديداً لحلقات الفساد داخل تلك المؤسسة، بعدما تم اكتشاف وجود نقص بأحد مستودعات السلاح والذخائر، بحسب ما أفادت به مصادر إعلامية محلية في محافظة السويداء، جنوب سورية، أمس الأربعاء.
ونقلت تلك المصادر عما وصفتها بالمصادر الخاصة، أن “كشف النقص تم عبر إجراء جردة في المستودعات، قام بها ضابط جديد تم نقله إلى الفوج أخيراً”، مبينة أن “النقص هو عبارة عن 40 بندقية روسية و10 رشاشات BKC، إضافة إلى كمية من الذخائر المتنوعة”، ويقدَّر ثمن هذه الأسلحة بعشرات ملايين الليرات.
وأوضحت الجهة ذاتها أن “الاعتقالات طاولت نحو 15 ضابطاً وعنصراً من ملاك الفوج، عدد منهم ما زال موقوفاً على ذمة التحقيق، في حين تشير التسريبات من التحقيقات أن تلك الأسلحة تم بيعها عبر السوق السوداء داخل السويداء”.
وقال الناشط “أبو جمال معروف”، وهو اسم مستعار لأسباب أمنية، في حديث مع “العربي الجديد”: “ليست هذه الحادثة الأولى من نوعها في الفرقة 15، ففي يونيو/حزيران من عام 2019، تم اغتيال ضابط أمن الفرقة العميد جمال الأحمد بالقرب من حاجز كفر اللحف، وكان برفقة سائقه الذي نجا من الحادث، عبر إطلاق نار من مجهولين، ليتبين لنا في ما بعد أن الأحمد كان يحقق بسرقة أحد مستودعات الأسلحة التابعة للفرقة، والذي على ما يبدو كان قد توصل إلى إدانة المتهمين”.
وأضاف: “اليوم تعتبر القوات النظامية وعلى رأسها الأجهزة الأمنية، مصدراً رئيسياً للأسلحة التي تنتشر في السويداء بشكل كبير، فالسويداء محاصرة من قبل القوات النظامية بشكل كامل، ولا يمكن أن تدخلها طلقة إلا عبرها، حيث لا توجد داخل المحافظة معامل إنتاج سلاح، وليس لديها حدود مفتوحة مع أي دولة، ولا حتى يمكن أن تهبط عليها من السماء، وللمفارقة أحد كبار تجار الأسلحة في المحافظة لديه معرض لبيع مختلف أنواع الأسلحة والذخائر بشكل غير شرعي، ويبعد عن فرع الأمن العسكري في السويداء بضع عشرات من الأمتار، وقد تصادف لديه ضباطاً وعناصر من القوات النظامية”، متابعاً: “كما أن هذه المؤسسة اليوم هي المورد الرئيسي للسوق السوداء من البنزين والمازوت”.
ورأى أن “الفساد استشرى في المؤسسة العسكرية بشكل غير مسبوق، وخصوصاً في ما يخص السلاح والذخائر”، متسائلاً عن كيفية حصول فصائل المعارضة التي كانت محاصرة داخل الغوطة الشرقية طوال أكثر من خمس سنوات على السلاح والذخيرة بظل وجود معارك شبه دائمة، وكيف كانت تسقط ألوية وفرق وحواجز، وحتى بعض المستودعات الرئيسية للقوات النظامية لولا الفساد؟ قائلاً: “يروي من خدم في القوات النظامية الكثير من القصص التي تشير إلى بيع تلك القطع العسكرية والأسلحة لمختلف الجهات”.
من جانبه، قال المحلل العسكري فايز الأسمر، في حديث مع “العربي الجديد”، إن “الفساد، ومنذ ما قبل الثورة، مستشرٍ داخل جيش النظام وإدارته وأجهزته الأمنية، وبدأ من الرشاوى وتفييش العساكر، ولم ينتهِ ببيع قسائم البنزين والغش في الصفقات الداخلية أو الخارجية، إن كان في تسليح الجيش أو في مهماته من ألبسة أو طعام، وذلك نتيجة تقاضي كبار عصابة وضباط النظام نسباً مفروضة من تلك الصفقات، يقدمها التجار لهم لترويج بضائعهم ومنتجاتهم المخالفة للمعايير والجودة المحددة”.
وتابع: “إذا كان هذا واقع الحال عندما كان هذا الجيش في حالة السلم وكان هناك نوع من الانضباط، فما بالكم في بقايا جيش أصبح غالبا مليشيات وفرق متعددة الولاءات، إن كان لإيران أو لروسيا، حيث زادت ودبت الفوضى في صفوفه أكثر خلال الثورة، وذلك بعد الخسائر الكبيرة في العدة والعتاد التي منيت بها قطعاته، وأصبح واقع الحال وجود قادة قطعات يستبيحون كل المحرمات للانتفاع، وخصوصاً عبر تقاضي الإتاوات لإدخال أي شيء للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام أو الخاضعة لسيطرته، فلمجرد تنقلك من مكان إلى آخر عليك الدفع، وحتى تجارة الأسلحة والتهريب نشطة جداً في مناطق النظام”.
وأضاف “لقد ازدهرت تجارة وبيع الأسلحة والذخائر والمواد الحربية من قبل كبار الضباط وقادة القطعات وحتى من قبل العناصر، وتمّ تحميل ذلك وتبريره على أنه خسائر حرب أو استُهلك أثناء خوض المعارك، وبالتأكيد كان يلجأ ضباط النظام إلى مثل تلك الروايات والمسلسلات في حين يغيب الرقيب”.
ولفت إلى أن “لبيع الأسلحة والذخائر من قبل عناصر القوات النظامية أسبابا متعددة، فهناك بيع كان يتم للحفاظ على حياتهم أثناء الحصار لحواجزهم والمعارك، وتفضيل الانسحاب وترك الأعتدة والذخائر على أنها غنائم حرب للطرف الآخر وهذا غالباً من دون مقابل، وبيع من نوع آخر مكشوف، وهو كيفية وصول الذخائر والتموين إلى مناطق للفصائل محاصرة ولمدد طويلة، إضافة إلى وصول الذخائر والأسلحة إلى الفصائل المتشددة”.
المصدر: العربي الجديد