الكاتب معلوم لكنه غير معلن. الرواية من الأعمال الأدبية الأولى حسب علمي التي دخلت في نبض الثورة السورية على لسان أحد ناشطيها، وهنا الفرادة. وهي لا تستغرق في الثورة فقط، رغم أن الثورة تحتاج لمئات الروايات والتحاليل والكتب لتعطيها حقها. تدخل بشفافية آسرة إلى البعد الوجودي والفلسفي حول الله. وإلى موضوع الخلود، الخالد،الحب. وكأنك تتفاعل معه لأول مرة
عمر شاب دمشقي من اسرة ميسورة الحال، طالب جامعي يدرس الطب. يتفاعل مع أجواء الربيع العربي . ويراقب الحالة السورية ويتساءل هل يأتينا الربيع أم لا ؟. يتابع عبر النت مع كثير من الاصدقاء .ومع صديق عمره مضر كل المتغيرات. ينتمي لهذا الربيع ولو سألته لماذا لكان جوابة ضبابيا.؟. لكنه يحسّ بضرورة أن يكون جزء من قدر الحرية لأهله وناسه. قد لا يعرف كيف يجيب عن حاجته للحرية والكرامة والعدالة ورفض القهر والظلم وبناء حياة الإنسان الافضل. كل ذلك وجده في ربيعنا الذي سرعان ما أتى. تفتّح في رفض الذل في دمشق ومع أطفال درعا والتظاهر في كل مكان. عمر نذر نفسه ليكون من ناشطي الربيع السوري. يشارك بالتظاهرات الطيّارة يشارك بالاعداد ويعيش أجواء الخوف والترقب والحرص واخفاء المعالم وإطلاق طاقات الروح والتحرر في الهتاف. القتل المعنوي للطغيان والطاغية . إخفاء العمل عن العائلة والأهل، الخائفين على أولادهم. الأولاد الذين يلعبون في أقدارهم. كانت تجربة الحرية التي احسّ بها عمر وأصحابه بانسانيتهم فعلا
عمر يعيش تجربة وجودية ثرية أخرى، غير بحثه عن الحرية والكرامة والعدالة. عمر نشأ في بيئة متدينة والدين حاضر في حياته وسلوكه الاجتماعي والأخلاقي. يفكر في الله يبحث عن أجوبة حول الوجود والغيب وتساؤلات الما قبل والما بعد. أسئلة تكون مبررة ومشروعة وطاحنة عندما يكون الإنسان منا ضحية ظلم مباشر. فهو يحتاج إلى الله بالمباشر حتى ينصره. فما بالك والحديث عن سورية التي أصبحت كلها ضحية ظلم جماعي وقتل وتدمير وانتهاك لحياة الناس جميعا. عمر يعيش شبكة علاقات وتفاعلات . يتساءل ويفكر داخل نفسه. يعاني كثيرا ويفتقد الله احيانا ويراه بعيدا، واحيانا اخرى يجده قريبا جدا في قلبه. عند عمر – أيضا – حب يمتلك كيانه بالمطلق .”عُلا” صديقة اخته الفتاة المنطلقة الحرة المنفتحة العقل والمتفاعلة معه بكل صدق ومحبة. شريكته في التظاهر وثورة الحرية. علا ستكون مدخله إلى أزمته في البحث عن الله والإيمان فهي تؤمن بالله وتنكر الأديان ودورها. اما هو، فما زال يبحث . هو يحبها وهي تستشعر ذلك، تتعامل معه محترمة مشاعره لكنها غير متجاوبة معه، لاعتقادها أنهما مختلفين فكريا، وهذا برأيها سيمنع الحب من النجاح. لم يستطع اقناعها بان للتنوع في الفكر إغناء للحب، وان أسئلة الوجود والفلسفة لا نهاية لها وبابها مفتوح لكل مستجد. سكنت بحبها روحه كمرض لا فكاك منه. وهي تخلت عنه، بموقف غير مفهوم وغير مبرر، وهذه نقطة الضعف الوحيدة في الرواية
في طريق البحث عن الله أخذ عمر يتبحر ويطّلع وتزداد معرفته وحيرته .والجواب الوجودي اخيرا داخل النفس. فالكتب تنور الحالة ولا تصنع إيمانا أو نقيضه. عمر يتابع نبض الثورة، يشارك بالتظاهر .مضر صديقه يطلبه الأمن فيهرب للخارج. ويستمر مع صديقه محمد في مناشط الثورة. محمد الذي سرعان ما يعتقل في احدى المهام الثورية . فينتقل عمر للعمل الميداني الإغاثي .يستقبل المنكوبين والمهجرين. يعالج المصابين والجرحى . ويطارد بعد مظاهرة وينجو بألطاف الله .حيث كان الله معه في تلك اللحظة (هكذا احس). يعتكف متخفيا في بيت جده، يراقب تطور بطش النظام وانتقال الثورة للعمل المسلح. يسمع دوي المدافع من قاسيون على أحياء دمشق الجنوبية. يجتر آلامه دون جدوى. يستحضر الله كثيرا. ويستحضر حبه المجهض ويستمر دوره الإنساني قدر طاقته
عند عمر أسئلة عن الثورة لا تنتهي واجوبتها دائما ناقصة. يخرج صديقه محمد من المعتقل، ويعود معه لعلاقة حميمية تنظر لواقع الحال. الناس الهاربون من النظام ووحشيته. البلد وتدميرها تجربة الاعتقال. وحلم في ذكرى الثورة الثالثة أن يكون لسورية عيد في يوم ما بذكرى الثورة. وحيث يعيش الإنسان السوري بحرية وكرامة وعدالة.
تنهي الرواية باستحضار النصر وحضور علا الحبيبة التي ما غابت عن خاطر عمر ابدا. في الرواية وجدانيات رائعة. وفيها تساؤلات فلسفية عن الوجود والغيب والله والعدل والظلم والحب والاختلاف والحرية. لا أجوبة هناك . ولأن الأزمة الوجودية تحيي عند الإنسان حاجته لله والحب والأمان، وكانت الحبيبه مطلب قاهر. وكان الله مصدر الأمان في مواجهة خطر وجودي. وعند الحديث عن الأديان سيكون البحث عن المصالحة بين الإيمان والعقل والعلم أحد أهم مرتكزات الفكر الإنساني المتوازن. وسيكون قبول التعدد والتنوع فكرا وسلوكا ومعتقدا كقبول الوجود الفردي لكل إنسان كما هو فريد ومتميز. وستكون الديمقراطية جواب التعايش لمجتمع متعدد على قاعدة احترام حقوق الإنسان وكرامته وحقه بالحرية والعدالة. هذه رسالة الثورة السورية، والرسالة المضمرة للرواية.