وصل وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، مساء الخميس المنصرم إلى تركيا ضمن آخر محطة لجولته الإقليمية، التي شملت روسيا، وأذربيجان، وجورجيا، وأرمينيا. لا أحد يظن أنه جاء لبحث “علاقاتنا مع تركيا للأسف التي تشهد في هذه الفترة تراجعاً على الصعيد التجاري” كما قال. أو دفن ارتدادات أزمة قراءة أردوغان لأبيات من الشعر في احتفالات النصر بالعاصمة الأذربيجانية التي أغضبت إيران ودفعت ظريف نفسه للتغريد “ألم يخبر أحد أردوغان أن القصيدة التي تلاها بشكل غير صحيح في باكو تتعلق بالفصل القسري لمناطق أراس الشمالية عن موطنها الأصلي إيران؟”. لكنه يحضر وهو يعرف أن مهمته ستكون صعبة بسبب التباعد التركي الإيراني في التعامل مع ملفات إقليمية عديدة يتقدمها موضوع جنوب القوقاز والتطورات الأخيرة في قره باغ التي قلبت حسابات إيران هناك رأسا على عقب.
أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أمام الكاميرات وبعد لقائه بنظيره الإيراني أنه ينبغي زيادة التعاون والاستعداد لمرحلة ما بعد كورونا، لكن الذي يقلق طهران ويدفعها للتحرك السريع في المنطقة هو ما بعد وصول الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن إلى مقعد الحكم والتصريحات المخيبة للآمال الصادرة عن مسؤولين في فريق عمله حول إيران وسياساتها والمطلوب منها في القريب العاجل. إيران إذا مثل غيرها من الدول وأمام التطورات الإقليمية والسيناريوهات المحتملة تبحث عن تموضع جديد في التعامل مع ملفات متعددة الجوانب قد يكون لها ارتداداتها السلبية على مصالحها ونفوذها وهذا قد يكون بين الدوافع الأهم لتحرك ظريف نحو أنقرة.
يقول جاويش أوغلو إننا نجهد لتحسين علاقاتنا الثنائية مع طهران لكن ما تبحث عنه القيادة الإيرانية هو أبعد وأهم من ذلك بكثير. هناك قضايا خلافية كثيرة بين الطرفين تتحول يوما بعد آخر إلى تباعد واصطفافات لذلك جاء ظريف يذكر الأتراك أن البلدين الذين نجحا في حماية مسار علاقاتهما في أصعب الظروف عليهما التعاون والتنسيق لقطع الطريق على سيناريوهات أصعب قد تواجههما في المرحلة المقبلة. عندما يقول وزير الخارجية الإيراني إن تركيا هي صديق يوم الضيق فهذا يعني أن زيارته لتركيا هي زيارة جس نبض ومحاولة معرفة كيف تستعد أنقرة للإدارة الأميركية الجديدة وسياساتها الإقليمية. لكنها أيضا زيارة محاولة إقناع الأتراك، وعلى عكس قناعة الكثيرين في تركيا الذين لا يريدون أن ينسوا أن ميليشيات إيرانية لم تتردد في مشاركة قوات النظام السوري في استهداف أبراج المراقبة التركية في إدلب، إن طهران لم تتحرك في الأشهر الأخيرة لاستهداف مصالح تركيا الإقليمية أو الدخول في عملية بناء اصطفافات تهدف لعرقلة النفوذ التركي في جنوب القوقاز والعراق وسوريا وشمال أفريقيا. فهل ينجح في ذلك؟
هناك شعور تركي فشلت طهران في تبديده يقول إن الجانب الإيراني تنكر للخدمات التي قدمتها تركيا خلال أزمة الملف النووي والوساطات والجهود التي بذلتها لفتح الطريق أمام التفاهمات الإيرانية الغربية قبل 6 أعوام ، وأن طهران بدل أن ترد الجميل ذهبت وراء محاولات تضييق الخناق على السياسات التركية في العديد من الدول العربية والآسيوية والملفات الاستراتيجية التي تقلق أنقرة في هذه الآونة مثل مسار ملف الأزمة السورية والحرب على الإرهاب في شرق الفرات وشمال العراق وتطورات شرق المتوسط وخطوط نقل الطاقة ومصالح تركيا في القوقاز والبلقان. قدوم ظريف يتعلق أيضا بخيبة الأمل الإيرانية في رهانها على يريفان ودمشق وبغداد وبيروت وكابول وموسكو لإعطائها ما تريده في مواجهة تمدد النفوذ التركي.
إيران تتابع عن قرب التحولات في السياسة الخارجية التركية الإقليمية وهذا الانفتاح الجديد بين أنقرة وكثير من العواصم العربية والأوروبية، وهي تريد أن تحمي حصتها كي لا يكون هذا التقارب على حسابها وهذا ما حاول ظريف أن يحصل عليه خلال لقائه بالرئيس التركي أردوغان لحوالي الساعتين.
صحيح أن ظريف جاء يذكر الأتراك أن بلاده نددت بالعقوبات الأميركية الأخيرة ضد تركيا لكن أنقرة ذكرته حتما بأنها لم تسمع كثيرا حول المواقف الإيرانية المنتقدة للاصطفاف الأوروبي والإقليمي إلى جانب اليونان وقبرص اليونانية في الأشهر الماضية. ما أزعج تركيا هو محاولة طهران استغلال التوتر التركي مع هذه العواصم لتمرير رسائل مطالبة أنقرة بمراجعة سياساتها في المنطقة وهو موقف تلقته العديد من العواصم العربية مثل القاهرة ودمشق وبغداد على أنه ضوء أخضر إيراني للتصعيد ضد تركيا.
تبني تركيا في هذه المرحلة شبكة علاقات وتحالفات جديدة تريد إيران أن تعرف موقعها ودورها فيها وهذا ما حمل ظريف إلى أنقرة كما يبدو. كيف ستكون حسابات تركيا الإيرانية بعد التفاهمات التركية الروسية في جنوب القوقاز والتكتل الثلاثي التركي الأذري الباكستاني الأخير الذي ترك الأبواب مشرعة أمام أفغانستان لكنه نسي الحديث عن إيران؟
قد يكون بايدن هو القاسم المشترك الأول والأهم اليوم في العلاقات التركية الإيرانية لكن ما تريده طهران هو إقناع أنقرة بتحول حقيقي في مواقفها وسياساتها التي باعدت بين البلدين. وهي تتطلع نحو طمأنة تركيا في ملفات شرق أوسطية بينها سوريا والعراق ولبنان وسياستها في شرق المتوسط وشمال أفريقيا مقابل حماية حصتها ونفوذها في جنوب القوقاز. لذلك رأينا ظريف يتحدث عن “فرص خاصة للتعاون الثنائي بين البلدين في سوريا والقوقاز” ويستعين بمبادرة الرئيس الأذري إلهام علييف حول حوار سداسي يجمع اللاعبين الأساسيين في المنطقة لبحث ملفات سياسية واقتصادية وإنمائية ويعلن أنه بحث مع نظيره التركي عقد اجتماع ثلاثي تركي إيراني أفغاني لتوسيع رقعة العلاقات. فهل تعطيه أنقرة ما يريده؟
القاعدة الأولى المعمول بها تاريخيا في مسار العلاقات التركية الإيرانية هي احتساب خط الرجعة في كل توتر وتصعيد بين البلدين. قد تذهب تركيا وراء حوار إقليمي جديد مع إيران يضع كثيرا من ملفات الخلاف والتنسيق في سلة واحدة وقد تكون البداية التي تريدها تركيا قبل الذهاب إلى قمة ثلاثية تجمعها مع إيران وأذربيجان قمة تركية روسية إيرانية جديدة تسجل اختراقا حقيقيا في الملف السوري حيث يستعد بايدن لمواجهة شرق الفرات.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا