وما قدروا أنفسهم حق قدرها

عدنان علي

الأزمة الغريبة التي طالت وفد المعارضة إلى مفاوضات اللجنة الدستورية عشية انعقاد الجولة الخامسة من اجتماعات هذه اللجنة في جنيف، لا يمكن فهمها إلا في سياق النتيجة التي تمخضت عنها حتى الآن، وهي إلحاق مزيد من الضعف والتشويه بموقف ومكانة الوفد المعارض، لصالح وفد النظام الذي يبدو موحدا و”متزنا”، خاصة أن الحديث هو عن جولة حاسمة، من المنتظر وفق التصريحات، أن يحشر فيها وفد النظام في الزاوية، لإجباره على الدخول في بحث القضايا الجدية، بعد أربع جولات من المماطلة والتسويف.

والهدف الآخر من هذه الأزمة المفتعلة، والتي سوف تستتبع على الأرجح بمزيد من الأزمات المشابهة الرامية إلى الحط أكثر من قيمة وفد المعارضة، و”جناحه المتطرف” كما يوصف، على وجه الخصوص، أي ممثلي الائتلاف والفصائل العسكرية في هيئة التفاوض، هو تمهيد المسرح للانتخابات الرئاسية التي يخطط النظام لتنظيمها في الشهر السابع من العام الجاري، بحيث يكون العالم أمام مشهد واضح، وهو معارضة منقسمة متشرذمة لا تستحق الثقة من المجتمع الدولي، ولا حتى من جمهور المعارضة نفسه، مقابل نظام على “علاته” متماسك ومدعوم على الأقل من بعض القوى الدولية وحتى الإقليمية ضمنا، والتي تسعى إلى إعادة تعويمه كأهون الشرور، على اعتبار أنه لا بديل عنه، في ضوء حال المعارضة المذكور آنفا.

هذا التشرذم الإضافي في صفوف المعارضة سلاح قديم طالما استخدمه النظام وحليفه الأبرز روسيا، باعتبار أن أي ضعف واضطراب في صفوف المعارضة، يصب تلقائيا في مصلحة النظام، بضربه البدائل المحتملة أو المطروحة عن هذا النظام. ولا شك أن النظام وروسيا يستخدمان بعض الأطراف المقحمة قسرا في وفد المعارضة، لتحقيق أهدافهم، مثل منصة موسكو وبعض الأطراف والشخصيات الأخرى.

وفي المقابل، ليس لدى المعارضة التي أنهكت صورتها خلال السنوات الماضية في التنقل بين أحضان الأطراف الإقليمية التي تحاول غالبا استخدامها كورقة لمناكفة أطراف أخرى، كثير من الخيارات. إما تواصل محاولاتها لإرضاء ما تبقى من داعميها الإقليميين، أو تحاول ولو بعد فوات الأوان تقريبا، التمسك بقرارها الوطني المستقل، وتتخذ موقفا حاسما يقنع الآخرين بأنها طرف أصيل في المعادلة السورية، وليست مجرد ممثل لهذا الطرف الإقليمي أو ذاك. وهذا الخيار الثاني، يبدو من الصعوبة بمكان، لأن هذه المعارضة هي اليوم في أعلى درجات الضعف والاستتباع للخارج، ويتعذر بالتالي تمكنها من اتخاذ موقف موحد حيال أية مسألة، فيما تتسلل، بل تستوطن قناعة لدى كثير من أطرافها وشخصياتها بأنهم مجرد زوائد للديكور السياسي الذي يستلزم وجود نظام ومعارضة، دون أن يقدروا موقعهم حق قدره، بوصفهم عنصرا لا يمكن الاستغناء عنه، ولا يستقيم أي حل في سوريا، ما لم تكن المعارضة طرفا فيه، لأن هذا الحل لا يمكن أن يكون بين النظام ونفسه، ولا حتى  بين النظام وأي طرف مفبرك على أنه هو المعارضة.

فالمعارضة إذا على ضعفها وهوانها على نفسها وعلى الناس، ركن أساسي في أية حلول سياسية تخص مستقبل سوريا، هو ما لم يبلغ بعد وعي وإدراك كثير من ممثليها الحاليين الذين طالما كان بعضهم منشغلا خلال السنوات الماضية بتحقيق مكتسبات صغيرة، وأحيانا شخصية، على حساب القضية التي يفترض أنهم يمثلونها، إما بسبب نقص في الوعي والحس الوطني كون معظمهم سجله خال من أية تجارب أو مؤهلات مناسبة، فيما اختار البعض الآخر بوعي وإدراك أن يكون مجرد دمية بيد هذا الطرف أو ذاك، مقابل مصالح واعتبارات شخصية.

وتتزايد الضغوط الشعبية اليوم على ممثلي المعارضة ليرتقوا بسلوكهم وقراراتهم إلى المستوى المأمول منهم، وألا يكون أعظم اهتمامهم السفر إلى جنيف، أو الاجتماع بهذا المسؤول الدولي أو ذاك، دون احتساب جدوى كل ذلك بالنسبة للقضية التي يفترض أنهم نذروا أنفسهم لها، بينما يتوسع الانطباع بأنهم إنما كانوا مجرد متسلقين على ظهر هذه القضية، دون أن يرتقوا إلى مستوى تضحيات الشعب السوري في سبيل الحرية والانعتاق من هذا النظام الظالم.

المصدر: موقع تلفزيون سوريا

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى