على مدى الأعوام القليلة الماضية، شهدت المملكة المتحدة صعوداً في ظاهرة رهاب الإسلام، (الإسلاموفوبيا)، بمعدل مقلق. وفي العام 2011، دقت سعيدة وارسي، وهي رئيسة سابقة لحزب المحافظين وواحدة من كبار السياسيين المسلمين في البلاد، أجراس الإنذار عندما زعمت أن العنصرية ضد المسلمين أصبحت مطبَّعة في المجتمع لدرجة أنها “اجتازت اختبار مائدة العشاء”.(1) ولكن، لسوء حظها وحظ المجتمع البريطاني المسلم الأوسع، سارت الأمور منذ ذلك الحين من سيئ إلى أسوأ. في العام 2020، أرسل “المجلس الإسلامي في بريطانيا” إلى لجنة المساواة وحقوق الإنسان ملفًا يضم 300 ادعاء بممارسة “الإسلاموفوبيا” وكراهية الإسلام، والذي اتهمت فيه رئيس الوزراء، بوريس جونسون، وأعضاء آخرين من حزب المحافظين. وكانت هذه هي المرة الثانية التي يناشد فيها المجلس الإسلامي البريطاني هيئة مراقبة المساواة، دون جدوى، بدء تحقيق رسمي في تصرفات الحزب الحاكم.
في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أفادت الأنباء بأن علي إمداد، من برنامج المسابقات للخبازين، تعرض لإساءات معادية للإسلام أثناء استقلاله حافلة إلى المنزل. ولم يقتصر الأمر على أن أياً من الركاب الآخرين لم يهُب لنجدته، بحسب ما قال إمداد، ولكن عندما حاول رفع صوته للدفاع عن نفسه، هدده سائق الحافلة بإلقائه منها.
حتى الآن، لا يحظى مصطلح “الإسلاموفوبيا” بالتعريف المعترف به نفسه الذي تحظى به المصطلحات ذات الصلة، مثل “العنصرية”، ربما لأنه لم يتم الاعتراف به بطريقة يعتد بها -كممارسة- على مدار الأعوام العشرين الماضية إلا في الخطاب السياسي. وفي واقع الأمر، على الرغم من العديد من الجهود المميزة -بما فيها تلك التي بذلتها “مجموعة جميع الأحزاب البرلمانية بشأن المسلمين البريطانيين” في العام 2018- لا يوجد حتى الآن أي تعريف مقبول عالميًا لرهاب الإسلام.
الآن، يوجد في المملكة المتحدة أكثر من 3.4 مليون مسلم، أي ما يقرب من 5 في المائة من إجمالي سكان البلد. ويعرِض المجتمع البريطاني المسلم تنوعًا هائلاً في اللغة، والثقافة، والوضع الاجتماعي-الاقتصادي، إلى جانب مجموعة متنوعة من الممارسات الإسلامية. لكن المسلمين ما يزالون يُعاملون في الغالب، على الرغم من وجودهم في البلد منذ القرن السادس عشر، على أنهم “الآخر”.
خرجت ظاهرة رهاب الإسلام في المملكة إلى دائرة الضوء في سبعينيات القرن الماضي بسبب أزمة نفط منظمة الدول المنتجة للنفط (أوبك)، وشهدت خلطاً بين العرب والمسلمين الذين تم اعتبارهم جميعاً تهديدًا للاقتصاد والحضارة البريطانيين. كما عمل نشر رواية سلمان رشدي “آيات شيطانية” في العام 1988، التي جلبت عليه حنق المسلمين في جميع أنحاء العالم وفتوى دينية بإهدار دمه من قبل الزعيم الإيراني آية الله روح الله الخميني، على الدفع بظاهرة رهاب الإسلام إلى التيار الرئيسي أيضاً.
في الوقت نفسه، دفعت قضية رشدي -وما صاحبها من تغريب المسلمين- العديد من الشباب المسلمين في بريطانيا إلى الاتحاد والالتفاف حول هوية مسلمة، وهو ما أدى بدوره إلى مواجهة المسلمين المزيد من الرفض من المجتمع البريطاني الأوسع. وعلى الرغم من أن قوانين العرق في البلاد توفر الحماية القانونية لمجتمعات السيخ واليهود على أساس هويتهم العرقية/ الإثنية، فقد تم استبعاد المسلمين البريطانيين من هذه الحماية. وفي قضية “نيازي ضد رايمانز المحدودة”، في العام 1988، حُرم المستأنف المسلم من الحماية بموجب قانون العلاقات العرقية للعام 1976 لأن “المسلمين يضمون أناسًا من دول وألوان عديدة، ويتحدثون العديد من اللغات، والقاسم المشترك الوحيد بينهم هو الدين والثقافة الدينية”.
وحتى بعد عقود من ذلك، ما تزال التشريعات البريطانية المناهضة للعنصرية غير كافية للتعامل مع الاستهداف الذي يتعرض له المسلمون من قبل الجماعات اليمينية المتطرفة التي تستخدم أشكالاً أكثر مكراً من التحيز والتمييز. وعلى سبيل المثال، كتب كتّاب الأعمدة البارزون في المنصات الرئيسية مقالات وصفوا فيها “رهاب الإسلام” بأنه مجرد قصة خيالية مختلقة، بحجة أنه لا يوجد حتى ما يقترب مما يكفي من “الإسلاموفوبيا” داخل حزب المحافظين؛ أو أنهم كانوا يسألون بشكل ينذر بالسوء، “ماذا سنفعل حيال مشكلة المسلمين إذن؟” وقد واجهوا لقاء ذلك تداعيات مهنية ضئيلة أو القليل جداً من فقدان الاحترام، وهو أمر يصعب تخيله لو أن الهدف كان مجموعة أخرى غير المسلمين. وقبل أن يصبح رئيسًا للوزراء، قارن بوريس جونسون النساء اللواتي يرتدين البرقع بـ”صناديق البريد” و”لصوص البنوك”. وعلى الرغم من ارتفاع حوادث الكراهية ضد الإسلام بنسبة 375 في المائة في الأسبوع الذي تلا تعليقاته، وجد تحقيق داخلي أجراه حزب المحافظين أن هذه التصريحات كانت “محترِمة ومتسامحة”.
وليس السياسيون اليمينيون وحدهم هم الذين يحرِّضون على الخوف من الإسلام وكراهيته. ففي حين كانت هناك تغطية واسعة النطاق لوجود ظاهرة “الإسلاموفوبيا” في حزب المحافظين، كان حزب العمل، الذي يعد أكبر حزب سياسي مناهض للعنصرية في البلاد، حاضراً هو أيضًا في الأخبار للأسباب الخطأ. في أواخر العام الماضي، أصدرت “الشبكة الإسلامية في حزب العمل” تقريرًا دامغًا عن وجود ظاهرة رهاب الإسلام في الحزب، وكشفت أن أكثر من واحد من كل أربعة أعضاء من حزب العمال المسلمين قد عانوا من التمييز داخل صفوف الحزب، وأن نصف الأعضاء المسلمين لا يثقون في أن قيادة الحزب الجديدة ستتصدى لمعالجة هذه القضية.
كما تلعب وسائل الإعلام دورًا في المشكلة أيضًا، ربما بسبب تركيزها على الإسلام في السياقات الأجنبية. وراءً في العام 2007، كشف تقرير أصدرته “سلطة لندن الكبرى” عن أنه في تغطية وسائل الإعلام البريطانية على مدار أسبوع، كانت 91 في المائة من القصص عن المسلمين سلبية في طبيعتها. وكشفت دراسة حديثة أجراها “المجلس الإسلامي البريطاني” العام الماضي عن أن الكثير لم يتغير في هذا الصدد. وأظهرت الدراسات أن تعرض المسلمين للتصويرات النمطية السلبية في وسائل الإعلام يزيد من احتمالية دعم السكان لسياسات الحكومة التي تضر بالمسلمين وتؤدي إلى تآكل حقوقهم.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته بشكل مشترك Arab News وYouGov في العام 2017 أن غالبية الشعب البريطاني يؤيد التنميط العنصري ضد العرب. وفي العام 2019، وجدت شركة الرأي العام والبيانات الدولية، YouGov، أن 38 في المائة من البريطانيين يعتقدون أن الإسلام لا يتوافق مع القيم الغربية. وكانت لدى نسبة أعلى بكثير من المستجيبين وجهة نظر غير تفضيلية تجاه الإسلام مقارنة بأي دين آخر.
يعمل تغريب المسلمين واعتبارهم “الآخر” -حيث يُنظر إليهم على أنهم تهديد خارجي- على تحويلهم إلى أهداف تبدو مشروعة لمستويات غير متناسبة من الشك والمراقبة وجمع المعلومات الاستخبارية. ويمكن قول إن البرامج الحكومية مثل برنامج مكافحة الإرهاب المسمى Prevent، تعزز رهاب الإسلام. ويمثل المسلمون أكثر من 65 في المائة من الإحالات على الرغم من أنهم لا يشكلون سوى 5 في المائة فقط من السكان البريطانيين. وقد دفع ذلك العديد من الطلاب البريطانيين المسلمين إلى الخوف من التعبير عن أنفسهم بحرية أو المشاركة في السياسة. وحتى الجمعيات الخيرية الإسلامية توضع دائماً في مواقف إشكالية. وقد وجدت دراسة أجريت في العام 2017 أن “38 بالمائة من جميع التحقيقات القانونية التي تم الكشف عنها أجريت في حق جمعيات خيرية إسلامية، على الرغم من أنها لا تمثل سوى 1.21 بالمائة فقط من القطاع”.
ليست قضايا مثل العنصرية، وصورة “الآخر” ورهاب الإسلام مجرد مفاهيم مجردة مقتصرة على مجال الخطاب الأكاديمي. إن لها عواقب سلبية في الحياة الواقعية على ضحاياها، والتي تطال جميع جوانب الحياة. وقد أظهرت الدراسات أن الطلاب المسلمين هم أقل احتمالًا للحصول على أماكن في جامعات “مجموعة روسيل” Russell Group، التي يُنظر إليها على أنها مؤسسات النخبة في البلاد، حتى عندما يكونون حاصلين على العلامات نفسها مثل أقرانهم البيض. وفي الأثناء، ما يزال المسلمون “يعانون من أكبر العوائق الاقتصادية التي تواجه أي مجموعة” في المجتمع البريطاني، حيث تبلغ معدلات البطالة في المجتمع ضعف معدلاتها لدى عامة السكان. كما أن نسبة تواجد المسلمين في الوظائف الإدارية أو التنفيذية أو المهنية العليا هي نصف نسبتها في عامة السكان.
على مر الأعوام، قاد العديد من صناع السياسة، بمن فيهم رئيسا الوزراء السابقان توني بلير وديفيد كاميرون، دعوات إلى المجتمع الإسلامي في بريطانيا لبذل جهود أكبر للتوافق مع القيم “البريطانية”. وكانت الكثير من هذه الدعوات إلى مزيد من التكامل هي مجرد “احتواء تحت ستار التعددية الثقافية”، كما كتب الباحث ليون موسافي. وهي تستلزم تخلي المجموعة المهمشة عن هويتها الخاصة وتبني هوية المجموعة المهيمنة -من دون أن تضطر المجموعة المهيمنة إلى تقديم أي تنازلات ذات مغزى في المقابل. وإلى جانب ذلك، فإن تبني ما يسمى بالقيم البريطانية لم يمنع المسلمين البارزين، مثل البارونة وارسي، ووزير العدل الاسكتلندي حمزة يوسف، وعمدة لندن صادق خان، والصحفي آش ساركار، من التعرُّض للانتهاكات المعادية للإسلام.
بدلاً من ذلك، قد يكون الترحيب بالجماعات الخارجية بداية جيدة، لكنّ هذا يبقى غير كافٍ. إن قضايا الاستبعاد تدور حول أكثر من مجرد مجموعة من الأشخاص المتحيزين ذوي الآراء المتخلفة. إنها مسألة عميقة ومنهجية. وفي الحقيقة، سيكون السبيل الوحيد لحل قضايا بهذا الحجم هو الإصلاح الشامل، أولاً وقبل كل شيء، من خلال الاعتراف بأن رهاب الإسلام هو مصدر قلق حقيقي.
كبداية، فإن تبني التعريف العملي للإسلاموفوبيا -“الإسلاموفوبيا متجذرة في العنصرية، وهي شكل من أشكال العنصرية التي تستهدف التعبيرات عن الإسلام أو الإسلامية المتصورة”- الذي طورته المجموعة البرلمانية “كل الأحزاب البريطانية بشأن المسلمين البريطانيين، سيقطع شوطًا طويلاً في الإشارة -ليس فقط إلى الاعتراف بظاهرة التمييز من قبل المشرعين، وإنما إلى أنه سيتم تحدي هذه الظاهرة بقوة. وقد قوبلت المحاولة السابقة لحمل الحكومة على قبول هذا التعريف العملي بمقاومة شرسة. وسوف يتطلب تمريره شجاعة وإرادة سياسية هائلتين.
سوف يساعد على إظهار أن الإسلاموفوبيا تدوم طويلاً إذا تم التسامح معها إذا أخذت لجنة المساواة وحقوق الإنسان في الاعتبار مخاوف المجتمع المسلم وأطلقت تحقيقًا في حزب المحافظين بالطريقة نفسها التي حققت بها في معاداة السامية في حزب العمال. ويجب أن يحدث هذا عاجلاً وليس آجلاً. فقد عانى المسلمون البريطانيون طويلاً بما يكفي.
*Mohammad Zaheer : صحفي مستقل ومعلق سياسي ومرشح سابق لحزب العمل لمجلس واندسوورث.
هوامش المترجم:
- Passing the Dinner Table Test هو اختبار رمزي يستخدم لتحديد ما إذا كان موضوع ما مقبولًا بشكل عام لدى أقران المرء، أو مناسبًا للحوارات المهذبة، على مائدة العشاء، على سبيل المثال. والمقصود أن العنصرية ضد المسلمين أصبحت عادية ومقبولة في المجتمع البريطاني.
- (2) علي إمداد هو طباخ بريطاني وشخصية تلفزيونية. اشتهر بظهوره كمتسابق في سلسلة برنامج الطبخ The Great British Bake Off. كما يقدم إمداد البرنامج التلفزيوني “مطبخ الحلال” Halal Kitchen على التلفزيون البريطاني المسلم.
المصدر: الغد الأردنية/(فورين بوليسي)