إيران وبايدن وثالثهما الاتفاق النووي… بين “نعم” و”لا”!

يوسف بدر

اتّبعت إيران سياسة “الصبر الاستراتيجي” حتى رحيل الرئيس الأميركي الجمهوري دونالد ترامب الذي فرض عليها سياسة “أقصى ضغط” من العقوبات بعد خروجه من الاتفاق النووي؛ وذلك من أجل دفع طهران للجلوس مرة أخرى الى طاولة التفاوض مع واشنطن حول نقائص في الاتفاق النووي ومناقشة قضايا أخرى تشغل حلفاء واشنطن في المنطقة، ومنها ملف البرنامج الصاروخي البالستي والتدخلات الإيرانية في دول المنطقة.

انتظرت إيران حتى وصول الرئيس الديموقراطي جو بايدن البيت الأبيض؛ إذ رأت فيه عودةً لنهج الرئيس الديموقراطي الأسبق باراك أوباما الذي تم في عهده فتح الحوار مع إيران والتوصل إلى عقد الاتفاق النووي داخل إطار مجموعة 5+1 الدولية عام 2015.

وبالفعل، بوصول بايدن إلى البيت الأبيض، تغيرت سياسة الولايات المتحدة الأميركية تجاه إيران، وبتعيين وليام بيرنز رئيساً لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي.آي.ايه.)، يبدو أن الإدارة الجديدة تعتزم استئناف المفاوضات في القضية النووية الإيرانية، لأن بيرنز هو شريك كامل لموقف الرئيس القائل إن ثمة حاجة إلى حل القضية النووية الإيرانية بوسائل دبلوماسية. وهو الذي بدأ قناة المحادثات السرية مع الإيرانيين عام 2013، في عُمان ومن وراء ظهر إسرائيل. ولكن مشهد التوتر بين البلدين لم ينته بعد.

العودة الى الاتفاق النووي

العودة الى الاتفاق النووي هي عنوان بايدن العريض؛ من أجل منع حصول إيران على قنبلة نووية قد تغيّر من التوازنات في المنطقة، وتضر بحلفاء واشنطن.

ترتكز خطة بايدن على “إعادة إيران للصندوق”، وهو تعبير من وصف مستشار الأمن القومي في إدارة بايدن، جيك سوليفان؛ إذ تستهدف خطته العودة إلى الاتفاق النووي أولاً؛ من أجل ضبط سلوك إيران مرة أخرى ومنع الموقف من التأزم أكثر معها، ومن ثم إجبار طهران على الامتثال لشروط الاتفاقية الأصلية.

وعبّر بايدن عن تلك الخطة في مقابلة مع “نيويورك تايمز”، بقوله: “بمجرّد العودة الى الاتفاق النووي، يجب أن تكون هناك، في وقت قصير جداً، جولة من المفاوضات من أجل السعي إلى إطالة مدّة القيود على إنتاج إيران للمواد الانشطارية، وكذلك لمعالجة أنشطة إيران الإقليمية، من خلال وكلائها في لبنان والعراق وسوريا واليمن. هناك الكثير من الحديث عن الصواريخ الدقيقة ومجموعة من الأشياء الأخرى التي تزعزع استقرار المنطقة، وأفضل طريقة لتحقيق بعض الاستقرار في المنطقة، هي عبر التعامل مع البرنامج النووي”. ورأى أنه إذا حصلت إيران على قنبلة نووية، فإن ذلك سيمارس ضغوطاً هائلة على السعودية وتركيا ومصر وغيرها من دول المنطقة، للحصول على أسلحة نووية بنفسها.

ولكن، تصر إدارة بايدن على مناقشة قضايا أخرى الى جانب الاتفاق النووي، بما يضمن الملاحة الدولية في منطقة الخليج ومضيق هرمز، وبما يضمن حماية حلفاء واشنطن في المنطقة، ولذلك، لا مفر من مناقشة مدة الاتفاق النووي، والتشديد على مستوى تخصيب اليورانيوم، واستخدام التكنولوجيا المتطورة في عملية التخصيب، وملف البرنامج الصاروخي البالستي.

والنتيجة، أن إدارة بايدن تقول نعم للعودة إلى الاتفاق النووي من أجل احتواء إيران، ولكننا لسنا متعجلين للقبول بالواقع الذي تريد أن تفرضه طهران.

طهران: نعم

تصر طهران على العودة إلى الاتفاق النووي الأصيل أولاً، ومن ثم يمكن النقاش في القضايا الأخرى. كما تؤكد طهران استمرار قاعدة “خطوة تقابلها خطوة” التي اتبعتها في عملية التفاوض إبان الاتفاق النووي في المرة الأولى، وما زالت تعتمدها خلال عملية العودة؛ فمقابل عودة واشنطن ورفع العقوبات كاملة ستوقف إيران كل الأنشطة النووية التي أقدمت عليها بعد خروج واشنطن، وذلك بالتراجع عن سياسة “خفض الالتزام النووي”.

وتأمل طهران تحقيق مكاسب، منها العودة إلى مستوى إنتاج النفط إلى ما قبل العقوبات الأميركية، والإفراج عن أرصدتها المجمدة في الخارج.

لكنّ هناك انقساماً سياسياً داخل إيران في التعامل مع الاتفاق النووي؛ فالإصلاحيون وحكومة الرئيس روحاني، يسعون لإنقاذ الاتفاق النووي من أجل تحصيل مكاسبه؛ بعد الانهيار الاقتصادي الكبير الذي عاشته حكومة روحاني، والذي أضعف شعبية هذه الحكومة، ومنح المحافظين والمتشددين فرصة للفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة بعدما سيطروا على مقاعد الانتخابات البرلمانية.

ولذلك، يماطل المحافظون في الموافقة على أي قوانين أو اتفاقيات قد تساعد الحكومة الحالية في إيران؛ ولذلك، لم يوافق مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي يسطر عليه المحافظون على لوائح مجموعة العمل المالي (FATF) المعنية بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب؛ لأن ذلك سيساعد حكومة روحاني في إدارة التجارة الخارجية والتعاملات المصرفية الأجنبية.

والنتيجة، أن الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة ستُجرى في 18 حزيران (يونيو) 2021، وأن الوقت ضيّق لإتمام مناقشة كل المواضيع بين واشنطن وطهران خلال هذه المدة. والعراقيل التي يضعها المحافظون أمام حكومة روحاني؛ تدل على أن المحافظين، سواء من المدنيين أم العسكريين، يراهنون على الفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وعلى أن عملية التفاوض مع واشنطن يجب أن تتم من خلالهم. وبالطبع لن تراهن واشنطن على عقد اتفاق شامل مع حكومة أوشكت أيامها على النهاية.

ومع ذلك، لن تنتظر إدارة بايدن حتى رحيل حكومة روحاني للبدء في اتخاذ خطوات إيجابية تجاه طهران؛ فالهدف هو احتواء إيران قبل فوات الأوان.

الوصول لاتفاق شامل: بايدن: نعم

تريد إدارة بايدن التوصل إلى اتفاق شامل مع إيران؛ بما يضمن مصالح الحلفاء وسلامتهم، عبر محاور ثلاثة:

  1. العودة الى الاتفاق النووي أولاً، والسعي لإصلاح ما دمّرته سياسات الرئيس ترامب، وكبح تقدم إيران النووي.
  2. العمل على كبح التوسع الإيراني في الشرق الأوسط، دبلوماسياً وعملياً، وهو ملف يشمل الوضع في العراق، والحرب في سوريا، والحرب في اليمن، وأمن دول مجلس التعاون الخليجي.
  3. ضمان أمن إسرائيل، وهو ملف معقد؛ يتداخل مع الملفين السابقين. وهو ما سيفرض على إدارة بايدن وضع اتفاق طويل الأمد يضمن تقليص التهديد النووي والصاروخي الإيراني الذي تتخوف منه إسرائيل.

ولذلك، تقوم إدارة بايدن بالتشاور مع الأوروبيين وعلى رأسهم فرنسا وألمانيا، وكذلك إسرائيل ودول الخليج، في إدارة هذه المحاور الثلاثة؛ لتفهم ما الذي يجب طرحه على إيران ليضمن سلامة الحلفاء، وفهم متطلباتهم، قبل دخول واشنطن في محادثات مع إيران. وفي دلالة على حرص بايدن على طمأنة الحلفاء من أجل ضمان التوصل الى اتفاق شامل، كان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أعلن العمل على مشاركة دول الخليج وإسرائيل في أي مفاوضات نووية بشأن إيران.

ويمثل المحور الإسرائيلي ـ الخليجي، الجانب الذي يمارس الضغوط على إدارة بايدن؛ من أجل عودة مشروطة للاتفاق النووي. إذ تجمع إسرائيل ودول الخليج مخاوف مشتركة تجاه إيران. وتمثل إسرائيل ورقة ضغط على إدارة بايدن بالنسبة الى دول الخليج التي تقاربت مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وكانت تراهن على فوزه بولاية رئاسية ثانية. ولذلك، وحسب موقع دبكا فايل الإسرائيلي، يعتزم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، القيام بأول رحلاته الرسمية إلى الإمارات والبحرين في الأسبوع الأول من شهر شباط (فبراير) للقاء حكامهما وجهاً لوجه. وذلك لتنشيط المحور الإقليمي الخليجي ـ الإسرائيلي ضد إيران الذي شكله الرئيس ترامب في أيلول (سبتمبر) الماضي. وسيكون الهدف الرئيس هو تنسيق موقف موحد في إدارة ملف إيران مع الإدارة الأميركية الجديدة.

وعلى ذلك، يلجأ بايدن إلى الجانب الأوروبي للتوازن أمام هذا المحور، وللتمهيد للعودة إلى الاتفاق النووي بصفتهم أعضاء مجموعة 5+1 التي أدارت الاتفاق النووي مع إيران؛ بخاصة أن الأوروبيين لديهم مصالح اقتصادية منتظرة من العودة إلى الاتفاق النووي. ومع ذلك، لديهم مخاوف مشتركة مع المحور الإقليمي تجاه برنامجي إيران النووي والصاروخي.

إيران: نعم ولا

تقبل إيران الوصول إلى اتفاق شامل مع الولايات المتحدة الأميركية ودول مجلس التعاون الخليجي، ولكن بشرط فصل الاتفاق النووي، عن أي اتفاق لاحق يتناول أي قضية أخرى. وهو ما ترجمه تصريح كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقتشي، الذي أكد في تصريح سابق، أنه “لن يكون هناك “اتفاق نووي +” ولا اتفاق جديد ولا مفاوضات جديدة حول الاتفاق النووي الذي أبرمته طهران مع الدول الست الكبرى عام 2015″. وهو ما يعني أن طهران لن تقبل أي محاولة تغيير في اتفاقها النووي مع مجموعة 5+1، وتضع العراقيل أمام سيناريوات إدارة بايدن نحو العودة الى الاتفاق النووي.

وهو ما يفسّر عدم الإعلان حتى الآن عن اجتماع رسمي بين واشنطن وطهران للعودة الى الاتفاق النووي، وما زالت عملية التواصل بين الطرفين تتم بشكل غير رسمي، ومنها عن طريق قناة مندوب إيران الدائم لدى الأمم المتحدة، مجيد تخت روانتشي، الذي نقل إلى واشنطن شروط طهران للعودة إلى الاتفاق النووي، وفحواها:

– يجب تنفيذ الاتفاق النووي بالكامل، وبالتالي لن تقبل طهران برفع جزئي للعقوبات؛ وإن قامت واشنطن بذلك، فستكون خطوة طهران بالمثل؛ وهي الالتزام الجزئي بالاتفاق النووي.

– مناقشة أي خلاف حول الاتفاق النووي يجب عدم بحثه إلا في إطار اجتماعات لجان الاتفاق. وتريد طهران الاستفادة من هذه النقطة، بما يضمن عدم تكرار خروج طرف من الاتفاق كما فعلت واشنطن في عهد ترامب، إلى جانب مناقشتها الحصول على تعويضات جراء خروج واشنطن من الاتفاق النووي وفرض عقوبات على طهران.

– رفض مشاركة أي أطراف جديدة في مجموعة الاتفاق النووي 5+1. وتهدف طهران من ذلك، إلى منع مشاركة إسرائيل ودول الخليج في أي اجتماع قادم يتعلق بالاتفاق النووي. وهو أمر تخطط له إدارة بايدن، وتقلق طهران من هذه المشاركة التي قد تؤدي إلى القضاء على الاتفاق النووي. بخاصة أن هذه الأطراف عارضته وعملت على إفشاله أو تغييره من قبل.

– يجب عدم ربط أي ملف آخر بالاتفاق النووي، مثل برنامجها الصاروخي وأنشطتها الإقليمية. وتهدف إيران من هذا الشرط، الى استخدام الملفات الأخرى في إمكان التوصل إلى تفاهمات أمنية واقتصادية مع دول مجلس التعاون الخليجي، من خلال طرحها مبادرة “هرمز للسلام”، التي طرحتها من قبل.

– البرنامج الصاروخي لا يمكن التفاوض حوله ضمن الاتفاق النووي، ولكن طهران مستعدة لبحثه في إطار أممي وشامل. وبذلك تريد طهران معالجة قضية الصواريخ البالستية في المنطقة ككل، تحت مظلة الأمم المتحدة. كما تهدف للوصول إلى اتفاقية أمنية شاملة، بما يمهّد لخروج القوات الأجنبية من المنطقة. وتمهّد إيران لهذه الخطوة مع روسيا، قبل عامين، وما زالت، حيث تقدمت بمقترح “أمن الخليج في يد دول الخليج وبمشاركة وإشراف الأمم المتحدة”. وتسعى إيران إلى الاستفادة من سياسة فك الارتباط الأميركية بمنطقة الخليج؛ بإحضار روسيا والصين إلى هذه المنطقة.

– لن تقبل طهران عودة مشروطة من واشنطن الى الاتفاق النووي؛ مثلما فعل ترامب في حل كثير من قضايا المنطقة، بشرط الاعتراف بإسرائيل. ولذلك، لن تقبل إيران شرط اعترافها بحل الدولتين للقضية الفلسطينية، وما زالت تصر طهران على أن الفلسطينيين هم من يجب أن يقرروا مصيرهم.

والمحصلة، أن هذه النقاط تمثل موقف الدولة الإيرانية، لا موقف الإصلاحيين أو المحافظين، وبالتالي ستظل حائط صد أمام مساعي بايدن وإن تعامل مع حكومة إيرانية غير الحكومة الحالية. وطهران، مقابل سياسة “الصبر الاستراتيجي” التي انتهجتها إبان إدارة ترامب، لن تقبل بعودة مشروطة للاتفاق النووي، وأن على واشنطن اتخاذ الخطوة الأولى في هذه العودة.

ولذلك، تستمر طهران في سياسة “خفض الالتزام النووي” للضغط على واشنطن والأوروبيين؛ وهو ما ترجمه تصريح علي ربيعي، المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، الثلثاء 26 كانون الثاني (يناير)، الذي قال: “ما زلنا ننتظر الموقف الرسمي للولايات المتحدة بالعودة إلى التزاماتها.. في الوقت الحالي، لا خطط للتفاوض مع الولايات المتحدة، وأي إجراء عملي في هذا الصدد مرهون بعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي والتزاماتها بموجب القرار 2231. والولايات المتحدة لن تحظى بهذه الفرصة إلى الأبد، فهذه النافذة محدودة بالنسبة الى الولايات المتحدة والدول الأوروبية المفاوضة”. وأكد تنفيذ قرار البرلمان الإيراني حول تعليق البروتوكول الإضافي، الذي يسمح للمفتشين النوويين الدوليين بدخول الأماكن النووية، في الأسبوع الأخير من شباط المقبل.

المصدر: النهار العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى